انتفاضة العشائر العربية السورية في دير الزور.. التوحّد لمقاومة القتلة الأمريكيين وعملائهم من “قسد”
“البعث الأسبوعية” ــ فايز طربوش
بدأت العشائر العربية في منطقة الجزيرة السورية تستردّ حضورها ومكانتها، بعد تهميش امتدّ طيلة السنوات الماضية، منذ سيطرة إرهابيي ما يسمّى “الجيش الحر”، بدعم من قوات الاحتلال الأمريكي والتركي، ومن ثمّ تنظيمي “جبهة النصرة” و”داعش” الإرهابيين، على مناطقها، وصولاً إلى انتشار ميليشيات “قسد” في المنطقة عامة، وأرياف دير الزور خاصة.
العشائر العربية، التي كانت وستبقى رأس حربة في مواجهة المشاريع الانفصالية، انتفضت في وجه ممارسات الميليشيات الإجرامية، وخاصة بعد اغتيال رموز قبيلتي العكيدات والبكارة في محافظة دير الزور، الشيخ مطشر حمود الهفل، من شيوخ قبيلة العكيدات، والشيخ علي سلمان الويس من وجوه قبيلة البكارة، يوم الأحد 2 آب الجاري، مؤكّدة أن لا تراجع هذه المرّة عن حقها في استعادة دورها، وطرد قوات الاحتلال الأمريكية والتركية وأدواتهما الرخيصة، حيث هاجم أبطال العكيدات مقرّات “قسد”، بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وسيطروا على مقرّات “قسد في الحوايج والشحيل وذيبان، وغيرها – والتي كانت تلك الميليشيات تتخذها مقراً لها لفرض أجندتها المرتبطة بمخططات المحتل الأمريكي- في دليل على قدرة أبناء العشائر على طرد “قسد” من المنطقة وتحريرها من دنسهم.
اجتماع ذيبان
وجّه شيخ مشايخ قبيلة العكيدات، إبراهيم خليل الهفل، أصابع الاتهام إلى “قسد” وخلايا “داعش” بالسعي للتخلّص من كلّ وجهاء العشائر الذين يرفضون مشاريع الاحتلالين الأمريكي والتركي، وخصوصاً في ريف دير الزور الشرقي، وذلك في اجتماع لشيوخ ووجهاء قبيلة العكيدات، عقد في 9 آب، حمّل خلاله ما يسمّى “التحالف الدولي” وميليشيات “قسد” العميلة مسؤولية إلقاء القبض على قَتَلة شيوخ العشائر ووجهائها، وأمهلهما شهراً واحداً لتسليم قتلة الشيخ مطشر الهفل. وهدّدت القبيلة بأنها “ستتصرّف بما تراه مناسباً لحماية الديار والممتلكات، في حال عدم ضبط الأمن”، ودعت أبناء المنطقة إلى “الوقوف صفاً واحداً من أجل حمايتها مِن كلّ مَن يستبيحون دماءها وينهبون ثرواتها.. فالديار التي لا يحميها أبناؤها لا يحميها الغرباء الطامعون”، في إشارة إلى “قسد” و”التحالف”.
واتهمت العكيدات “قسد” بالوقوف خلف الاغتيالات الأخيرة، من خلال الإشارة إلى أنه “منذ سيطرة قسد، بدأت سلسلة اغتيالات تحت أعينهم، وعلى مسمع من حواجزهم العسكرية”.
وأبدى شيوخ بقية العشائر ووجهاؤها استعدادهم لدعم العكيدات بكلّ الإمكانات المتاحة، في موقف يعكس يقظة العشائر العربية تجاه خطورة مشاريع المحتل الأمريكي وأدواته، فدعت قبيلة الشرابيين، وغيرها من القبائل العربية، أبناءها إلى مقاطعة “قسد”، وأعلنت تبرؤها ممن يلتحق بالميلشيا الانفصالية، واعتبرت دمه مهدوراً، حسب العرف العشائري، ودعت للتوحّد لمقاومة الأميركيين القَتَلة وأذنابهم في سورية.
العشائر تمهل “التحالف”
في 11 آب، عقدت العشائر اجتماعاً موسّعاً في ديوان مشيخة قبيلة العكيدات في بلدة ذيبان، بعد ساعات من رفض المشيخة استقبال وفد من ميليشيات “قسد” للتعزية بمقتل الشيخ الهفل، وأصدرت، في نهاية الاجتماع، بياناً حمّلت فيه “التحالف الدولي” المسؤولية الكاملة عن كلّ ما يجري في مناطقها “كونه هو مَن أَسّس سلطات الأمر الواقع ويشرف عليها”، وطالبت “قيادة التحالف بتسليم إدارة المناطق لأصحابها، مع أخذ المكوّن العربي لدوره الكامل في إدارة المنطقة وقيادتها، والإفراج عن المعتقلين، وإيجاد حلّ للنساء والأطفال الموجودين في المخيمات”، في إشارة إلى مخيمي العريشة والهول، اللذين يشهدان حالة من التدهور المستمر لأوضاع اللاجئين فيهما، ونقصاً حاداً في المياه والمواد الغذائية، وظروفاً غير صحية، أدت إلى انتشار الأمراض، وخاصة بين الأطفال.
