مجلة البعث الأسبوعية

مليارا دولار لتمويل خطة بندر – فيلتمان.. كيف حاول الغرب التلاعب بالجمهور السوري خلال الحرب

هايكة فيبر ــ ترجمة مازن المغربي

نما استخدام الإنترنت في سورية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ويستخدم كل فرد تقريباً الهاتف الجوال، ومن يمتلك القدرة لديه كومبيوتر أو حاسب لوحي. ويتم استخدام الواتسآب وغيره من الخدمات بدلاً من الاتصال هاتفياً. “نحن نعرف أن كل البيانات تٌخزن، إنما ليس محلياً، بل بشكل مركزي لدى مزودي خدمة الإنترنت الكبار في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن هل تهمهم بياناتنا؟ ما الذي يريدونه منا؟ ليس لدينا ما نخفيه!!”، هذا ما أسمعه كثيراً حين أكلم الناس عن استخدام الإنترنت، وأسأل نفسي إن كنا نرحب بفتح أبواب بيوتنا وخزائننا، ونسمح لشخص ما بتفتيشها، ولا أقصد بهذا الأصدقاء أو الجيران، بل رجال أجهزة الرقابة، ومعاهد أبحاث السوق، وغيرهم ممن لا يكنون لنا الود بالتأكيد، بل يسعون وراء مصالحهم!

سيتفق الجميع على أننا لن نسمح بذلك، أو على الأقل لن ننظر إليه بعين الرضا ونحن نتعامل مع الإنترنت بقلوب مفتوحة. ويرجع هذا إلى أن المحافظة على نطاق خصوصيتنا هو تقليد، في حين أن ما يحدث في الإنترنت جديد تماماً، ونحن لا نحوز معرفة حول ما الذي تم فعله ببياناتنا، أو ما يمكن أن يٌفعل بها.

كتبت شوشانا تزوبوف في كتابها (عصر رأسمالية المراقبة): “لا يمكن التعرف على أمر ليس له مثيل من حيث الجوهر”، وطرحت مثلاً على ذلك الغزو الإسباني لأمريكا الوسطى، فـ “حين نزل الإسبان في أمريكا الوسطى، واجه شعب الأزتيك شيئاً جديداً تماماً ومجهولاً، بحيث عجز عن الحكم عليه، بل أنهم أخطؤوا إلى حد اعتبار المتسللين آلهة، ونتج عن ذلك ممارستهم الودودة بسذاجة لا مثيل لها تجاه المتسللين.. وهذا ما يحدث معنا اليوم، فمن جديد جاءت آلهة زائفة بهدف القضاء علينا”.

إن تقنيات الاتصال تنتشر اليوم بشكل أوسع من شبكة الكهرباء العامة، ويمتلك ثلاثة من المليارات السبع إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وينتج عن هذا فيض من البيانات هائل الحجم يصب لدى الشركات الأمريكية الكبرى مثل غوغل، وفيسبوك، ومايكروسوفت، وآبل وغيرها. ومن واقع أن ذلك يترافق بتطوير حواسب هائلة القدرة والذكاء الاصطناعي، صار بالإمكان التعامل مع هذا الفيض الهائل بمساعدة خوارزميات تزداد دقة باستمرار، وتحويلها إلى بضاعة قابلة للبيع. وحظيت هذه البضاعة، في المقام الأول، باهتمام متعهدي التسويق الذين يمكنهم التحكم بإعلاناتهم بمساعدة هذه البيانات. إن البيانات المشخصنة تفتح المجال أمام عملية ترويج مشخصنة. ومن جهة أخرى، يمكن تجديد عرض البضاعة على الإنترنت وتحديد سعر البضاعة بما يتوافق بدقة مع العرض وتغييره مرات عدة يومياً، تبعاً لحجم الطلب ولأسعار المنافسين. وقد لاحظ متعهدو التسويق أنهم يمكن أن يربحوا من البيانات التي يجمعونها من الإنترنت أموالاً تفوق تلك التي يجنونها من خدماتهم، ولهذا صاروا يقدمون خدماتهم، مثل البريد الإلكتروني والرسائل ومحرك البحث غوغل وغيرها، مجاناً بحيث يتمكنون من استقطاب مستخدمين جدداً، وبالتالي جمع المزيد من البيانات بشكل متصاعد.

