تفجير بيروت.. حادث أم تحريض؟
ترجمة وإعداد: علاء العطار
تفسّر الإدارة الأمريكية ما حدث في مرفأ بيروت في 5 آب بأنه سلسلة تفجيرات رهيبة راح ضحيتها المئات وجُرح الآلاف وتُرك مئات الآلاف مشردين، وأنها كانت حادثة مروعة جاءت نتيجة فشل متعدّد الأوجه سببه الفساد، أو على الأقل هذا هو السرد السائد في وسائل الإعلام الدولية، لكن الفحص الأعمق لما حدث يشبه إلى حدّ ما تقشير بصلة بحيث يكشف أن هناك طبقات وطبقات من الاحتمالات البديلة التي قد تضع الكارثة في سياق أوسع!
القصة المتداولة عموماً هي أن سفينة “روسوس” التي ترفع علم مولدوفا تحمل نحو 3000 طن من نترات الأمونيوم جُلبت من باتومي في جورجيا إلى موزمبيق، وانتهى بها الأمر بشكل غير متوقع في ميناء بيروت، في تشرين الثاني عام 2013، بفعل تسرّب في بدن السفينة ومشكلات ميكانيكية، ثم احتُجزت ومُنعت من الخروج بزعم عدم صلاحيتها للملاحة، إضافة إلى عجزها عن سداد الديون المتنازع عليها ورسوم الإرساء، ثم فُرّغت حمولتها الخطرة وخُزنت في العنبر رقم 12 في الميناء بعد مضي عام.
كانت السفينة متجهة إلى شركة موزمبيقية، وتخلّى عنها مستأجرها فمكثت في الميناء مع قبطانها الروسي وثلاثة أوكرانيين من أفراد الطاقم، ولم يتمكن الطاقم من مغادرة السفينة، ثم أُطلق سراحهم في النهاية وسمح لهم بالعودة إلى ديارهم في عام 2014، بينما أفادت التقارير أن السفينة، التي أُفرغت من حمولتها، غرقت في زاوية غير مستخدمة من الميناء في عام 2018.
كان كل من الطاقم وسلطات الميناء على دراية بمدى خطورة الشحنة التي تمّ تفريغها، وقد يكون الانفجار الأول قد بدأ على يد عامل لحام أو مدخن قام بطريقة ما بإشعال ألعاب نارية ما تسبّب بوجه ما بانفجار نترات الأمونيوم. وبالفعل وصف الانفجار بأنه أكبر انفجار لم يتضمن سلاحاً نووياً، على الرغم من أن البعض قد رأى أنه اشتمل بالفعل على سلاح نووي تكتيكي “إسرائيلي”. إذا كان هناك أي إشعاع متبقٍ في الموقع، فمن المؤكد أن هذا الاحتمال سيطفو على السطح مرة أخرى.
دمّر الانفجار الميناء والمنطقة السكنية المحيطة به، وشعر به الناس على بعد 120 ميلاً في قبرص، وتعرّضت صوامع الحبوب بالقرب من الانفجار لأضرار جسيمة، ما أدى إلى تدمير ما يقدر بنحو 80٪ من إمدادات الحبوب في البلاد، في وقت ينتشر فيه الجوع على نطاق واسع بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تسبّبت بالعديد من حالات الإفلاس وفشل الخدمات الصحية وتدهور حاد في معايير العيش، والعقوبات الأمريكية أحادية الجانب.
إن الرواية القائلة بأن الانفجار كان حادثاً مروعاً قُبلت في أوساط كثيرة، لكن دونالد ترامب سارع إلى وصفه بأنه هجوم، قائلاً: “التقيت ببعض جنرالاتنا ويبدو أنهم شعروا بذلك.. يبدو أنهم يعتقدون أنه كان هجوماً، لقد كان قنبلة من نوع ما”. ومع ذلك، رفضت وزارة الدفاع لاحقاً تأكيد تكهنات ترامب، ولاحظ وزير الدفاع مارك إسبر أن “الغالبية تعتقد أنها كانت حادثاً”!.
