بعد 10 أيام من الضغط على النظام التركي.. مشكلة المياه إلى الحل في الحسكة
نتيجة الجهود الدبلوماسية السورية والدولية، وحملة الضغط على النظام التركي، تمّت، أمس السبت، إعادة تزويد محطة علوك بريف الحسكة الشمالي بالتيار الكهربائي، تمهيداً لضخ المياه، بعد عشرة أيام من قيام الاحتلال التركي ومرتزقته بتوقيف ضخ المياه عن مليون مواطن في مدينة الحسكة وريفها، وأشارت مصادر إلى أن عمليات الضخ لم تبدأ بعد باتجاه مدينة الحسكة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن عودة المياه حتى تصل إلى منازل الأهالي في الحسكة ومحيطها، مضيفة: إن الكهرباء وصلت إلى 9 آبار من أصل 30 بئراً في محطة علوك شمال الحسكة لكنها لم تصل إلى المضخات، وبالتالي فإن عمليات الضخ لم تبدأ بعد، وأنه بعد تشغيل المضخات تحتاج المياه لنحو 12 ساعة للوصول إلى مدينة الحسكة نظراً لطول مسار الخط الذي يصل إلى 70 كم، وأضافت: إن أي حل نهائي لمشكلة تزويد المدينة ومحيطها بمياه الشرب يتطلب السماح لعمال المحطة بالدخول إليها والإشراف على عمليات الضخ منعاً لتوقفها أو توقيفها من قبل المحتل التركي أو من قبل مرتزقته وهذا لم يحصل حتى الآن أيضاً.
يشار إلى أن الاحتلال التركي ومرتزقته عمدوا إلى قطع المياه عن مدينة الحسكة ومحيطها، ليُحرم نحو مليون شخص من مياه الشرب منذ عشرة أيام. وهذه المرة الخامسة عشرة التي تقدم فيها قوات الاحتلال التركي على قطع المياه عن المدينة خلال الأشهر الثمانية الماضية.
اتحاد علماء بلاد الشام: نهجٌ إرهابي وأساليب همجية
وفي ردود الفعل، أكد اتحاد علماء بلاد الشام أن قطع النظام التركي ومرتزقته المياه عن أهالي الحسكة يعد نهجاً إرهابياً غايته نشر الموت ومنع أسباب الحياة، وأضاف في بيان: إن قطع الإرهابيين المجرمين والنظام التركي الراعي لهم المياه عن الحسكة ليس بالمستغرب عن منطق الإرهابيين وأساليبهم فمن قبل منعوا المياه عن سبعة ملايين إنسان في دمشق وضواحيها، وأشار إلى أن ممارسات النظام التركي القذرة وأساليبه الهمجية في نشر الظلم والظمأ والموت هنا وهناك قد بلغت درجة منحطة لا ينبغي للرأي العام السكوت عنها، داعياً دول العالم إلى تحمل مسؤوليتها ووضع حد لمفاسد وطغيان وتجاوزات هذا النظام الذي تخلى عن أدنى القيم الإنسانية والأخلاقية.
وطالب الاتحاد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والعالم العربي والإسلامي وسائر بلاد العالم بوضع حد لهذا النظام الجائر وممارساته الوحشية تجاه سورية أرضاً وشعباً في رعايته للمنظمات الإرهابية وجرائمهم الوحشية ولا سيما جريمتهم الحالية التي تجاوزت كل القيم الإنسانية والأخلاقية.
البطريرك أفرام الثاني: عمل بربري وانتهاك فاضح لحقوق الإنسان
إلى ذلك، أكد غبطة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أن قطع المياه عن أهالي الحسكة يشكل انتهاكاً فاضحاً لحقوق الإنسان الأساسية، وقال، في نداء عبر رسائل وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئيس المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشوليه ورئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشال، “نكتب إليكم بقلق واستنكار بالغ بخصوص الكارثة الإنسانية الراهنة في الحسكة في شمال شرق سورية حيث يمنع أكثر من مليون شخص سوري من حقهم بالحياة”، وتابع: “منذ أكثر من عشرة أيام قطعت مجموعات مسلحة تابعة للاحتلال التركي المياه عن المواطنين فعرّضتهم، ولا سيما الأطفال والمرضى، لوضع صحي حرج، ويأتي هذا العمل في ظل انتشار جائحة كورونا والارتفاع الكبير في درجات الحرارة في المنطقة والتي تزيد على الـ40 درجة مئوية”.
وشدد البطريرك أفرام الثاني على “أن استخدام المياه كسلاح، وهي ليست المرة الأولى، هو عمل بربري وانتهاك فاضح لحقوق الإنسان الأساسية، وبالرغم من هذا لم يحرك المجتمع الدولي ساكنا تجاه هذا العمل المشين، رغم مناشدة أهالي المنطقة، وإذا استمر قطع المياه فلا يمكن وصف هذا الأمر غير الإنساني سوى بأنه جريمة بحق الإنسانية”.