لقد تم إغراءنا بالعروض المجانية بحيث علقنا في شبكة رأسمالية المراقبة، وقد لا يكون تحقيق الأرباح ذا أهمية في سورية، إنما يمكن استخدام وسائل المراقبة بطرق متنوعة.

 

خطة بندر – فيلتمان

دعونا نتذكر خطة بندر – فيلتمان.. تم تمويل هذا المخطط بملياري دولار، وتم العمل عليه تحت إشراف رئيس جهاز الاستخبارات السعودي بندر بن سلطان وسفير الولايات المتحدة الأسبق في لبنان جيفري فلتمان، وشمل ذلك زعزعة استقرار سورية ضمن إطار “الربيع العربي”. ومن خلال عملية تقييم بيانات الإنترنت، مثل الاتصالات عبر الإنترنت، ومجموعات الدردشة، واهتمامات المستخدمين، تم تحديد خمس فئات من المجتمع السوري، وتطوير استراتيجيات لتحديد كيفية مخاطبة هذه المجموعات، والتأثير عليها عبر رسائل الإنترنت، بهدف زعزعة استقرار المجتمع السوري. وقد توزعت الفئات وفق التالي:

  1. شبكة القابلين للتحريض، وتتكون من شباب، ومن أشخاص جيدي التأهيل في أغلب الأحيان، من غير الراضين عن وضعهم المعاشي. تم قصف هؤلاء الأشخاص الذين حددتهم الخوارزميات بعبارات مثل “من أجل الديمقراطية والحرية”، و”ضد الفساد”، وغيرها على أمل حشدهم للانتفاض.
  2. فئة الشباب التي يمكن مخاطبتها بعبارات مثل “في النهاية يجب علينا البدء بالتحرك”، بهدف تحريضها على العنف.
  3. شباب تحت الثانية والعشرين من العمر، ومن مختلف المكونات الدينية والعرقية، بهدف تحريضهم ضد بعضهم البعض عبر نشر أخبار كاذبة.

4 مجموعة “الصحافيين” والشباب من المنظمات غير الحكومية الدولية الذين يتم استغلال استعدادهم لكتابة تقارير عن سورية عبر الإنترنت.

  1. مجموعة المال من الأثرياء السوريين ورجال الأعمال الذين سيتم التضييق عليهم وابتزازهم بحيث يتم إخضاعهم لخدمة المصالح السعودية – الأمريكية، لكن هذا ليس سوى البداية، حيث أن مراقبة البيانات والتعامل الخوارزمي مع هذه البيانات يتيح المجال للمزيد.

 

الإنترنت والحرب

لعبت الإنترنت، خلال أحد عشر عاماً من الحرب، دوراً كبيراً في سورية، واستثمرت الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل خاص الكثير من المال لزعزعة استقرار سورية. وكان الهدف استدراج المثقفين الشباب بشكل خاص بعبارات مثل “الحرية” و”الديمقراطية”. لقد تم المبالغة بكل حدث سلبي خلال الحرب، وتم اختلاق أحداث في الكثير من المرات، كما امتلأت صفحات الإنترنت بالأخبار الكاذبة، وبالشائعات، وبأفلام مفبركة بهدف توجيه المزاج العام ضد الحكومة السورية وضد الجيش. فعلى سبيل المثال، أعدت حكومة ألمانيا الاتحادية مشروعاً للمثقفين من اللاجئين الشباب حمل اسم “اليوم التالي”، وكان القصد منه تأهيل الشباب السوري لتولي القيادة وفق الإيديولوجية الغربية بعد “قلب النظام”، لكن ربما لم يحقق المشروع نجاحاً لأن الهدف المعلن في سورية – وهو إسقاط النظام – لم يٌنجز.

وثمة برامج أخرى كثيرة تستدعي الاهتمام كان هدفها المعلن تعزيز “المجتمع المدني” السوري، مثل برنامج “صرخة” الذي كان من المفترض أن يكون منبراً لفئة محددة من السكان. وقد تم تأسيس المشروع في 15 تموز 2014، وتغير اسمه مراراً، وكان العديد من الناشطين الذين عملوا لمصلحة هذا البرنامج يجهلون أن من كان خلف البرنامج هو شركة بشتر بولس الأمريكية، اعتماداً على عقد مع الحكومة البريطانية وصندوق “الصراع.. الاستقرار.. والأمن” (CSSF) الذي تتمثل مهمته بضمان المصالح البريطانية في الخارج. وقد وضع تحت تصرف المشروع، عام 2016، مبلغ 746 ألف جنيه إسترليني، وتمت طباعة مناشير ولوحات دعت للتمرد، وكان من المفترض توزيعها في الساحل السوري.

