دراما الميديا الجديدة كسرت احتكار السوق التقليدية
“البعث الأسبوعية” ــ جمان بركات
ترافق ظهور الدراما السورية مع انطلاق التلفزيون العربي السوري في ستينيات القرن الماضي، فشكلت ظاهرة مهمة على صعيد صياغة الرأي العام وعكس صورة أنماط العيش الاجتماعي والإنسان السوري. لكن مع تعدد الفضائيات العربية وتحكم الأقمار الصناعية بالمنتج الدرامي، تم اختطاف هذه الظاهرة من قبل رأس المال وشركات الإنتاج، فكانت الحاجة في سورية ملحة لسوق محلي لتسويق أعمالنا الدرامية بعيداً عن الارتهان للسوق الخليجية.
واليوم، تنبه القائمون على الدراما إلى مسألة الميديا الجديدة وقنوات اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي من خلالها سيحقق المنتج الدرامي السوري قفزة مهمة للغاية، وسيكسر احتكار السوق التقليدي الخاص بالفضائيات الخليجية، وهذا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، خاصة وأن الجيل الجديد أصبح أثير الشاشات، فوجدت دراما “اليوتيوب” التي حققت نجاحها بحكم أهمية الحامل الذي تُعرض عليه، ويفرض طبيعته على أسلوب الإخراج، فـ”الموبايل” أصبح يختصر العالم كله على شاشته، ما يعني الوصول الأسرع إلى المتلقي، وبالتالي تجويد وسائل إيصال الرسائل، ووجود أنماط من التواصل الدرامي مختلفة عما عهدناه، فنحن لا نستطيع تجاهل فكرة أن أجيالاً عديدة خلال سنوات الحرب العشر بدأت تطرح أسئلتها حول الهوية، ومن أنا ومن الآخر.
والدراما عموماً تعيش حالةً من الثورة الحقيقية، وأصبح هناك ما يسمى “تحت الطلب”، فمن يدرك هذا التحول ويواكبه يصل إلى بر الأمان، أما من يرفضه ويصرّ على العيش بأسلوب وتفاصيل الزمن القديم، سيبقى يواجه صعوبات كثيرة ستظهر نتائجها في المستقبل القريب.
في المواسم الرمضانية الماضية، لجأ بعض صناع الدراما التلفزيونية السورية، إلى العرض الإلكتروني، كوسيط جديد على موقع “يوتيوب”، هرباً من الصعوبات التي تواجه الإنتاج المحلي في الفضائيات الأخرى، ويحرر العمل من القيود الرقابية، لتكون “الميديا الجديدة” أحد أبرز الحلول في الوصول إلى شرائح كبيرة مختلفة من الجمهور، والابتعاد عن المنافسة التلفزيونية معتمدين أسلوباً تفاعلياً، فإذا أخذنا مسلسل “الشك” كأنموذج لهذه الدراما (تأليف سيف حامد، إخراج مروان بركات، وبطولة عدد من نجوم الدراما السورية)، نرى أنه شكل نوعاً من الدراما التشويقية امتد لثلاثين حلقة، مدة كل منها عشر دقائق كانت تحمل من الغموض والإثارة ما يشد المشاهد للمتابعة، وهو عمل مختلف عما قدم من أعمال بكل المقاييس، بحيث يطل في بداية كل حلقة أحد أبطال العمل ليعلن للمشاهدين تفاصيل مشوقة عن الحلقة، ما أعطاه حضوراً جماهيرياً بحكم إتاحة الوقت المناسب للمشاهد أن يشاهد العمل متى يشاء دون التقيد بمواعيد العرض على الشاشة، وربما الموضوع الذي يتناوله هذا العمل كان مثار اهتمام أكثر، فأحداث العمل تدور حول “ورد” (بسام كوسا)، وزوجته “مي” (ديمة قندلفت) التي تطلب منه الطلاق في حفل ذكرى عيد زواجهما أمام مجموعة من أصدقائهما، ما يخلخل ثقة الجميع بأنفسهم أولاً وببعضهم ثانياً، وتبدأ المشاكل بين الجميع لتمتد الإثارة على مدى ثلاثين حلقة، لكن رغم حداثة هذه التجربة، فإنها نجحت في جذب أسماء مهمة من نجوم الدراما السورية ليس في التمثيل فقط ، بل كذلك في الكتابة والإخراج.
في الواقع، لم يزل إنتاج المسلسلات الرقمية متواضعاً للغاية في سورية، وعلى الرغم من أن طبيعة التجربة الفنية وأحكامها، ولاسيما لجهة تحررها من قيود الرقابة واشتراطاتها، يفترض أن تلقى الكثير من المتحمسين وخصوصاً الشباب منهم، ظلت الإنتاجات العربية المخصصة للعرض على المنصات الرقمية محدودة ومتفاوتة المستوى الفني والفكري.
وبالعودة إلى تاريخ الدراما عبر الانترنت، أو “دراما اليوتيوب”، نرى أنها تجربة تأخرت ولادتها في سورية، وفي الرجوع إلى بدايات الحرب، وتحديداً إلى عام 2012، فإنه سيحيلنا إلى تجربة “فلاش سوري كتير” (نص علي وجيه وإخراج وسيم السّيد) التي شكلت المحاولة البكر للخروج بالدراما من الشاشات إلى الهواتف المحمولة عبر منصة يوتيوب. والجدير بالذكر أن عرض اللوحات عبر شبكة الإنترنت لم يكن اختيارياً، وإنما إجبارياً بسبب رفض التلفزيون السوري، وغيره من القنوات السورية الخاصة، تبني العمل، كونه يحمل شحنة كبيرة من الجرأة بحسب الوصف، ثم قدم الشاب مجيد الخطيب تجربة موازية في “طربيزة الحوار”، وفي النهاية يمكن القول أنهما محاولتان نجحتا ربما في لفت النظر إلى صنف مُحدث من صناعة المسلسلات.
ضمن هذا السياق، نستطيع أن نفهم حاجتنا إلى منصة مثل “آيفليكس” و”نتفليكس” وغيرها من المنصات التي تعني في واحد من معانيها أن يختار الجمهور “صنف الدراما” التي يرغب بمشاهدتها دون أن تفرض عليه الفضائيات مسلسلات توضع على خارطة شهر الصوم بإيعاز من المعلنين، وتعني أيضاً أن السوق أصبحت حرة تماماً ومتاحة أمام كل صنوف التجريب والتخلص من السائد والمألوف، وبالتأكيد يمكن أن يكون أحد الحلول إطلاق محطات يوتيوب سورية مليئة بالمنتج المحلي الخالص من دراما وأغاني وأفلام وبرامج ترفيه خاصة.