مجلة البعث الأسبوعية

بين حلم بعيد وواقع متواضع آن لنا أن نتبنى خطة وطنية للرسوم المتحركة.. وبأسرع وقت ممكن!!

“البعث الأسبوعية” ــ جُمان بركات

أطفالنا بحاجة لبدائل عن الرسوم المتحركة الأجنبية الوافدة من خارج حدود الجغرافية السورية والهوية والعادات والتقاليد والقيم الخاصة بوطننا، لذلك كان الرأي بشفافية أن التقصير الحاصل في هذا القطاع المهم يجب مداواته بأسرع وقت والتوجه بشكل مباشر لضخ كل الإمكانات المادية والمعنوية لدعم قطاع حيوي ومهم يساهم بشكل فاعل في بناء ثقافة الطفل السوري الذي هو لبنة الأساس لمستقبلنا المنشود.      هناك مشكلة واضحة في مجال الرسوم المتحركة وأسباب تراجع الإنتاج السوري فبه، وهناك مشكلة في الإنتاج والرعاية والتمويل، فهو في النهاية قطاع يحتاج ميزانية خاصة وكبيرة، ويحتاج كوادر كبيرة لكل عمل يقدم للأطفال. وواقع فن صناعة الرسوم المتحركة في سورية من خلال تجارب عديدة تحمل الكثير من الأحلام والرؤى، وفي ذات الوقت تتخللها معوقات وصعوبات كبيرة فهل يوجد أمل بالحلول.

من خلال استطلاع أجرته “البعث الأسبوعية” مع عدد الأشخاص الذين عملوا في مجال الرسوم المتحركة، تبين أن هذا الفن مازال مهمشاً وأن أصحابه يطالبون بنقابة خاصة بهم لتحقيق أفضل ما يمكن من برامج للأطفال، والواضح هو تقصير الجهات المعنية في دعم هذا المجال، وهو الوجع الأكبر، ويبقى البحث عن الممول والداعم هاجس كل الفنانين والكتاب لهذا الفن.

 

توطين الرسوم المتحركة

الرسالة التي تحملها الرسوم المتحركة قد لا تنسجم مع رسالة المجتمع الذي يتلقى تلك الرسوم، خاصة إذا كانت رسوماً وافدة، حيث يقول كاتب السيناريو حسين الإبراهيم إن توطين الرسوم المتحركة كأنموذج إعلامي وثقافي غني جداً بقدرة التأثير وخاصة بالنسبة للأطفال، سواء على صعيد الانتشار السريع أو على صعيد التأثير في السلوك، ما يؤكد حساسية العمل فيها في الكتابة والتأليف والإبداع نصاً وتشكيلاً، وهو ما ينعكس تربوياً وأخلاقياً واجتماعياً؛ وهنا تكمن أهمية توطين الرسوم المتحركة المحلية، وهو شعار عملنا على تطبيقه بالتعاون مع الفنان رامز حاج حسين، والكاتب محمد خير النشواتي، ومجموعة من الكتاب والفنانين، وأنجزنا عبر هذا التعاون المسلسل التلفزيوني “العنكبوت الأزرق” ومجلة “الرقمي الصغير”. وتابع الإعلامي الإبراهيم: المهمة التي نعمل على تنفيذها الآن هي تحقيق الانسجام بين الأفكار الإبداعية وبين نماذج الوعي المرتبطة بالثقافة المجتمعية.

 