وأمهِلت العشائر “التحالف” شهراً للاستجابة لمطالبها، وإعادة الحقوق إلى أهلها، وتسليم المجرمين للعدالة لينالوا قصاصهم العادل.
إطلاق المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي
واستجابة لرغبة أبناء العكيدات الملحة للتحرّك وتنظيم الصفوف للتخلص من الاحتلال الأمريكي وأدواته، قرّر شيوخ ووجهاء قبيلة العكيدات تشكيل مجلس سياسي للقبيلة من شيوخ ووجهاء القبيلة مهمته إدارة شؤونها، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة في الدولة، وتشكيل “جيش العكيدات” من كل عشائر القبيلة في سورية، كجناح عسكري مقاوم، والمباشرة فوراً بالعمل لتحقيق التحرير الشامل للأراضي السورية، بالتنسيق مع الجيش العربي السوري، والقضاء على الإرهاب بكل أشكاله، ومطاردة العصابات المجرمة، في إشارة إلى “قسد” و”داعش”.
وأعلن المجلس البدء بالمقاومة الشعبية ضد المحتل وأدواته ومرتزقته، واعتبارهم هدفاً مشروعا للمقاومة، ودعا كل من ارتبط بالمحتل وأعوانه من أبناء القبيلة والمنطقة للعودة إلى حضن الوطن وإلا سيعتبر هدفاً مشروعاً للمقاومة، كما حال المحتل وأدواته ومرتزقته، موجّهاً التحية لجيشنا العربي السوري، والمواقف البطولية لحلفاء وأصدقاء سورية ووقوفهم إلى جانب الحق ودعم سورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد، وأكد على الوحدة الوطنية أرضاً وشعباً.
اجتماع الربيضة
في 13 آب، سارع ما يسمّى “التحالف” لعقد اجتماع مضاد في قرية الربيضة في ريف دير الزور الشمالي، ممن ادعى أنهم من عشائر العكيدات “المقيمين في المنطقة”، حضره ممثلون عن “قسد”، وذلك في محاولة فاشلة لشق صفوف العشائر العربية، وتحويل الأنظار عن اجتماع ذيبان. ولم يحضر الاجتماع وجهاء العشائر، بل كان الحاضرون عبارة عن شخصيات تعمل لحساب ميليشيات “قسد” العميلة، وقبل ذلك كانوا يعملون مع تنظيم “داعش” الإرهابي.
وعقب انتهاء اجتماع الربيضة تلي بيان نُسب لعشيرة “البكير” من قبل المدعو أبو حسن العنبزي، واسمه الحقيقي رضا العواد، من بلدة خشام، وكان قد قضى ثماني سنوات في السجن قبل عام 2011 بتهمة القتل، وهو يعمل لدى المدعو أحمد أبو خولة، قائد ما يسمّى “مجلس دير الزور العسكري”.
واللافت أن الاجتماع نظمه “أبو خولة”، وحضره، تحت الضغط، عدد من أبناء المنطقة الموجودين ضمن ما يسمّى “المجالس المحلية والأهلية”. ورغم أن أبو خولة ينحدر من عشيرة البكير، إحدى عشائر قبيلة العكيدات، إلا أنه سعى لإظهار موقف عشائري مغاير للقبيلة، في محاولة لإثبات وجود قبول وتأييد لـ “التحالف” و”قسد”، بين العشائر العربية، بعد مطالبة العكيدات بخروجهم من المنطقة.
حاء بيان الربيضة محاولة لزرع الفتنة وخلط الأوراق في المنطقة، من خلال جمع عدد من الموظفين والعناصر العسكريين، والإيحاء بأنهم شيوخ ووجهاء عشائر، وتبيض صورة “قسد”، لكن البيان لم يعكس موقف عشيرة البكير التي تقف إلى جانب عشيرة العكيدات في مطالبها بطرد “قسد” ومحاسبة المجرمين المسؤولين عن عمليات الاغتيال. يضاف إلى ذلك أن الرد على ذلك جاء سريعاً من عدد من العشائر العربية، لعل أبرزها طي والشرابيين والبوعاصي، إذ أكدت وقوفها إلى جانب جميع القبائل والعشائر العربية في دير الزور والجزيرة السورية في مقاومة الاحتلال الأمريكي وأعوانه وتطهير سورية من دنسهم.
