رموز ودلالات العائلة في رسوم الأطفال
رسمُ العائلة هو مدخلنا الأول إلى عالم طفلنا الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، إنها مجتمعه الأول والأهم، ينتظم فيه بعلاقة مع الأم والأب، فيتأثر بوجودهما معاً، أو بغياب أحدهما أو كليهما، ويحكمه وضعه ضمن العائلة كشخص وحيد أو لديه أخوة وأخوات، ولترتيبه بينهم ومدى اهتمامهم به أو إهمالهم له بالغ الأثر في تكوينه النفسي والانفعالي.
إن محادثة بسيطة بيننا وبين الطفل لن تمكننا من معرفة حقيقة مشاعره وعواطفه تجاه عائلته، لكن طفلنا نفسه سيكرّس كل اهتمامه وانشغاله حين يرسم عائلته، وسيعبّر بحرية عن مخاوفه ورغباته، عواطفه وميوله ودوافعه، سواء كان يرسم من تلقاء نفسه أو بدعوةٍ منا نحن الكبار. ولربما كان من الأجدى بنا أن نطلب منه أن يرسم عائله أخرى من خياله /وليس عائلته/ إذا كنّا نريد أن نحصل على أفضل النتائج، لأننا بهذا سنبعد تفكيره عن عائلته مما سيسهّل عليه عرض ميوله الخاصة دون تردّد، لكنه وبالتأكيد سيرسم عائلته هو، لأنها تبقى التجربة الحقيقيّة الوحيدة التي عاشها ويعيشها. وبملاحظة دقيقة لتموضع طفلنا ضمن العائلة في رسوماته، سنجده غالباً يرسم نفسه قرب الشخص الذي يحبه ويرتاح له أكثر من غيره، ولو شعر أن أخته مثلاً محبوبة من قبل والديه أكثر منه فسنجده يضعها في لوحته بين أمه وأبيه بينما يضع نفسه بعيداً عن المجموعة في مكانٍ منزوٍ باللوحة.
وإذا وضع بعض أفراد عائلته خارج المنزل وبعضهم الآخر داخله فلهذا دلالة على غياب هؤلاء الأشخاص أو بعضهم عن المنزل، ولو شعر الطفل أنه معزول عن باقي أفراد عائلته بشكلٍ أو بآخر، فسنجده يضع كلاً منهم في غرفة منفصلة، أو قد يفصل بينهم بخطٍ شاقولي أو أفقي، أو ربما يرسم سياجاً أو صفاً من الأشجار العالية التي تشكّل فاصلاً بينهم. وطفلنا نفسه سيضع الأب والأم معاً في أغلب الأحيان سواء كانا معاً في الحقيقة أو كان يتمنى ذلك في حال كانا منفصلين.
غالباً ما تكون أول شخصية يرسمها طفلنا هي أهم شخصية بالنسبة إليه، لأنه يفكّر فيها قبل غيرها، ويركز اهتمامه عليها، وغالباً ما تأخذ هذه الشخصية حجماً أكبر من حجوم باقي الشخصيات لأنها تحمل مكانة أكبر في نفس الطفل وحياته وتفكيره، فنجده يبالغ بالاعتناء في تفاصيلها وقد يرسمها بشكل جانبي أو بحالة الحركة بينما باقي الشخصيات يرسمها بوضع أمامي أو بحالة السكون، وقد يكرّرها مرات ومرات ليؤكد لنا أهميتها واستحواذها على تفكيره، وفي الوقت نفسه قد يغيب شخص ما عن المشهد /غالباً ما يظهر هذا تجاه الأخوة والأخوات الذين يشعر بالغيرة منهم/، وقد يمحو شخصية ما بعد رسمها ليخبرنا أن لا قيمة مهمّة لهذا الشخص. أما إذا غاب الطفل نفسه عن لوحته، فربما يعود سبب ذلك إلى أنه غير مرتاح بين أفراد عائلته، أو يرغب بتغيير ترتيبه ضمن العائلة، أو سِنّه، أو أي شيء آخر، فنراه يتوارى عن الأنظار أو قد يظهر عند الحاجة بصورة الشخص الذي يتمنّى أن يكونه، أما حين يضع نفسه قرب شخص له قيمة كبرى لديه فإنه بذلك يسعى لتحقيق رغبته الدفينة في تأكيد ذاته.
كلّ تلك الرموز والإشارات في رسوم العائلة لدى طفلنا هي دلالات لمعلومات ثمينة عن وسطه وأسرته، سيحكي لنا من خلالها قصة مجتمعه المدني أو البدائي، الصناعي أو الريفي، وسيصوّر عادات مجتمعه وتقاليده وأعرافه، وسيحكي لنا قصة ذكوره وإناثه وهيمنة أحدهما على الآخر، كأن تظهر الأعمال المنزلية حصراً بين النساء في مجتمع يعمل فيه الرجل خارجاً بينما المرأة لا تعمل.
كلّ هذه الدلالات سيتمّ تأكيد مصداقيتها في حياة طفلنا من خلال العودة إلى تاريخ عائلة الطفل والمجموعة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي جاء منها. لهذا ينبغي أن نسعى ككبار لتأمين جوٍ هادئ ومريح لطفلنا، كي يستطيع أن يدخل بسهولة إلى مملكة الخيال العظيمة بمكوناتها السحرية ليترك لنا حين يخرج منها آثاره المميزة على شكل لوحاتٍ ملونةٍ، ندرسها بتأنٍ واهتمام، لأنها طريقتهم الرائعة للاتصال وتعميق العلاقة بينهم وبيننا.
هيام سلمان