النكتة.. تداول فيسبوكي لقهر المعاناة ومحاولة لإيصال الموقف الشعبي بالسخرية!
تشكل النكتة أحد أهم الطرق التي يلجأ إليها أبناء المجتمع لإظهار الحقائق التي لا يمكن قبولها بطريقةٍ أخرى، وهذا ما جعل المواطن قادراً على مواجهة المآسي بالضحك والتَّفنُّن في مُراوغة الوَجَع والجوع والمرض، وأكثر من ذلك امتهان تأليف النكات وإبداعها، أو “قهر القهر” بحسب تعريفات فلسفية.
عشرات النكت التي تتداولها وسائل التواصُل الاجتماعي يوميا دليل على ازدهار هذا الجنس الأدبي الشعبي، وتظهر النكتة في هذه الحالات لتعبِّر عن القهر والحُزن. ومَن يصغي جيّداً إلى النكات المنتشرة هذه الأيام سيسمع خلف كلماتها ومُفارقاتها المُضْحِكة أنيناً يشي بحقيقة ما يعيشونه وما يفكِّرون به.
نكت غير بريئة
تنامي النكتة (غير البريئة) في المجتمع، يدل على سوء العلاقة ما بين المواطن والمسؤول.. يقول الفنان التشكيلي نضال خليل: لعبت النكتة في سورية خلال العشر سنوات الأخيرة تحديداً دوراَ كبيراً في رسم ملامح البسمة على وجوه الناس، وربما هذا عائد للكم الهائل من المفارقات التي عايشها يوميا هؤلاء وشكلت تحدياَ جدياَ كونها فرضت سلوكيات وأنماط تكيف لم يعتد عليها غالبية السوريون قبل ذلك، فكانت الكلمة الساخرة أو اللعب على المفارقات الكلامية وسيلة تعبير للاحتجاج عليها أو الامتعاض منها كفشة خلق.
ولاشك أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراَ كبيراَ في إيجاد مناخ ملائم لهذا النمط في التعبير وتطوره وبالتالي كانت منبراً حقيقياً للتنفيس عن الناس ويتضح هذا من خلال تناقلهم لأي نكتة أو نهفة عبر مشاركتها على صفحاتهم أو ارسالها لأصدقائهم لا بل استعمالها في طريقة تعاملهم مع الآخرين (الكلام الك يا كنة اسمعي يا جارة).
تحول كبير
مع بداية الأحداث، حدث تحول كبير في مفردات النكتة ومدلولاتها لا بل حدث تطور كبير في مستوى الشحنة الكوميدية الساخرة ولا شك أن هذا يعود لمشاركة الجميع في عملية التطوير نتيجة التداول الكثير فالأزمات المتلاحقة (مازوت – كهربا – خبز – غاز) جعل تلك المفردات هي العمود الفقري لحديث الناس فكان تناولها كفكاهة هي المساحة البيضاء التي يتم اللجوء إليها وسط السواد الكبير الذي يملأ نفسية المواطن، وهنا نستطيع القول إن النكتة إضافة لكونها وسيلة تنفيس عن حالة ما لعبت دوراَ توثيقياً في تطورات الأحداث وكانت شاهداَ على الأزمات، والنقطة اللافتة أن التكنولوجيا الرقمية ساهمت بشكل كبير في تلك “التنفيسة”، فبرامج الغرافيك التي أصبحت في متناول مستخدمي الجوال أوجدت خيارات متنوعة لدى المتابع والمستخدم على حد سواء، فأصبح وضع كلام على صورة أو صوت أو مؤثر يلعب دورا كبيراً في ترك انطباع أكبر، فانتقلت السخرية من مجرد كلام إلى شكل حي (صوت وصورة) وهو باعتقاد خليل كان له بعد كبير في تأثير النكتة على الرأي العام، وهنا لابد من الإشارة إلى اختفاء النكت البذيئة من قاموس الكوميديا السوداء، ربما لأن هناك أولويات في الهم، وثانياَ لظهور مواهب في تأليف أو معالجة كوميديا الموقف، وهؤلاء جاهدوا لإعطاء تلك الصيغة القيمة الأدبية والشكل الفني بعيداً عن الابتذال، وهو أمر أيضاَ جدير بالاهتمام، بأي حال أثبتت المشاهدات والمتابعة أن النكتة هي الوسيلة والدواء للناس للتعبير وإن اختلفت الأساليب “فما أضيق الحياة لولا فسحة الأمل”.
الكاتب أكرم رافع يعرف النكتة بأنها قصة قصيرة جداً تحمل مفارقات درامية ونهاية كوميدية غير متوقعة، لذلك كان الضحك بَلْسم الهموم ومرهم الأحزان ولايزال الضحك والترويح عن النفس من خلال إنتاج تصورات كاريكاتورية للواقع المعاش، يخفف آلام البشر عندما تشتد أوجاع الناس وتكثر عليهم الأزمات، فيلجؤون عادة إلى نسج النكات، ويتحول الهم والوجع والمشكلات إلى مادة للتندر والضحك… لذلك كانت النكتة متنفساً نقدياً ساخراً، وهي محاولة لقهر القهر والضحك في وجه الألم. لأن النكتة تتميز بفن قائم بذاته له أدواته معتمداً على خلاصة التجارب البشرية، ومواقف متكررة الأنماط فيرصد اللقطة في هذه المواقف ليحولها إلى مفارقات مغايرة للمنطق والواقع.
