دراساتصحيفة البعث

هل سيشهد العالم سباق تسلّح جديداً؟

ريا خوري

منذ ما يقرب من ثلاثة وثلاثين عاماً، وبعد توقيع اتفاق الحد من نشر الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى بين جمهورية روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، انطفأت نيران الحرب الباردة في ظل القطب الواحد، ودخل العالم مرحلة جديدة من التعايش السلمي، لكن ما جرى في هذه الفترة يؤكد أن نيران سباق التسلّح مازالت تحت الرماد، ومرشّحة للاشتعال وحرق الأخضر واليابس في أي وقت، إذ أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من المعاهدة، وردّت الخارجية الروسية، في بيان صدر في أول هذا الشهر آب الجاري، عبر تأكيها أن جمهورية روسيا الاتحادية سترد بشكل فوري على نشر الولايات المتحدة الأمريكية للصواريخ في أية منطقة في العالم، سواء كانت نووية أو غير نووية.

لقد وضعت روسيا حداً للتفرّد الأمريكي، مع تعاظم الدور الصيني على الصعيد الدولي، وبدأت الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخروج من الاتفاقات الدولية، وقرر ترامب في الثاني من شهر شباط  من عام 2019 الانسحاب من معاهدة الحد من الصواريخ، ليزيد سباق التسلّح النووي تأججاً، والذي يمكن أن يكون متعدد الأطراف. وهذا السلوك لا يقتصر على جمهورية روسيا الاتحادية، فالولايات المتحدة مازالت مستمرة في تأجيج التوترات مع الصين، من خلال ربطه دول شرق آسيا باتفاقيات دفاع مشترك، أو بحشد مزيد من قواتها البحرية في بحر الصين الجنوبي.

روسيا تؤكّد أن الولايات المتحدة ترسم مخططات تهدف إلى تطوير صواريخ كانت محظورة في السابق بموجب المعاهدة المذكورة، وأنها قامت بإجراء تجارب ميدانية لتلك الصواريخ، ما يعني انسحاب وهروب الولايات المتحدة من الامتثال للقواعد التي فرضتها المعاهدة. لقد أكدت العديد من التقارير الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية أن الولايات المتحدة ستنشر صواريخها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ كمرحلة أولى، وفي أوروبا في مراحل قادمة، ومما لا شك فيه أن نشر الصواريخ من جديد سيؤدي إلى جولة جديدة وخطيرة من سباق التسلّح، وهذا يدفع موسكو للرد الفوري لأنها تعتبره تهديداً لأمنها القومي، وكان وزير الدفاع الأمريكي قد أعلن منذ بداية هذا الشهر آب أن الولايات المتحدة الأمريكية وبولندا اتفقتا خلال مفاوضات متتالية على إرسال ألف جندي أمريكي إضافي إلى بولندا، حيث وصل العدد الكلي إلى أربعة آلاف وخمسمئة جندي أمريكي، وهو ما يكفي لنوايا الولايات المتحدة ضد روسيا، ومخاوف روسيا بشأنها.

من جهتها نشرت روسيا أول مجموعة من صواريخ (افنجاد) فائقة السرعة أضعافاً، مع العلم أن هذه الصواريخ تفوق سرعتها أضعاف سرعة الصوت دون أن تحدد مكانها، الذي بقي سرياً، والتي كان من المتوقع نشرها في منطقة جبال الأورال، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: إن هذه الصواريخ تنطلق بسرعة تفوق عشرين مرة سرعة الصوت، وستتمكن روسيا من ضمان تفوقها في هذا المجال، وتم تزويد الصواريخ بنظام توجيه يزيد قدرتها على المناورة الفائقة، وهذا يجعل التصدي لها أمراً مستحيلاً.

الحقيقة أن روسيا قطعت أشواطاً على طريق تطوير أنظمتها الصاروخية التي تفوق سرعة الصوت، كما أن الصين أيضاً كانت قد طوّرت أنظمتها الصاروخية بشكل جيد، فقد اختبرت روسيا صاروخاً سريعاً يعمل بالطاقة النووية أطلق عليه اسم “بوريفيستنيك”، وصاروخاً آخر أطلق عليه اسم “كنزال”، من جهتها أجرت الصين تجربتين متتاليتين على صاروخ بالستي يحمل رأساً حربياً فائق السرعة، قطع مسافة ألف وأربعمئة كيلومتر، وأصاب هدفه بدقة، وتتوقع الولايات المتحدة الأمريكية أن تنجح الصين في وضع هذا الصاروخ القادر على حمل رؤوس نووية أو تقليدية في الخدمة في نهاية هذا العام 2020 .

إن حجم الاضطراب والقلق الذي يصيب العالم من سباق التسلّح النووي يشير إلى تدهور خطير جداً على صعيد الأمن والاستقرار الاستراتيجي في العالم، وفي حال التصعيد المستمر، وتمسك كل طرف بمواقفه، ورفض الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، تصبح فرص الإفلات من المواجهة الحربية أقل، بينما تزداد فرص الانفجار الذي قد لا يكون نتيجة قرار عن سابق تصميم وإصرار، بل هو ناتج حتماً عن سوء تقدير أو خطأ، وربما عن الاثنين معاً.