لم يقتنع محلّلون آخرون أيضاً بهذا السرد، إذ يشير أحد التحليلات إلى أن “إسرائيل”، التي كانت تزيد من اعتداءاتها على لبنان، وخاصة على حزب الله مؤخراً، قد تعتبر أن الاقتصاد اللبناني المنهك تماماً هدية، بقدر ما قد يؤدي ذلك إلى زيادة الاضطرابات السياسية وقد ينتج عنه رد فعل مناهض لحزب الله، والذي تستهدفه على وجه التحديد باعتباره حلقة الوصل في “الجسر البري” الذي يمتد من إيران إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط اللبناني. لكن “إسرائيل” أعربت رسمياً عن صدمتها ونفت أي صلة لها بالانفجار، ولكن بالطبع ما تقوله الحكومات وما تفعله لا يعني بالضرورة أي شيء إذا كانت هناك أجندة أو سياسة خفية. عندما تقول الحكومات شيئاً ما وتفعل شيئاً آخر سراً، فإنها كثيراً ما تخفي أفعالها، وهي ممارسة يتمّ وصفها باستخدام تعبير الاستخبارات “الإنكار المعقول”.
لم تتردّد “إسرائيل” في الاعتداء على لبنان في الماضي، ما ألحق أضراراً جسيمة بالبنية التحتية للبلاد وقتل آلاف المدنيين خلال عمليتي اعتداء كبيرتين واحتلال فعليّ في عامي 1982 و2006. وخلال العام الماضي، حلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية مراراً ضمن المجال الجوي اللبناني. كانت هناك تكهنات كبيرة بأن الحرب بين الدولتين قادمة، ولاسيما أن العديد يعتقدون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحتاج إلى حرب ليلهي الداخل عن العديد من الفضائح التي ارتبط بها.
من المعروف أن لدى “إسرائيل” العديد من الجواسيس العاملين في لبنان، لذا فإن لديها الوسائل للوصول إلى الميناء وتفجير عبوة ناسفة تهدف إلى إشعال نترات الأمونيوم، فتتجنّب بذلك الاضطرار إلى إرسال قاذفة أو إطلاق صاروخ للقيام بالمهمة، على الرغم من أن البعض ادّعى أن أحد مقاطع الفيديو للقصف يظهر صاروخاً يتجه إلى الميناء.
لطالما تبنّت “إسرائيل” ما يُسمّى بعقيدة الضاحية، التي سمّيت على اسم إحدى ضواحي بيروت التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي في 1982-1983. وهي تؤيد استخدام أقصى درجات القوة المميتة ضد المدنيين والبنية التحتية لتلقين “العدو” درساً. وقد تمّ استخدامها في لبنان ومؤخراً في غزة في عملية الرصاص المصبوب وعملية الجرف الصامد.
يعتقد العديد من مراقبي التطورات في الشرق الأوسط بأن “إسرائيل” رتبت بالفعل للانفجار، فبُعيد الانفجار صرح أحد ضباط الجيش اللبناني أن الانفجار نتج عن قنبلة نووية تكتيكية تهدف إلى إسقاط الحكومة اللبنانية وإشعال حرب أهلية. في الواقع، يُظهر التصوير الجوي حفرة هائلة؟.
طُرحت أيضاً اقتراحات بضرورة فعل شيء ما لـ نترات الأمونيوم لجعلها تنفجر كما حدث. نترات الأمونيوم ليست مادة متفجرة بحدّ ذاتها، ولكنها تعمل كعامل مؤكسد، حيث تسحب الأوكسجين نحو النار وتجعله يشتعل بشكل أسرع وأكبر. وهنا يتكهن خبير الأمن البريطاني روبرت إيمرسون بأنه “أُضيف شيء ما إلى نترات الأمونيوم عن طريق الخطأ، ربما نفط أو بعض المركبات الأخرى القابلة للاشتعال، إذ إن الدخان المنبعث عن نترات الأمونيوم لونه أكثر صفرة، وهذا أحمر إلى حدّ ما، والتحقيق من شأنه التأكد ما إذا كانت هذه هي الحالة وأين حدث التلوث”.
يبدو أن أحد مقاطع الفيديو، الذي صوّر الانفجار بجودة أفضل، يظهر أن أول انفجار قد يتكوّن من ألعاب نارية، تلاه انفجار ضخم لنترات الأمونيوم، والذي من شأنه أن يدعم بشكل أو بآخر الرواية القياسية الناشئة. ويبدو أن سكان بيروت، الذين كانوا يتظاهرون منذ وقوع الحادث، يعتقدون في الغالب أنه لم يكن أكثر من مجرد حادث بسبب عدم الكفاءة البيروقراطية، لكن هذا لا يستبعد أن تكون مهمة داخلية قام بها الإسرائيليون سراً لإضعاف لبنان.