صعوبات

عن رأيه في صناعة رسوم متحركة سورية مميزة، قال خبير مونتاج الرسوم المتحركة، علي عبد الكريم الطيب: تضم مهنة الصناعات التلفزيونية، بمشتقاتها، المونتاج “تحرير المشاهد”، والمونوغرافيك “الصور والرسوم المتحركة”، وVFX “المؤثرات البصرية”، وcolor correction “تصحيح الألوان”، وكثير من المهن الفنية التي لا يمكن لأي مشهد تلفزيوني الظهور دونها. وهناك نوعان من الخبرات في هذا المجال: خبرة من خلفية أكاديمية صقلت بخبرة عملية على مر تراكم عملي، وخبرة ذات خلفية تعتمد على الموهبة وأيضاً صقلت بتراكم خبرات وتجارب، وكانت الخبرة سابقاً تُقدم على الأكاديمية، والآن تُقدم الأكاديمية على الخبرة العملية والتي يمكن أن يكون عمرها أكثر من ١٠ سنوات. وفي الحالتين – من وجهة نظري – هذا شيء خاطئ، إذ تعتمد الشركات العالمية الكبرى على الخبرة التراكمية التي ترفدها بدم الشباب الأكاديمي الحامل للفكر الجديد، لذلك يجب عمل تزاوج حقيقي بين الخبرة القديمة المستمرة والفكر الجديد الذي يحتاج أيضاً إلى صقل أدواته بالخبرة القديمة، وهذه إحدى أهم الصعوبات التي تمر بها هذه المهنة خصوصاً في الساحة السورية، بالإضافة إلى افتقار هذه المهنة لنقابة تنظم حقوق العاملين فيها، فلا يوجد حتى هذه اللحظة أي كيان قانوني ينظم عمليات التعاقد والاستلام والتسليم لمكونات العمل ومراحله والعمليات المالية، خصوصاً بعد دخول كثير من العناصر غير المدربة بشكل أكاديمي أو حرفي مبني على تراكم الخبرات الحقيقة، فهذه العوامل أثرت سلباً بشكل كبير.

 

شباب سوري هاوٍ

يجد رسام الشخصيات الكرتونية مالك عبود أن الكرتون أو الرسوم المتحركة واحد من أمتع الفنون.. يقول: هي من أكثر الأشياء تأثيراً على الأطفال، لذا يجب إعطاءها اهتماماً أكبر ودعم الفنانين والرسامين القيّمين على هذا الإنتاج من خلال المعارض الخاصة والتشجيعية، فأنا كرسام كرتون أعاني من دار نشر تسوق لي أعمالي إن كانت ورقية، أو مركز إنتاج سواء كان رقمياً أو غيره، إضافة إلى ضعف تلك الأدوات وغلاء ثمنها، وأحياناً عدم توافرها في الأسواق كمعدات رقمية، كلوحة الرسم مثلاً. وقد يعزف بعض الرسامين عن نشر أعمالهم لسوء المردود المادي مقارنة بدول الخارج، فيلجؤون لمهن أخرى تاركين الرسم كهواية، لا أكثر، رغم الحس الإبداعي والفكاهي لديهم، وهو الحس الأبرز في عالم الطفل. ومن خلال تجربتي الشخصية فأنا أكافح لأحصل على فرصة أثبت نفسي من خلالها لدى الشركات والمجلات.. حالي كحال العديد من الشباب السوري الموهوب.

 

إلى متى؟

لطالما كانت الرسوم المتحركة في سورية مطمحاً وغاية للعديد من الفنانين الشباب والرسام، ومخرج الرسوم المتحركة أحمد ناعمة ينتمي لهؤلاء الطموحين.. يقول عن حلمه: أنا أنتمي لهذا الحلم، كنا نتمنى صناعة أعمال فنية تليق بأطفالنا وخصوصيتنا، وكنا نسعى دائماً لعمل ورش بسيطة من مواهب متعددة، ونجمع أنفسنا في مكان ما بضيافة أحد الأصدقاء لصناعة حلقة هنا، أو فيديو كليب هناك، بإمكانات مالية متواضعة، وكنا دائماً نتحسر لقلة ذات اليد ولعدم وجود دعم لهذا الفن، وللأسف معظم الذين يشتغلون في هذا المجال ينفذون مشاريع للآخرين بتمويل من مستثمرين في الخارج.

والسؤال الكبير هنا: إلى متى سيظل فضاء الرسوم المتحركة في سورية على الهامش؟ وإلى متى ستظل شعبة الكرتون في وزارة الإعلام معطلة بهذه الطريقة؟ علماً أن هناك العشرات – بل المئات – من المواهب المحلية التي تنتظر فرصة تجميعها ضمن كادر وطني يعطي هذا المجال دعمه وألقه واستمراريته، بحثاً عن أفلام سورية ومسلسلات كارتونية تليق بالأطفال.

