جائزة الدولة التقديرية للدكتور إسكندر لوقا في الإبداع الأدبي والتشكيلي
د. إسكندر لوقا، أحد المكرمين بجائزة الدولة التقديرية لعام 2020 في مجال الأدب، ولا يقتصر إبداعه على الجانب الروائي إذ برع بكتابة الرواية المختزلة وقدمها للعالم العربي بأسلوب مدهش وشائق، وبنيت رواياته على خصائص الرواية وسماتها من حيث الامتدادات الزمنية والاتكاء على التاريخ وملازمة الأمكنة والتعمق بوصف سمات الشخصية وفنية الوصف بالاختزال متمثلاً كل تقنيات السرد من حيث الاستباق والاسترجاع وهيمنة السارد في مواضع والتضمين والتداخل، إضافة إلى المقاربة مع الواقع والإبحار برومانسية الحب.
تاريخ أدبي
جسدت رواية “ضياع في غابة” جزءاً من سيرة حياته ومعاناته مع قصة النزوح من اللواء من خلال حكاية أسرة مهاجرة، وكما فعل النازحون من مدنهم وبلداتهم وقراهم المطلة على الشواطئ التركية أو القريبة منها اكتفت العائلة بحمل بعض الأمتعة لتقيها من عوامل الطقس المتبدلة بين يوم وآخر”والتي تابع بين سطورها مأساة الفلسطينيين” ومما زاد الطين بلة مجريات الحرب التي خاضتها الجيوش العربية ضد الإسرائيليين في سنة 1948، ولم تتمكن من دفع أذاهم عن عرب فلسطين فسقطت مدن وقرى عديدة” وتتالت الأحداث السياسية العاصفة بسورية والوطن العربي في رواياته فكانت أشبه بسجل تاريخي متلاحق، ففي رواية “من حكايات ليلة 29 أيار” التي استمدها من وحي يوميات دوّنها في دفتر مذكراته سجل وقائع الليلة العصيبة على سكان دمشق “ليلة ثلاثاء التاسع والعشرين من شهر أيار 1945، لم تمح الأيام والسنوات التي تلت معالمها من ذاكرتنا البصرية، نحن أبناء مدن سورية عموماً ومدن دمشق خصوصاً، تلك الليلة حملت إلى أبناء جيل الأربعينيات من القرن العشرين نبأ قصف مبنى البرلمان. ولم يبعد الصراع العربي الصهيوني عن سطور رواياته الواقعية في روايته “المدينة مدينتي” التي عبّرت بواقعية عن التشبث بالأرض ومواجهة الصهاينة من خلال حكاية رفض المرأة-أم أيمن- الخروج من مدينتها القنيطرة”.
ولم يقتصر إبداعه على الجانب الروائي فامتد إلى ألوان التنويعات الأدبية في القصة التي طالت أحداث الحرب الإرهابية على سورية في مجموعته “كتاب يبحث عن عنوان” وكذلك بالمسرحية والنصوص النثرية، إضافة إلى الكتابات السياسية والمؤلفات التدريسية ومقالاته الصحفية.
في أوقات الفراغ
السمة التي تغيب عن بال كثيرين أن د. لوقا أوجد خطوطاً مشتركة بين الكتابة والتأريخ الروائي والقصصي والتشكيل، بدا في لوحاته التي استُمدت من عوالم رواياته من حيث التبسيط والاختزال بأسلوبه التعبيري وألوانه البعيدة عن الاكتظاظ المعبّرة عن يوميات ومشاعر وذكريات، وفي منحى آخر تطرقت إلى الأحداث الإرهابية التي عاشتها سورية، جمعها كلها في سرد بصري يبوح بقراءات قصصية ضمن سلسلة أطلق عليها “في أوقات الفراغ” عاد فيها إلى ذكرياته في الطفولة في حارات دمشق فصوّر بواقعية انطباعية أزقة دمشق وحاراتها مركزاً ريشته ومفرداته اللونية على نوافذ بيوتها وأقواسها ومدوّنات خطها سكان الحارة على الجدران، واقترب من زواريب الذاكرة أكثر متوقفاً عند البحرة في فناء الدار بلوحته “مشتاق يا بحرتنا القديمة”، ومثل نزوعنا نحو السلام والأمان ونبذ العنف بدلالة رمزية بلوحة “في بيتنا حمامة سلام” إذ حطت الحمامة البيضاء فوق البحرة لتحلق في أجزاء البيت الدمشقي، كما لجأ إلى الطبيعة التي توحي بالتفاؤل مثل لوحة “مرحباً يا أحلى صباح”.
وكما في رواياته خاطب بلوحاته الأحداث فجسد الحلم العربي بلوحة “حصان يمتطي صهوة الريح”، واقترب من الأحداث الإرهابية الأخيرة بلوحة “أمريكا تحرق حقولنا ونحن نعيد زرعها” وعكس رغبة الأطفال الذين عانوا من آلام الفقد والتهجير جراء الحرب الإرهابية بحقهم بأن ينعموا بالأمان بعيداً عن هدير الطائرات وأزيز الرصاص بلوحة “أصدقائي طيور النورس لا الطائرات”
كما جسد ومضات من وباء كورونا والحظر من أجل النجاة بذهابه مع ألوانه إلى الأرياف، ورسم صورة هادئة لفلاح يخترق أوقات الحظر بلحظات تأمل وترقب بالخلاص”خارج أوقات الحظر”.
من اللواء إلى دمشق
رحلة د. لوقا في عالم الإبداع تجاوزت ستين عاماً وله قرابة خمسين مؤلفاً، وتُرجمت رواياته وقصصه إلى لغات عدة.
وُلد في لواء الإسكندرونة عام 1929، درس المرحلة الابتدائية في مدرسة الغسانية بدمشق، ونال الشهادة الإعدادية من ثانوية التجهيز الأولى في دمشق عام 1949، وتابع دراسة الثانوية دراسة حرة ثم حصل على الشهادة الثانوية القسم الأدبي عام 1956، وفي عام 1960 تخرج في جامعة دمشق في كلية التربية وعلم النفس، ولم يتوقف هاجسه بالتعليم إذ حصل على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اليسوعية في بيروت بدرجة شرف أول عام 1975، ودرّس في كليتي الآداب والصحافة كما درّس علم الاختزال في معهد السكرتارية ويشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعتي دمشق واليسوعية اللبنانية.
ملده شويكاني