الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

مَن يذكر…؟

د. نضال الصالح

الأستاذ في غير جامعة سورية وعربية منها حلب ودمشق والجزائر والكويت، والباحث، والناقد، الذي ملأ دنيا الثقافة العربية وشغلها لعقود منذ حصوله مطلع الستينيات على شهادة الماجستير من جامعة القاهرة عن رسالته “التطور الفني لشكل القصة القصيرة في الأدب الشامي” التي لما تزل أحد أهمّ المراجع عن الفنّ القصصي في بلاد الشام، عن نشأته وتحولاته ومغامراته، فأطروحته للدكتوراه من الجامعة نفسها في النصف الثاني من الستينيات، “تطوّر الصورة الفنّية في الشّعر العربي المعاصر” التي لا يمكن لأيّ باحث في شأن الصورة الفنية في الشعر إلا عدّها متناً في مراجع بحثه.

ذلك هو الراحل الأستاذ الدكتور نعيم اليافي، الحمصيّ المولد والنشأة والحلبيّ الإقامة منذ عقد السبعينيات إلى يوم رحيله عن هذه العاجلة قبل نحو سبعة عشر عاماً بعد أن تمكّن مرض السكّري من جسده كلّه. الذي لم يكن يشغله في حياته غير القراءة والكتابة، وقبل ذلك عمله أستاذاً جامعياً مدرّساً للأدب الحديث والنقد الأدبي، والذي تخرّج على يديه عشرات الآلاف من الطلاب، وحصل المئات منهم بإشرافه على شهادتي الماجستير والدكتوراه، وكان، حتى قبل أن يقعده المرض، جوّاب آفاق في المنابر الجامعية والثقافية السورية وفي غير جامعة ومنبر ثقافي عربيّ رفيع، وعُرف عنه فيها جميعاً، مُشرفاً ومُحكّماً ومحاضراً ومشاركاً، إخلاصه للحقيقة وجهره بها مهما يكن من أمر ما قد يناله من غضب أعدائها، ومن كيد الكائدين، ونهم المتثاقفين إلى أكل لحمه نيئاً، ومن ذلك فصله من عمله في الجامعة مرتين بعد تقارير كيدية كان حفنة من عبيد الزيف سفحوا حبر حقدهم على صفحاتها، فكان لهم ما خططوا له للخلاص منه في الجامعة، ولكنهم لم يستطيعوا محو اسمه وسيرته وحضوره في الثقافة العربية إلى الآن، وإلى أن تقوم الساعة.

ما يزيد على أربعة وعشرين كتاباً صدر للدكتور اليافي، وهي كتب تمثّل جميعاً مراجع أساسية لأيّ باحث في الأدب والنقد الأدبي الحديث، كما تمثّل علامات فارقة في المكتبة النقدية العربية لسببين مركزيين: لامتلائها بحمولات معرفية عالية ودالّة على سعة المخزون الثقافي لمؤلفها، ولتعبيرها عن الحقيقة، إبداعاً ونقداً، باستثناءات قليلة هي تلك التي أعلى الأستاذ اليافي من شأن مَن لا يليق بأدبهم أن يخصّه بقراءة نتاجه لا الكتابة عنه.

في كتاب اليافي: “أطياف الوجه الواحد، دراسات نقدية في النظرية والتطبيق” بحث، أو ما يشبه البحث، يختزل تردّي الثقافة في أوحال الأيديولوجيا العوراء، والعمياء أحياناً، التي لا تعترف بالآخر المختلف، بل التي لا تدخر وسيلة، مهما كانت رخيصة، في محاولة إيذائه، وربّما إبادته بالمعنى الدقيق لكلمة إبادة. أعني البحث الموسوم بـ: “النقد التكاملي، حوار الأسئلة والأجوبة” الذي عرّى اليافي فيه ثقافة العصابة التي تحكم وعي غير قليل ممّن يزعمون نسبتهم إلى الثقافة والمثقفين، وثقافة التطاول على القامات المعرفية العالية رغبة من عبدة هذه الثقافة في أن يصيروا من حال النكرة إلى حال المعرفة.

وبعد، وقبل، فمن بديع كنايات العرب عن الأذى قولهم دبيب العقارب.