وحمّل البطريرك المجتمع الدولي تبعات هذا العمل غير الأخلاقي، وطالب الأمم المتحدة، عبر مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي، بمعالجة هذا الأمر بشكل فوري وذلك بتأمين المياه والمساعدات الأخرى لمن يحتاجها في الحسكة وشمال شرق سورية.
خبراء قانون: جريمة حرب وعقاب جماعي للمدنيين
وفي السياق نفسه، طالب رئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة جورج جبور الأمين العام للأمم المتحدة بالتدخل المباشر والفوري لإنقاذ سكان مدينة الحسكة وضواحيها من العطش إثر استمرار قوات الاحتلال التركي بقطع مياه الشرب عنها، وأشار في رسالة موجهة إلى غوتيريس إلى أن النظام التركي يقوم بقطع مياه الشرب عن سكان المدينة ومناطقها، مشدداً على أن هذه الجريمة تفاقم خطورة الوضع الإنساني في المنطقة وتخالف القوانين الدولية الإنسانية.
بدوره أدان المجلس الدولي لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان بأشد العبارات جريمة قطع المياه عن نحو مليون مدني في مدينة الحسكة، محمّلاً الاحتلال التركي كامل المسؤولية عن حياة هؤلاء، وخاصة في الوقت الذي يعد فيه الماء أهم وسيلة للوقاية من “كوفيد 19″، وأكد في بيان أن استخدام المياه كسلاح ضد المدنيين ليس انتهاكاً للقوانين والمواثيق الدولية فحسب بل هو “جريمة حرب” وعقاب جماعي للمدنيين، واستخدام لهم كورقة ضغط في الأمور السياسية.
وطالب المجلس النظام التركي بإعادة ضخ المياه إلى الحسكة، والتوقّف عن استخدام الموارد التي لا غنى عنها لبقاء المدنيين على قيد الحياة، وكف يد الاحتلال التركي عن استخدام محطة مياه علوك كورقة ابتزاز، وناشد المجتمع الدولي والهيئات المعنية في الأمم المتحدة بالتحرّك الفوري لمعالجة تلك القضية الإنسانية، وضمان عدم تكرارها، معرباً عن أمله من المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي التحقيق بتلك الجريمة الإنسانية والإضاءة عليها في حواره التفاعلي ضمن أعمال الدورة الـ 45 لمجلس حقوق الإنسان ووضع آلية واضحة وسريعة لإنقاذ مليون إنسان يحتاجون إلى المياه.
وأوضح المجلس أنه ليست المرة الأولى التي يقوم بها الاحتلال التركي بقطع المياه عن المدينة، فقد تكررت تلك الجريمة أكثر من 15 مرة منذ احتلاله مدينة رأس العين وأريافها حتى الآن، في مخالفة للاتفاقيات والبروتوكولات الدولية والإنسانية منها اتفاقية جنيف لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية لعام 1977 فيما يضمن العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1976 حق كل شخص في مياه كافية وآمنة.
جريمة ضد الإنسانية.. يتحمّل مسؤوليتها نظام أردوغان
من جانبه، أوضح خبير القانون الدولي وأستاذ القانون بكلية الحقوق بدمشق الدكتور محمد خير العكام أن ممارسات النظام التركي بحق المواطنين السوريين في مدينة الحسكة بمنعهم من مياه الشرب، التي هي أهم وسائل استمرار الحياة، “جريمة حرب” تهدف لقتل المدنيين وذلك وفقاً للمبادئ الإنسانية التي نصت عليها المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وأشار إلى ضرورة التحرك الجاد والفوري للأمم المتحدة والمنظمات وَالهيئات الإنسانية وخاصة الموجودة في سورية ودورها في مساعدة المدنيين وانقاذ حياتهم وكشف حقيقة جرائم النظام التركي على الأرض السورية.
وأشار خبير القانون الدولي والحقوقي نعيم آقبيق إلى أن قطع المياه عن مليون شخص يعد حرماناً من مقومات الحياة الأساسية، وفي ذلك جريمة بحسب اتفاقية جنيف الرابعة لحماية حقوق الأشخاص المدنيين وقت الحرب، لافتاً إلى أن النظام التركي ليس بجديد عليه عهد الجرائم وتاريخه مليء بالدموية والقتل، ومجازر الأرمن الدليل الشاهد على ذلك، وشدد على أن قطع المياه عن المدنيين جريمة حرب وإبادة جماعية وفقاً للمواد “5 و6 و7” من ميثاق روما لعام 1998 ويحق للمدعي العام في محكمة القانون العام رفع دعوى لمباشرة التحقيق أمام المحاكم المختصة بالاعتماد على التوثيق من قبل هيئة غير متحيزة تثبت الجرم عبر شهود العيان والأدلة، مؤكداً أهمية نقل حقيقة ما يجري عبر وسائل الإعلام الوطنية وبطرق مناسبة وعدم إغفال دور مواقع التواصل الاجتماعي في تكوين الرأي العام وتوضيح الحقائق ولا سيما في ظل التعتيم الإعلامي الغربي والتشويش المتعمد لطمس الحقائق.
