اقتصادصحيفة البعث

هل يكسب “اقتصاد المعرفة” جولة تمويل البحث العلمي ..؟!

 

إذا كان اقتصاد المعرفة يشار إليه بأنه استخدام المهارات المعرفية لخلق منتجات أو خدمات تطور المجتمع وتدعم اقتصاده..، فهل يمكن القول إن لدينا مثل هذا الاقتصاد، وإذا كان هذا النوع من الاقتصاد موجوداً، فأين وجوده، وفي أي القطاعات ينشط، وهل تزداد نسبته في الاقتصاد الوطني، بمعنى: هل يقوى مقابل الاقتصادات الأخرى كالريعي والزراعي واقتصاد الإنتاج التقليدي وغيرها ..؟

غياب البنية التحتية

ثمة أكثر من رأي، بل أكثر من إجابة على هذه التساؤلات، فهناك من يقول إن هذا النوع من الاقتصاد، يحتاج بنية تحتية متطورة، تشمل نظم اتصالات حديثة، وشبكات حواسيب، وبنوك معلومات، وإطار قانوني يحمي الملكية المعرفية، وبنية اقتصادية واستثمارية تسهم في بناء شركات تستثمر في اقتصاد المعرفة، ثم وجود أسواق مال تسمح بتداول وبيع أسهم هذه الشركات ..، وبالتالي، فإن جزءاً كبيراً من هذه المتطلبات غير متوافرة في البلاد، وإن توافرت، فإنها غالباً ما تكون دون المستوى المطلوب.

البحث التنموي

يرى المدير العام للهيئة العليا للبحث العلمي الدكتور مجد الجمالي، أنه وبالرغم من محدودية اقتصاد المعرفة في سورية، إلا أنه يجب التركيز في هذه المرحلة على البحث العلمي التنموي، الذي يمكن استثمار مخرجاته بشكل بسيط وفوري للنهوض بالاقتصاد الوطني، وإحلال البدائل لكثير من المستوردات المرتفعة التكاليف، والتي يصعب الحصول عليها بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية الجائرة والظالمة، سيما في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة، علماً أنه توجد في سورية بعض قصص النجاح، خاصة في الزراعة، إذ طورت الهيئات البحثية الزراعية (كليات الزراعة والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية وأكساد، وغيرها ..) عديد المنتجات الزراعية والبذور، واستثمرت مخرجات تلك البحوث بشكل مباشر في رفع سوية الإنتاج لبعض المحاصيل الاستراتيجية كمّاً ونوعاً، كسلالات القمح المقاومة للأمراض والقطن الملون وغيرها ..، مع ذلك، فإن استثمار كثير من البحوث في المجالات الأخرى، لا يزال دون المستوى المطلوب، لعديد الأسباب .. أهمها ضعف أو غياب التشريعات الناظمة، التي تمكّن من الاستثمار المباشر غير الخاضع للروتين القاتل.

ويضيف الجمالي أن التركيز على اقتصاد المعرفة هو الشغل الشاغل للهيئة، فقد وضعت، العام الفائت، بإشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الخطة الوطنية لتمكين هذا البحث، التي تستهدف الحصول على مخرج بحثي داعم للاقتصاد ومعزز للتنمية، كما تتجه حالياً، وبالتعاون مع الجهات المعنية وأهمها الوزارة، لإحداث مكاتب نقل للتكنولوجيا في الجامعات والهيئات البحثية ووحدات إدارية تختص بالبحث والتطوير في كل المؤسسات الإنتاجية والخدمية العامة والخاصة، وذلك لتطوير منتجاتها وخدماتها اعتماداً على التكنولوجيا الحديثة. واستكمالا لهذا النهج، أقامت الهيئة مؤتمرين للباحثين السوريين المغتربين تحت عنوان (نحو اقتصاد المعرفة)- دور الباحثين السوريين في الوطن والمغترب، إيماناً منها بالتجارب الغنية التي اختبرها باحثون سوريون في المغترب والتي يمكن أن ينقلوها إلى بلدهم الأم.

حاجة ماسة ..

إن البلاد اليوم أحوج ما تكون لاستثمار مقدّراتها المعرفية، التي امتلكها باحثوها وأكاديميوها في تطوير منتجات ذات قيمة اقتصادية كبيرة، ولعل نقص الموارد والثروات يفرض السير في هذا الاتجاه، ومعروف أن ثمة دولاً لا تمتلك مقدرات كبيرة أو ثروات باطنية، كاليابان عالمياً وتونس عربياً، استطاعت استثمار إحدى أهم ثرواتها، وهي رأس المال الفكري في مؤسساتها الأكاديمية والبحثية، وذلك بالاعتماد على استثمار المعرفة في شتى المجالات الزراعية والصناعية، حيث دعمت ذلك بإنشاء الحاضنات وأقطاب التقانة على نحو مدروس، ما سهل ترجمة المعارف إلى مخرجات ذات قيمة سوقية مباشرة.

وهذه المعوقات..

في الوقت الذي تبرز فيه بعض ملامح اقتصاد المعرفة محلياً وعربياً، إلا أن ثمة معوقات كثيرة تحول دون الاستفادة من نتائجه على أكمل وجه، ويلخص الدكتور شاهر شاهر، أستاذ جامعي سوري في إحدى الجامعات الصينية، أبرز هذه المعوقات بعدم الاستقرار والاضطرابات، وتغول الفساد وغياب الحوكمة، والانكماش الاقتصادي وتراجع أسعار النفط، وتحديات الأوبئة والإنفاق الصحي، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، وعدم وضع الحكومات البحث العلمي في مصاف الأهداف التنموية الرئيسة، وغياب البحوث الحقيقية والجادة واقتصارها في أحيان كثيرة على التنظير، إضافة لغيرها من المعوقات..

عن مشكلة التمويل ..

كانت لافتة، خلال المؤتمر العلمي الثاني للباحثين السوريين والمغتربين الذي عقد قبل أيام في دمشق، تلك التوصية التي دعت إلى تحويل اقتصاد المعرفة إلى واقع ملموس، عبر تأمين التمويل المناسب، الذي يشكل حجر الأساس في الإنتاج العلمي، والمقترح أن يأتي عبر تخصيص واحد بالمئة من عائدات المؤسسات العامة والخاصة لدعم صندوق الابتكار في الهيئة، وتأسيس مخابر علمية تتعاون فيها الجهات العامة والخاصة، فإذا كانت هذه النسبة منطقة وعقلانية، والأهم قابلة للتنفيذ فعلياً، فإننا أمام تمويل معقول جداً، فالكثير من الدول بدأت بتخصيص إنفاق يوازي أو يقل عن هذه النسبة، ثم أخذت نتائج البحوث وتطبيقاتها والمبيعات الناجمة عنها تدعم التمويل شيئاً فشيئاً، فهل “نتعشم” بانطلاقة بحثية وتمويلية نوعية في بلادنا ..؟! نأمل ذلك قبل أن يكسب “اقتصاد اليأس”، الذي تفرضه الظروف الاقتصادية المحيطة، الجولة على نظيره “اقتصاد المعرفة” ..!

أحمد العمار

ournamar@yahoo.com