وكان لألمانيا برنامج مماثل هو “قنطرة”، ساهمت محطة دويتشة فيلة فيه. بالمقابل، كان المشروع الفرنسي لـ “تطوير الإعلام” نشطاً بشكل خاص، وسعى لإنجاز “حاضنة إعلامية سورية”. وتم، في تشرين الأول 2012، في الولايات المتحدة، تأسيس مركز حلب الإعلامي الذي حظي برعاية منظمة لسوريين معارضين في المهجر.

عملت كل هذه المنظمات وفق توجيهات مخطط بندر – فيلتمان، وحرضت على التمرد، وروجت لـ “صحفيي المجتمع المدني”، لكن معظم هذه البرامج كان محدود التأثير داخل سورية، إنما حقق نجاحاً هائلاً في أوروبا وفي الولايات المتحدة، وساهم في تزويد الصحافة الغربية بتقارير مزيفة عن الأحداث في سورية.

 

جمع البيانات

أما ما يتعلق بسورية، فإن جمع بيانات الإنترنت هو، بالتأكيد، في مستوى أدنى مما هو قائم في الولايات المتحدة وفي أوروبا. لكن ما إن تحظى رأسمالية المراقبة بالمزيد من البيانات حتى تصبح التحليلات أكثر دقة وأكثر تفصيلاً، وستصبح برامج التحكم والتلاعب محددة الأهداف بشكل أدق. وقد شبهت شوشانا الأمر بصاروخ معترض يتابع هدفه حتى يدمره.

إن التلاعب بالجمهور يمكن أن يكون أكثر جدوى كلما ضعفت الروابط الاجتماعية التقليدية، وانتفى وجود نظرة متماسكة إلى العالم، وتراجعت علاقات التضامن والثقة. ولقد بلغ اقتلاع جذور قسم كبير من سكان العالم عبر التشريد والهجرة، وتعاظم حركات اللجوء على المستوى الدولي، حداً غير مسبوق.

إن الفقر في أحياء البؤس في المدن الكبرى متعدد الأوجه، حيث يترافق نقص الموارد بنقص الثقافة، وتراجع التقاليد وضعف الروابط الاجتماعية والجذور والافتقار إلى الأمل بالمستقبل. إن هؤلاء البشر الذين تم إضعافهم عرضة لفيروس رأسمالية المراقبة، والبشر الذين فرق بينهم الهروب مجبرون على الاعتماد على الفيس بوك، والواتس آب، وغيرهما من الخدمات للبقاء على اتصال. إن المستقبل المجهول غالباً ما يجعلنا نشك في تقديرنا لذاتنا ولهويتنا الوطنية مهما كان وضع بوصلتنا الاجتماعية والسياسية، وهذا يجعلنا عاجزين ومستسلمين.

نحن البشر، بدون شك كائنات اجتماعية والتعاطف هو جزء من شخصية الإنسان الذي يمتلك عزيمة كما هو جزء من التفاعل والقدرة على الترابط. وهذا في نظر رأسمالية المراقبة نقطة ضعفنا التي يمكن استغلالها بهدف توجيهنا والتلاعب بنا. إن الصور أشد تأثيراً من أي كلمة. إن صورة طفل جريح تولد لدينا قدراً كبيراً من التعاطف بحيث نتجاهل التساؤل عن خلفية الأمر، ومن هو الذي اقترف هذا بحق الطفل.

وهكذا واظبت وسائل الإعلام الغربية على عرض صور للدمار والموت في سورية بالترافق مع تحليل من وجهة نظر إمبريالية.

إن الأشخاص غير المرتابين يميلون بدافع من تعاطفهم الطبيعي إلى ابتلاع التفسير الذي يخدم الهدف السياسي المقصود. كما أن التعليقات التي تشير إلى أن الآخرين يرون الأمر من المنظور نفسه تعزز الصورة التي تبدو حقيقة افتراضية وتجعلنا نظن أن الحقيقة كذب أو حلماً بعيد المنال.

إن التغريدات والتعليقات الأوتوماتيكية التي توجه السهم إلى الجهة ذاتها تنعش لدينا وعي القطيع لأنه طالما أن كل هؤلاء الناس يرون الأمر بهذه الطريقة فلا بد ان يكون هناك شيء ما.