اللقاح الروسي والنفاق الغربي
سنان حسن
منذ اللحظة الأولى لإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تسجيل أول لقاح في العالم ضد فيروس كورونا، والأبواق الغربية لم تتوقف عن الصراخ تارة تشكيكاً باللقاح وفعاليته ونجاعته، وتارة أخرى من بوابة تطوير اللقاح نفسه، فتزعم مرة أن أبحاثه سُرقت من اللقاح البريطاني لأكسفورد، ومرة أخرى أن السرقة تمت من لقاح أمريكي، وحتى منظمة الصحة العالمية، التي من المفترض أن تكون أول المرحبين بالإعلان الروسي، دعت إلى مزيد من التحقق في آلية انتاج اللقاح، وكأن اللقاح لم يسجل لديها أو أنها لم تتطلع منذ البداية على تجاربه السريرية؟ المهم بالنسبة لهؤلاء جميعاً عدم التسليم باللقاح الروسي، وهذا ما يستدعي من المراقبين التساؤل حول علاقة هذا “الإنكار الغربي” بالسباق المحموم بين الدول لإنتاج اللقاح وتحقيق سبق صحي وتجاري، أم أن الأمر يتعدى الصحة إلى السياسة ورفض كل ما يأتي من الشرق ولو كان سيخلص البشرية من وباء يهدد حياة الملايين؟.
لقد شكل إعلان بوتين عن اللقاح فسحة أمل في سعي البشرية لإيجاد حل لوباء كوفيد-19 الذي ما زال ينتشر بتسارع مطرد في كل أنحاء العالم تاركاً خلفه حتى الآن ما يقارب المليون وفاة وأكثر من 22 مليون مصاب، داحضاً كل الروايات والأحاديث التي ساقتها المنظمات الدولية وغيرها من مراكز الأبحاث المرتبطة بشركات الأدوية العملاقة حول عدم القدرة على انتاج لقاح في المدى المنظور، كما أن الإعلان الروسي أعاد من جديد طرح جدلية التفوق الغربي وكذبة أن الشرق غير قادر إلا على الاستهلاك، على الرغم من أن مواجهة الفيروس نفسه في دول الشرق، وبالتحديد روسيا والصين، كشفت عن تفوق غير مسبوق في آليات المواجهة وإنتاج الأجهزة المساعدة في مواكبة تطور الفيروس وانتشاره، وقد رأينا كيف أن الدول الأوروبية باتت تتزاحم مع الولايات المتحدة الأمريكية على شحنات الكمامات وأجهزة التنفس القادمة من الصين وفي كثير من الأحيان كانت هناك عمليات قرصنة لها، وتهديد رسمي وعلني من ترامب لكل من يعترض الشحنات القادمة إلى أمريكا، إذاً لماذا الإنكار؟
بعد الإعلان الروسي مباشرة كان لافتاً كيف كشف الاتحاد الأوروبي عن توقيع اتفاقية مع شركة أسترازينيكا البريطانية السويدية للأدوية لشراء 400 مليون جرعة من لقاح مستقبلي ضد فيروس كورونا كوفيد-19؟ أي لقاح لم ير النور بعد، ومع ذلك تم التعاقد على شرائه، كما أن شركة أسترازينيكا كشفت أن عدد الحقن التي تم التوصية عليها بلغ حتى الآن 3 مليارات جرعة.. ما يعني أن القصة في جانب مهم منها تجاري.. ولكن الأهم انها قصة سياسية بدأت تتكشف خيوطها مع النجاح الروسي.
لقد ظن البعض في الغرب أنه من خلال جائحة كورونا الصحية يستطيع إعادة تحقيق مآرب سياسية داخلية على نحو ما يقوم به ترامب، الذي يسابق الزمن مع الشركات التابعة له للإعلان عن اللقاح الامريكي قبل التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة للفوز بولاية ثانية، وبالتزامن تحقيق مآرب خارجية للحفاظ على أمجاد غابرة ومواجهة صعود دول لا بل والقضاء عليها من خلال توجيه الاتهام لها بأنها منبت الفيروس، وما صرح به وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف “أن بعض الدول تسعى لاستغلال أزمة فيروس كورونا لتحقيق طموحاتها الجيوسياسية”، يثبت ذلك، لذا فإن إعلان روسيا نجاحها في انتاج لقاح سبوتنيك v، وربما تلحق بها الصين في الإعلان عن انتاج لقاح أو اثنين، قد يزيد من حدة الكباش في العالم بين المعسكر الغربي، الذي لم يسلم بعد بأن الزمن تغير، ودول الشرق، وفي مقدمتها الصين وروسيا.. وربما يقودنا الفيروس وعلاجه بالفعل إلى رسم خرائط جديدة لعالم سياسي وقيمي وأخلاقي جديد.