هي حَلّ
وتشكل النكتة وما تحمله من سُخرية حلاً إذا انعدمت الحلول وأُسدلِت الستارة على واقع مأساوي لا يمكن أن تفكّكه إلا الكوميديا المقهورة وهذا النوع من التقنيات في التعبير يحضر بقوَّة كلما ارتفع حجم الضغط وكلما صار المشهد شديد التعقيد وصعب الحل.
المدربة الدولية فاتن نظام تربط بين النكتة والضحك وتعكس فوائد الضحكة على أهمية النكتة وانتشارها في مجتمعنا فالضحك ليس مجرد اختيار سريع لرفع المعنويات فقط ، فهو أيضا وسيلة جيدة على المدى الطويل حيث يعمل الضحك على تحسين الجهاز المناعي حيث تُظهر الأفكار السلبية بعض التفاعلات الكيميائية التي يمكن أن تؤثر على الجسم عن طريق جلْب المزيد من الضغط النفسي على الأجهزة وتقليل المناعة وعلى النقيض من ذلكَ، يمكن للأفكار الإيجابية في الواقع إنتاج الببتيدات العصبية التي تساعد على مكافحة الضغط النفسي والأمراض التي من المحتمل أن تكون أكثر خطورة وتساهم النكتة أيضا في تخفيف الألم فالضحك يجعْل الجسم يُنتج مسكنات الألم الطبيعية الخاصة به وكذلك وحسب نظام زيادة الرضا الشخصي حيث يجعل الضحكُ التعاملَ مع الحالات الصعبة أكثر سهولة كما يساعدكَ على التواصل مع أشخاص آخرين إضافة إلى تحسين الحالة المزاجية فيساعد الضُحك على تقليل الاكتئاب والقلق، وقد يجعلكَ تشعُر بالسعادة.
وتضيف المدربة الدولية أنه بمزيد من الابتسامات والضحكات تخفف الضغط النفسي لعدة أسباب أهمها أنه سواء كنت تضحك على برنامج ساخر في التليفزيون أو تبتسم بسبب الرسوم الكارتونية في الصحف، فالضحك يجعلك تشعر بشعور أفضل فيُعد الضحك شكلا رائعا من أشكال تخفيف الضغط النفسي وهذه ليست مزحة وإذا كان التحلي بروح الدعابة لن يشفي جميع الأمراض، ولكن البيانات تتزايد بشأن الأشياء الإيجابية التي يمكن للضحك القيام بها.
ولا يقتصر دور الضحك فقط على تخفيف الأعباء التي تُصَبُّ على العقل، بل يُحَفِّز أيضا على حدوث تغيُّرات جسدية لديك حيث تحفز الابتسامة العديد من الأعضاء فهي تحسن استنشاق الهواء الغني بالأكسجين، وتُحفِّز القلب، والرئتين والعضلات، وتَزيد الإندورفين (المسكِّنات الطبيعية) التي يقوم الدماع بإطلاقها.
وعندما يبدأ الشخص بالتبسُّم فالضحك تقلُّ استجابته للضغط النفسي، ويُمكن أن يَزيد معدَّل ضربات القلب وضغط الدم ثم ينخفض مرة أخرى. ما النتيجة؟ شعور طيب بالاسترخاء وكذلك يعمل الضحك أيضًا على تحفيز الدورة الدموية، ويُساعد في استرخاء العضلات، وكل منهما يُساعد في الحد من بعض أعراض الضغط الجسدي.
وتؤكد نظام أن الضحك هو أفضل علاج انطلقوا وجربوا الأمر ابتسموا واضحكوا، حتى وإن بدا الأمر مصطنعا قليلا. وبمجرد أن تضحكوا بينكم وبين نفسكم، فكِّروا فيما تشعرون به حاليّا هل عضلاتكم أقل توترا الآن؟ هل تشعرون بأنكم مسترخون ومبتهجون بنحو أكبر؟ هذه هي الأعجوبة الطبيعية للضحك الذي تحمله النكتة.
فنون أخرى
ليس من الصعب أن يفرز الواقع الذي يعيشه أبناء المجتمع ومرارته والصبر الأيوبي الذي يحملون أساليب وتقنيات أخرى إلى جانب السُخرية المُرّة تتعلّق بالفنون، وربما تنشأ مدارس مختلفة وغير مسبوقة على صعيد الأسلوبية التعبيرية، لأن ما يجري فاق الخيال وأكثر فما هو الفن الجديد الذي قد يولد من رحم المعاناة السورية ..القادم من المعاناة قد يكشفه.
رفعت الديك