حرب شعبية لتحرير كوريا
في أوائل القرن العشرين الماضي، نشأت المسألة المتعلّقة بما إذا كان ينتهي وجود إحدى الأمم تماماً ويختفي أحد البلدان إلى الأبد من على خارطة العالم أم لا، إذ أن تاريخ الأمة الكورية، تاريخها العريق العائد إلى خمسة آلاف سنة، كان ينقطع دون رحمة من جراء احتلال اليابان العسكري لكوريا(1905 – 1945). في تلك الفترة المظلمة، خاض الرئيس كيم إيل سونغ غمار النضال المسلح الشاق ضد اليابان، حتى استرجع البلاد السليبة. إن هذا النضال الذي شنه الكوريون لتحرير وطنهم منذ الثلاثينات من القرن الماضي وفي أيديهم السلاح وخرجوا ظافرين تحت قيادته كان بمثابة حرب شعبية.
في نيسان/ أبريل عام 1932، أعلن جيش حرب العصابات الشعبي المناهض لليابان (سلف الجيش الثوري الشعبي الكوري) تأسيسه عاقدا العزم على إطلاق الحرب المناهضة لليابان في مواجهة مباشرة مع الجيش الياباني المزود بالأسلحة والأعتدة الحربية الحديثة مثل الطائرات والدبابات، والذي كان منهمكا في توسيع الأراضي المحتلة. آنذاك، لم يزد عدد أفراد جيش حرب العصابات على 100 شخص إلا قليلا. والحالة هذه، تصدى الإمبرياليون اليابانيون لـ”تأديب” هذا الجيش ردحا طويلا من الزمن، واصفين إياه بـ”حبة من الرمل في المحيط”، إلا أنهم لم يستطيعوا ذلك على الرغم من كثرة الخسائر البشرية. كلما اشتدت حملة “تأديبهم” للجيش الثوري، كلما ازدادت وحدة القائد كيم إيل سونغ سعة ونموا. أمام هذا الواقع الغامض الأشبه باللغز، انتاب الجيش الياباني فزع بالغ.
حين عرف المجتمع الدولي حلا لهذا اللغز بعد مدة طويلة من الزمن، لم يتمالك نفسه من شدة إعجابه وثنائه للرئيس كيم إيل سونغ الذي أتى بهذا الواقع المدهش.
كان الحل الرئيسي لهذا اللغز هو الوحدة بين الجيش والشعب.
كان النضال المسلح المناهض لليابان يدور في أقسى الظروف التي لم يكن فيها عمق استراتيجي من دولة ودعم من جيش نظامي. لكن الرئيس كيم إيل سونغ لم يعتبر جيش حرب العصابات الشعبي المناهض لليابان، عند تأسيسه، كائنا معزولا على الإطلاق. ذلك لأنه اقتنع بأن هذا الجيش ظهر إلى حيز الوجود من على البحر المسمى بالشعب، وأن الأمة الكورية تتميز بعلو روح حب البلاد إلى أقصى درجة. كان الشعب هو دولة ومؤخرة في نظر الرئيس كيم إيل سونغ. لذا فإنه طرح شعار “كما لا يستطيع السمك أن يعيش خارج الماء، كذلك لا يستطيع جيش حرب العصابات الحياة بعيدا عن الشعب” كأسلوب وجود هذا الجيش. وعلى ذلك، كان من عادة الرئيس، في حال مكوث وحدته في إحدى القرى، أن يقطع الحطب المتراكم في فناء المنزل ويحمل الماء إليه، قائلا إن “القائد هو أيضا ابن الشعب”، ويشاطر الشعب السراء والضراء على الدوام، دون أن يطمع في أي امتيازات أو معاملة تفضيلية مما خلق عددا كبيرا من أساطير الحب للشعب. من أبرز القصص عنها مطالبته أحد مقاتلي جيش حرب العصابات بإرجاع البقر إلى صاحبه، ذلك الذي جاء به دون ترو بحجة أن السكان ناولوه زمامه من صميم قلوبهم، واصطحابه أحد الجنود الذي أخذ دجاجا بلا مقابل إلى صاحبه ليدفع له المبالغ بعدة أضعاف ثمنه الأصلي ويقدم له تحيته القلبية المقرونة بالشكر، وأمره بإعادة عرانيس الذرة بمقدار ثلاث حقائب ظهر، المقطوفة دون إذن من صاحبها، إلى حافة الحقل.
ولذلك، لم يحدث قط أن يمس مقاتلو جيش حرب العصابات جزافا بممتلكات الشعب، حتى ولو ماتوا جوعا وبردا، وفي حال أخذهم كمية معينة من البطاطا دون تلقي سماح من صاحبها لأسباب اضطرارية، وضعوا على حافة الحقل أو في قبو البطاطا رسالة اعتذار والنقود التي تعادل عدة أضعاف ثمنها الأصلي.
تنص “الأنظمة المؤقتة للجيش الثوري الشعبي الكوري” التي وضعها الرئيس كيم إيل سونغ كقواعد سلوكه على أن هذا الجيش يحمي ويدافع عن أرواح الشعب وممتلكاته، ويناضل من أجل تحرير الوطن والشعب مشاطرا الشعب السراء والضراء ومتحدا معه ككيان واحد، بعد أن وضع نصب أعينه مقولة أن “السمك لا يستطيع العيش خارج الماء”.
من خلال ذلك أيضا، يمكننا أن نعرف جيدا غايات الرئيس كيم إيل سونغ الذي حث أفراد الجيش الثوري الشعبي على اتخاذ ممارسة النشاط بوضع مصالح الشعب في المقام الأول كواجب أساسي لهم.
كان يقول دائما لهم: عليكم أن تحبوا الشعب، نحن إذا كنا نعامل الشعب باستخفاف فإنه يعرض عنا، فليس ثمة أخشى ما نخشاه من أن ينبذنا الشعب.
وفاء لغاياته هذه، كان هؤلاء المقاتلون يجدون قيمة وجودهم في أبناء الشعب، واعتبروا الحب للشعب وتمتعهم بتأييده مسألة تقرر بقاءهم أحياء أم فناءهم، قبل أن يكونا مسألة تقرر انتصارهم أم انهزامهم في المعارك.
من هنا، كان الإمبرياليون اليابانيون يستخدمون كل الطرق والوسائل لقطع صلة الجيش الثوري بالشعب، ونذكر على سبيل المثال سياسة “قرى الاعتقال الجماعي” التي ساروا عليها منذ أواسط الثلاثينات من القرن الماضي. إلا أن أبناء الشعب أرسلوا إلى جيش حرب العصابات كميات كبيرة من مواد المساعدة مثل الحبوب الغذائية والملح والملبوسات، والمعلومات عن أحوال العدو، مجازفين بحياتهم، حتى وسط مراقبة العدو الشديدة وقمعه القاسي.
وفي النهاية، استطاع جيش حرب العصابات الكوري أن يقهر أعتى عدو ياباني مدجج بالسلاح حتى أسنانه، رغم زعمه بأن هذا الجيش أشبه بـ”قطرة في المحيط”، لأنه كان لديه الشعب الذي يشكل محيطا غير محدود.
هكذا، صنع الرئيس كيم إيل سونغ، في أيام نضاله ضد اليابان، تاريخا جديدا للعلاقات بين الجيش والشعب، بعرض فلسفته النادرة التي تقول بأن العلاقات بين جيش حرب العصابات والشعب هي العلاقات بين “السمك والمياه”.