فيلم “سيفان” ربط الإبادة الأرمنية بأحداث سورية
“من سيأخذ حقهم؟ حق الأرمن الذين قُتلوا جوعاً وعطشاً وخنقاً وإعداماً بالرصاص بعد ما تعرّضوا لكل أساليب العنف والوحشية من قبل الأتراك منذ مذابح الأرمن المتلاحقة، وصولاً إلى الإبادة الأرمنية عام 1915، السؤال الذي طرحه د. عاطف عبد اللطيف بطل الفيلم المصري القصير “سيفان” الذي جسّد دور شاهين. فكرة د. عاطف عبد اللطيف –سيناريو جوزيف فوزي- إخراج سيف يوسف –موسيقا طارق عامر- إنتاج مينا فوزي عام 2019.
ربط الفيلم بين الإبادة الأرمنية والحرب الإرهابية التي تعرّضت لها سورية عبر الأحداث المبّطنة بالكثير من الرسائل والدلالات والإشارات، التي تؤكد أن الحياة مستمرة والمطالبة بالعدالة رغم أن “لاتوجد عدالة على الأرض في أي مكان، لكننا نحاول”.
تدور أحداث الفيلم على مدى ثماني عشرة دقيقة، في القاهرة بزمن فعلي لا يتجاوز عدة أيام، إلا أن الزمن الحقيقي يعود إلى مئة وخمس سنوات تاريخ الإبادة الأرمنية، ليتكامل الزمن مع المكان، إذ اختار المخرج سيف يوسف بناءً من طراز العمارة التقليدية في حيّ راق وهادئ، فركز الكاميرا على النوافذ الخشبية والشرفات الصغيرة والتقطيعات الداخلية للمنزل، ومنذ البداية مضى بسياق خطين معاً مثّلا قطبي الحبكة الدرامية، فدقات الساعة البطيئة التي تلازم سيفان -ليلى عزّ العرب- جانب سريرها تشير إلى الزمن، لكن أي زمن؟. تفتح السيدة الأرمنية المسنّة عينيها وتستحضر الأحداث الفجائعية للإبادة عبْر متتالية من صور القتل والغرق والحرق والهرب، يتوازى هذا الخط مع عودة شاهين من غربة ثلاثين عاماً، فمن المطار إلى سيارة الأجرة وحديث صغير بينه وبين السائق يعبّر عن أحلام الشباب بالهجرة أملاً بحياة أفضل. يعتمد المخرج على المنولوج بصوت شاهين ليأخذ دور السارد تارة، ويجيب عن الأسئلة تارة أخرى، فيسترجع بذاكرته صورة الماضي قبل ثلاثين عاماً حينما يرى سيفان الشابة تسقي ورود الشرفة، ليتكرّر المشهد الآن بعد أن أصبحت مسنّة، “تغيّرت الملامح لكن الضحكة ذاتها” برمزية أيضاً إلى أن الزمن يمضي لكن هناك ثوابت لا تتغيّر.
الحرب على سورية
اختار المخرج منزلين متجاورين في الطابق نفسه، في إشارة إلى اندماج الأرمن في المجتمع الذي يعيشون فيه، ويؤكد هذا الاندماج مقولة سيفان حينما سألها شاهين “لماذا لم تغادري القاهرة وتهاجري مع ابنتك لوسي التي هاجرت مع زوجها إلى يريفان؟ فتجيب: أنا لا أترك البلد التي حمت والدتي حينما نجت من الإبادة وهي طفلة، وكبرت وتزوجت هنا، وأنا تزوجت هنا ومات زوجي وأصبحت مصر بلدي”، ورغم تعلّق سيفان بمصر موطنها الثاني، إلا أنها تمسّكت بقضيتها وجمعت كل الوثائق التي تدين الأتراك في ملف سلّمته إلى شاهين ليكون أمانة في ذمته يسلمه لأحفادها، ليتابعوا ملف القضية بدلالة رمزية إلى أن ملف القضية الأرمنية ينتقل من جيل إلى آخر ومازالت المطالبة بمحاسبة الأتراك قائمة، بتوافق تام مع مطالب الأرمن في سورية ودعوتهم بشعار “أتذكر وأطالب”.
كما عمل المخرج على إظهار التعاطف الإنساني مع قضية الأرمن باهتمام شاهين بالقضية الأرمنية وتبنيها، فيلجأ إلى الحلم بتخيّل شاهين أنه يدخل إلى القلعة ويحاكم السلطان عبد الحميد، وهذا التعاطف الإنساني ينسحب على كل الشعوب التي عانت من الظلم، وخاصة سورية التي وقعت على أرضها سابقاً ملاحقة العثمانيين للأرمن، وتشهد اليوم الأحداث الإرهابية، بدا هذا بربط محكم من خلال المشاهد وتمرير نشرات الأخبار التي تبثّ على الشاشة وتصوّر الفظائع التي يرتكبها الإرهابيون بفنية غير مباشرة، ومن خلال التطرق المباشر إلى الأحداث بظهور شخصية سلمى الفتاة الشابة الجميلة التي اعتقد شاهين للوهلة الأولى أنها ابنة لوسي التي كانت أول حب في حياته، لكنها اختارت أن تتزوج صديقها الأرمني وتهاجر معه إلى أرض الوطن، فيعود تلقائياً إلى الربط بين الماضي والحاضر بسلسلة الجرائم التي لم ولن تنتهي بحديث سيفان عن سلمى الفتاة السورية التي استضافتها بمنزلها بعد أن غرق كل أهلها في البحر هرباً من “داعش”.
التمسك بالحياة
تنتهي أحداث الفيلم بموت سيفان التي يرمز اسمها إلى الانتماء إلى أرمينيا، وسيفان اسم أكبر بحيرة في يريفان واسم متداول ويطلق على الإناث في أرمينيا ودول الشتات، وتبقى سلمى شاهداً على جرائم “داعش” تقاوم وتواجه مصيرها، فيتكرّر المشهد بعد موت سيفان حينما تسقي سلمى الورود برمزية أيضاً إلى ربط جرائم الأتراك. ويتساءَل شاهين: ماذا ستفعلين ياسلمى؟ هل ستطالبين بحق أهلك، فتصله الإجابة من ابتسامة سلمى الموحية بالأمل “الورد سيبقى يعيش بما أن هناك أشخاصاً تحب الحياة”.
نوّه الفيلم أيضاً بحضور الكنيسة الأرمنية، في إشارة واضحة إلى الحرية التي يتمتّع بها الأرمن بممارسة طقوسهم في المجتمعات التي استوطنوا فيها.
ملده شويكاني