 

مستقبل الوطن

عالم الأطفال رغم بساطته ولطافته إلا أنه عالم مستقل بأساسياته ومفاهيمه، وعن هذا العالم قال الشاعر مهند صوان: تكمن الصعوبة بالنسبة لرموز عالم الأطفال ومعانيها أن الطفل يملك براءة وجرأة لا يقبل فيها إلا ما يقنعه، ولعلنا في عالم الأطفال نتلمس روعة وأهمية هذا الجيل ونقرأ فيه مستقبل الوطن، لهذا يتوجب علينا أن نكون حذرين في التعامل معه، فالتعامل معه على مبدأ الإدهاش والجذب عن طريق الحركة السريعة والألوان أو الأشكال الغريبة يجعلنا أمام عملية تشويه لشخصية الطفل وزرع الفراغ فيه، لهذا علينا أن نكون مجندين بموضوعية ومسؤولية لطرح المفاهيم الإيجابية والأمل في الغد.

وهنا أحب عرض تجربتي مع عالم الأطفال، فعندما أكتب لهم يكتب لهم طفل اسمه مهند.. كتبت لهم أغان للفائدة كأغاني مسلسل “فستق ولوزة”، وأغاني مجموعة “أصدقاء صغار جداً” وعن النملة والفراشة والعنكبوت.. كتبت لهم القصص المفيدة كقصة “عندما حزن اللون البني”، وقصة “الزائد أخو الناقص”.. كتبت أيضاً أغاني للمتعة بالحياة والطبيعة كأغنية “في بيتي ربيت كناري”، وأغنية “لعبتي ريما”.

اليوم، أحب أن أنوه إلى أهمية المرحلة التي نعيشها في هذه الظروف الصعبة.. لا ذنب  للطفل فيما نعيش إنه الأمل بمستقبل مشرق، لهذا علينا أن نزرع فيه الفرح والتفاؤل، ويستحق عالم الأطفال أن يملأه عطر الياسمين وضحكة العصافير المغردة كل صباح على نافذة غرفتنا الصغيرة حتى لو كانت النافذة مكسورة.. المهم أن يستمتع الطفل بالعطر والفرح، لهذا أتمنى أن ننتج معاً أعمالاً تلفزيونية وأفلاماً ومسلسلات بالصور المتحركة، إضافة إلى أعمال أدبية عبر المجلات والصحف الطفلية تتضمن مفاهيم وقيم المحبة والفرح والأمل، فالمستقبل يستحق هذا الغد المشرق في أعين أطفالنا.

 

تجربة خجولة

كانت الرسوم المتحركة ولازالت محط أنظار كل صناع الفن والمشتغلين في الثقافة الموجهة للأطفال واليافعين في كل البلدان، هذا ما بدأ به حديثه كاتب الرسوم المتحركة والرسام رامز حاج حسين،

مضيفاً: في سورية كانت التجربة خجولة وعلى استحياء مع اليقين التام لدينا جميعاً – نحن المشتغلين في هذا المجال – أن الخامات والمواهب الموجودة تشكل نواة إطلاق مئات المشاريع الخالصة بهويتها ومحليتها الوطنية السورية، ولكن يبقى البحث عن الممول والداعم هاجس الفنانين والكتاب لهذا الفن.. وتقصير الجهات المعنية في دعم هذا المجال هو الوجع الأكبر، فلا فيلم كرتونياً بهوية سورية حتى الآن إلا من تجارب نادرة تكاد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ولا خطة وطنية واضحة في المنابر الثقافية المسؤولة عن هكذا فن ليضع فيها أصحاب الاختصاص والمواهب بصمتهم وثقلهم.. هناك عطش ولهفة كبيرين لأجل توطين الرسوم المتحركة في سورية وجعلها مشروعاً وطنياً كبيراً وملهماً.

كل الشعوب عرفناها بما تملك من مزايا عبر شاشة التلفزة من خلال المسلسلات الكرتونية التي تتحدث عن كل ما يتعلق بثقافتها وعاداتها وتقاليدها ورموزها، وبرأيي فقد آن لنا أن نتبنى خطة وطنية جامعة للرسوم المتحركة في سورية.. وبأسرع وقت ممكن.