محاولة شق صفوف العشائر
ميليشيات “قسد” حاولت امتصاص الغضب العشائري المتصاعد، برفع حظر التجوال عن بلدات ذيبان والحوايج والشحيل، بعد أربعة أيام من فرضه، وسمحت بعودة الحركة التجارية، كما أفرجت عن عدد من المعتقلين، لكنها أبقت على عدد كبير من الحواجز في المنطقة. يضاف إلى ذلك أنها سعت لصناعة شيوخ تابعين لها، ليس لهم أي حضور أو وزن عبر التاريخ العشائري في محاولة منها لضرب عشائر المنطقة بعضها ببعض، وشق صفوفها، والقفز على مطالب عشائر العكيدات بتسليم إدارة المنطقة لأبنائها الأصليين، والإيحاء لسيدها الأمريكي أن قرار العشائر لم يعد مرهوناً بالوجوه العشائرية ومشايخ القبيلة التاريخيين، وبأن الشيخ إبراهيم خليل الهفل لا يمثّل جميع العكيدات، وأنها تمتلك حاضنة شعبية تعترف بها، من خلال حشدها عدداً من أهالي المنطقة، وبأن التطوّرات التي شهدها ريف دير الزور الشرقي أخيراً ليست إلا مرحلة عابرة.
أسباب الانتفاضة
ثمة تراكمات بدأت منذ احتلال ميليشيات “قسد”، وبدعم أمريكي، لتلك المناطق، التي تعتبر خزّان سورية من النفط والمحاصيل الرئيسية، وخاصة القمح، إذ عمدت تلك الميليشيات إلى ممارسة التفرّد والوصائية على مصير منطقة الجزيرة، وحاولت فرض أمر واقع وقوانين غير شرعية، عبر انتزاع ممتلكات القبائل العربية والسيطرة على أملاك الغائبين، بالإضافة إلى تدهور الواقع المعيشي، وفقدان الخدمات العامة، واختطاف آلاف الشباب وإجبارهم على العمل في صفوفها. ولعلّ ما فاقم حالة التوتر توقيع عقد بين شركة نفط أميركية وبين “قسد” لسرقة النفط السوري.
يضاف إلى ذلك أن أرياف دير الزور، كما كل المناطق التي تحتلها أدوات واشنطن، تعاني من فقدان الكهرباء والمراكز الصحية، وشحّ في المياه والخبز، وتوقّف النشاط الزراعي بسبب تعطّل شبكات الري، والمأساة الكبرى هي عدم توفر المحروقات في المنطقة، التي تعوم على آبار من حقول النفط، رغم وعود قوات الاحتلال الأمريكي بمشاريع تنموية تساعد في تحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي، لكن ذلك لم يحصل.
وسبق أن شهدت غالبية قرى ريف دير الزور الشرقي وبلداته تظاهرات ضدّ ممارسات “قسد” والواقع المعيشي السيّئ في المنطقة، كان أعنفها في أيار 2019، بعد استشهاد سبعة مدنيين خلال مداهمة “قسد” حيّ الكتف في بلدة الشحيل.
مخاوف أمريكية
وتسعى قوات الاحتلال الأمريكي، بالتعاون مع ميليشيا “قسد”، الى إخضاع العشائر العربية، لكن انتفاضة العشائر تشكّل مصدر قلق لها من انطلاق مقاومة مسلحة منظّمة، تكبّدها خسائر فادحة، كما حدث في العراق، وتهدّد سيطرتها على آبار النفط وحقوله، والتي تتركّز جميعها في مناطق عشائرية تشهد انتشاراً لقبيلتي العكيدات والبكارة. كما أن عجز الولايات المتحدة عن ضبط الأوضاع في تلك المناطق سيجعل من قواعدها ودورياتها هدفاً لأبناء العشائر، والذين سبق أن اتهموا الأميركيين بالوقوف إلى جانب “قسد” ضدّهم.
“التّحالف”، الذي حاولت الولايات المتحدة تأسيسه بين “قبائل عربية” وميليشيات “قسد”، بدعم من النظام السعودي، بدأ يتآكل ويعطي نتائج عكسية، لعل أبرزها تشكيل خلايا مقاومة شعبية ضد القواعد الأمريكية وأعوانه من عصابات “قسد” في المنطقة، وقد تتركز عمليات المقاومة على موظفي وخبراء شركة النفط الأمريكية الذين سيعملون مع ميليشيات “قسد” وداعميها من الجنود والقواعد الأمريكية، والدليل على ذلك العمليات الأخيرة التي استهدفت تلك الميليشيات مؤخراً، في الصور والشعفة والبصيرة، وغيرها.
المقاومة الشعبية دفاعاً عن وحدة وسلامة تراب سورية، التي لم ولن تكون إلا للسوريين، بدأت، والشعب السوري الأبي- وأبناء العشائر الأبطال منهم – لم ولن يقبل بوجود أي محتل على أرضه، سواء أكان إرهابياً محلياً أم مستورداً أو جندياً صهيونياً أو أمريكياً أو تركياً، وسيواصل مقاومته بكل السبل المتاحة حتى تحرير كامل التراب السوري.