كما نوه آقبيق بدور المنظمات والهيئات الإنسانية العاملة على الأراضي السورية في إيصال معاناة المدنيين بسبب اعتداءات الاحتلال التركي إلى منظمة الأمم المتحدة من أجل العمل على وقف هذه الانتهاكات وإنقاذ حياة مئات الآلاف من أهالي المدينة.
وبيّن الدكتور بشير بدور، الباحث في العلاقات الدولية، أن ما تشهده مدينة الحسكة من قطع للمياه من قبل المحتل التركي هو “جريمة حرب” و”جريمة ضد الإنسانية” وفقاً للمواد المنصوص عليها بالاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية الإبادة عام 1948 والتي تقول: أي اخضاع عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً يعتبر أمراً مخالفاً للقانون الدولي، وأكد أن على النظام التركي أن يتحمل مسؤولية هذا الإجرام وفق النصوص القانونية والمعايير الإنسانية، داعياً إياه إلى التوقف عن تنفيذ أجندة أصيله الأمريكي، مبيناً أن أعداء سورية وبعد أن فشلوا بتحقيق مخططاتهم عبر الآلة العسكرية وتجنيد الإرهاب لجؤوا إلى طرق بديلة إن كان عن طريق ما يسمى بـ “قانون قيصر” أو عبر حرق المحاصيل الزراعية وسرقة آبار النفط واليوم عبر قطع المياه عن أهالي الحسكة، وشدد على ضرورة التحرك الدولي من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف الجرائم وردع غطرسة المحتل التركي التي في حال استمرت ستؤول إلى كارثة بشرية تهدد سلم وأمن المنطقة ومستقبلها، داعياً إلى وقفة قانونية وسياسية وشعبية لمواجهة الاعتداءات التركية على الأراضي السورية ومحاسبة مرتكبيها.
وكانت منظمة الهلال الأحمر العربي السوري أن الظروف الإنسانية القاسية التي يضطر أكثر من مليون مدني من أهالي محافظة الحسكة لعيشها نتيجة قطع الاحتلال التركي ومرتزقته المياه عن المحافظة أمر مخالف للقانون الدولي الإنساني، علاوة على منع فرق الهلال الأحمر العربي السوري من الوصول الآمن إلى محطة علوك لإصلاح أعطالها وتأمين وصول مياه الشرب للمدنيين، وشددت في بيان على استمرار جاهزيتها لمواجهة التداعيات المترتبة على جريمة قطع المياه مشيرة إلى وضعها خطة طوارئ تعمل بموجبها على تأمين المياه بشكل عاجل لأهالي المحافظة.
وأشار البيان إلى جاهزية فرق الهلال الأحمر العربي السوري لمباشرة أعمال صيانة كاملة لمحطة علوك فور ضمان الوصول الآمن وصيانة خطوط الكهرباء ووصلها بين آبار علوك ومحطة المياه بالإضافة إلى أعمال الترميم داخلها.
وفي استوكهولم ندد الاتحاد الوطني للمغتربين السوريين في السويد وأوروبا بجريمة النظام التركي قطع مياه الشرب عن الحسكة، وطالب في بيانه المجتمع الدولي بتجريم ومحاسبة الاحتلال التركي على فعلته باعتبارها جريمة حرب وإبادة جماعية، مشيراً إلى أن النظام التركي يضرب بعرض الحائط كل القيم الإنسانية من خلال ممارساته الإجرامية.
ودعا البيان منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والإغاثية بالتحرك الفوري والجاد لإنقاذ المدنيين ووقف هذه الانتهاكات التي تعتبر جريمة بحق الإنسانية جمعاء، وأضاف: “نحن اليوم أمام إبادة جماعية بحق المدنيين السوريين في محافظة الحسكة بحرمانهم من المياه التي هي أحد أهم مقومات الحياة الأمر الذي يهدد في حال استمراره حياة المدنيين ويعرضها للخطر وينبئ بوقوع كارثة إنسانية بشعة ولا سيما في الوقت الذي يبذل فيه العالم جهوداً للتصدي لفيروس كورونا”.