اللجنة الدستورية: “الحجر السياسي” كضرورة للمعجزة
أحمد حسن
لم يجاف المبعوث الأممي، غير بيدرسون، الواقع حين دعا إلى عدم توقّع “معجزة” أو “نقطة تحوّل” في الجولة الثالثة من مفاوضات اللجنة الدستورية السورية، التي بدأت أعمال لجنتها المصغّرة بالأمس، فالرجل يعرف أكثر من غيره أن “اللجنة”، التي تتكوّن من ثلاثة أطراف، تعاني من خطيئة مؤسّسة في سردية بنائها، تتمثّل بكون طرف كامل منها – وجزء معتبر من طرف ثان منها – جرى تشكيله وتسمية أعضائه في أروقة مكاتب مخابرات دول خارجية محدّدة، بهدف واحد مساعدة هذه الدول في استكمال احتلالها الجغرافي لأرض سورية، أو استبداله، في حال الاضطرار، باحتلال سياسي للدستور السوري العتيد يضمن تحقيق أطماعها كاملة. وهذا ما يفسّر، مثلاً، سبب تمسّك هذا الطرف حتى اللحظة بـ”رفض الإعلان عن التمسّك بوحدة الأراضي السورية والسيادة، ورفض إدانة الاحتلال التركي والإرهاب”، رغم استمرار أردوغان في ارتكاب الجرائم وآخرها “تعطيش” أكثر من مليون شخص في الحسكة عن سابق عمد وإصرار.
لكننا، كسوريين، نعرف أن هذه “الخطيئة” ليست أحد دوافع “بيدرسون” للتشاؤم من عمل اللجنة، وليست أيضاً خلف تحذيره من أن مفاوضاتها “عملية طويلة وشاقة” و”لن تشكّل حلاً لإنهاء الحرب”، فالرجل ينطلق من مكان آخر ودوافع أخرى، لكننا نعرف أيضاً أن الدستور العتيد –إذا كُتب حسب ما يشتهون- سيكون سبباً لإطالة الحرب أو تكرارها بعد زمن يطول أو يقصر، فـ”محاولات إسقاط الوطن وإلغاء السيادة وتفتيت الشعب وضرب المؤسسات يحققها دستور، ويمنعها آخر”، كما قال السيد الرئيس في خطابه الأخير، بمعنى أن الدستور الذي تريده الدول التي أشعلت الحرب في سورية وأججت نيرانها لاحقاً، وبعضها دائم العضوية في مجلس الأمن، هو دستور مفخخ بكل عوامل الفرقة والتفتت، وكلّنا نذكر إعجاب المبعوث الأممي السابق “ستيفان ديمستورا” بالنموذج اللبناني ودستوره وتركيزه على أهمية الاقتداء به، وكلّنا نتابع اليوم النتائج الوخيمة لهذا النموذج وهذا الدستور.
والحال فإن هذه “الخطيئة” بالتضافر مع قيام البعض بإثقال “اللجنة” بالإشارات التهويلية ما لم تحقق أهدافهم وشروطهم المسبقة، يعتبران في علم الحوار والتفاوض، شرطين نافيين لأس وجودها وتشكيلها، وإذا أضفنا إليهما وجود المندوب الأمريكي السامي “جيمس جيفري” ونائبه “جويل روبرن”، في أروقة جنيف، فإن إطالة مدة الحرب تصبح تحصيل حاصل، لأن الرجل يحضر ممثلاً لقوة محتلّة تتواجد على الأرض السورية خارج الشرعية الدولية، وتتشارك مع عملائها في سرقة النفط السوري علناً، وتعتدي، بالحوامات، على حواجز الجيش العربي السوري في منطقة الجزيرة، بدوافع تتشابه تماماً مع اعتدائها الشهير على الجيش في جبل الثردة بدير الزور، فهما معاً يهدفان لتمكينها، وعملائها، سواء ميليشيا “قسد” في الأول أو تنظيم “داعش” الإرهابي الثاني، من السيطرة على الأرض السورية.
بدوره لا زال التركي، وهو الراعي الآخر للوفد ذاته، يحتّل أرضاً سورية ويحاول تغيير طابعها القانوني والديمغرافي والاقتصادي والمالي بهدف “التتريك”، متجاهلاً كل تعهداته بموجب اتفاقات أستانا وتفاهمات سوتشي، فكيف سيلتزم ويلزم أتباعه في اللجنة بدستور وطني سوري بحت تكتبه أيد سورية خالصة؟!.
والحال فإن ما سبق يعني أن وقت المعجزات لم يحن بعد، وأن النهج الخارجي القديم في إطالة الأزمة سوف يستمر بالزخم والقوة نفسيهما، خصوصاً لجهة تشدّد هذا الخارج في مطالبه وفي إفشال مختلف المبادرات السياسية، متوسلاً ما يمتلكه من وسائل ضغط – قيصر مثالاً – وهو سيستمر في تفعليها انتظاراً لنتائج الانتخابات الأميركية كي يتم البناء عليها، وبالتالي يبدو أن قرار منع السوريين من الاتفاق فيما بينهم “دون أجندات مفروضة أو مضامين جاهزة للإصلاح الدستوري” ما زال سارياً، وأن بيدرسون الخبير في السياسة الدولية يعرف ذلك أكثر من غيره.
بهذا المعنى نتضامن مع بيدرسون في سوداويته، وفي عدم تفاؤله، وهذا لا ينفي وجود الأمل، بأن يقوم الرجل -بوصفه مسيّراً لأعمال الحوار- بأضعف الإيمان وهو ما يتمثّل باقتراح منع أي جهة خارجية من التواجد في أروقة جنيف، ولو بحجة “كورونا”، التي علّقت أعمال إحدى جلسات الأمس، لأن عوارض الكورونا السياسية التي لم تفارق بعد وفد “المعارضات” تحتاج إلى حجر سياسي، علّها، ونقول علّها، تُشفى من أمراض الارتزاق والتبعية القاتلة.
أحمد حسن