الصراع على المتوسط.. الكباش مستمر
سنان حسن
يبدو أن الصراع بين تركيا وشركائها في حلف الناتو – فرنسا وايطاليا وألمانيا – في البحر الأبيض المتوسط، ظاهره السيطرة على مصادر الطاقة المكتشفة بكميات كبيرة جداً ومن يديرها في النهاية، وباطنه حرب تحت الرماد بين مشروعين الأول عثماني طوراني يحاول من جديد استعادة أمجاد غابرة، وبين دول تلهث للحفاظ على نفوذها التقليدي في شواطئ المتوسط، وخاصة الدول الإفريقية التي كانت لفترة طويلة مناطق استعباد ونهب ثروات، فهل تنجح عواصم الناتو في التفاهم فيما بينها على تقاسم الحصص كما تحاول ألمانيا تسويقه دبلوماسياً عبر زيارة وزير الخارجية الألماني لكل من أنقرة وأثينا، أم أن الصراع سيستمر في ظل رغبة فرنسية جامحة لكسر أجنحة أردوغان في المنطقة، وما قالته وزير الجيوش الفرنسية أمس الأربعاء “شرق المتوسط يجب ألا يكون ملعباً لطموحات البعض” يأتي في هذا السياق، ولكن المستفيد في كل ذلك.. بالتأكيد ليس العرب؟!.
لقد شكّل تمدّد رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان على سواحل ليبيا، من خلال معاهدة مشبوهة مع الميليشيا الإخوانية المسيطرة في طرابلس، مناسبة للكشف عن الأطماع الطورانية لأردوغان وعصابته الحاكمة في أنقرة لإعادة إحياء أمجاد غابرة في شمال إفريقيا ليس فقط على الدول المتشاطئة على البحر بل في العمق الإفريقي، وما التوقيع مع تشاد والنيجر على اتفاقيات أمنية واقتصادية مؤخراً إلا دليل على ذلك.. فالسيطرة الكاملة ربما لن تتحقق بالشكل المطلق ولكن مع وجود كيانات إرهابية على معظم الشواطئ الإفريقية يعني أن أوروبا وأمنها ووجودها بالمعنى الدقيق للكلمة في خطر ولاسيما إذا دققنا في عمليات انتقال الإرهابيين المرتزقة من سورية إلى ليبيا ومنها إلى سواحل إيطاليا.
وعليه لا يمكن قراءة المناورات التي تم الإعلان عنها أمس الأربعاء بين إيطاليا واليونان وقبرص وفرنسا في شرق المتوسط، إلا على أنها توجس للخطر الكبير المحدق بتلك الدول، ولاسيما من قبل باريس التي لن تتوانَى عن استغلال أي حدث في المتوسط للقول إنها موجودة وبقوة.. زيارة إيمانويل ماكرون إلى بيروت بعد ساعات من تفجير مرفئها ومحاولة فرض حلول على القيادات اللبنانية أو قصف طائرات فرنسية لقاعدة الوطية الجوية الليبية بعد ساعات من نصب منظومات دفاع جوي تركية، دليل على الهلع والخوف من المخططات التركية.
في مقابل الحماسة الفرنسية اليونانية هناك رغبة ألمانية واضحة في لملمة مشاكل الحلفاء في الناتو ومحاولة التقريب بين الأطراف المتنازعة، ولكن حتى الآن تصطدم بعناد الطرفين ومحاولة كل منهما جرّ الأمور لمصلحته وإن كان موقف النظام التركي أكثر تشدّداً حيث أعلنها صراحة أردوغان أمس :”تركيا لن تتخلى عن حقوقها في البحار الثلاثة مهما كلف من ثمن”، إذاً الكباش مستمر ولكن هل تنزلق الأمور إلى حرب بين الحلفاء؟
إن الصراع الدائر في شرق المتوسط يخدم في النهاية أجندات كيان الاحتلال الصهيوني الذي بقي بعيداً عن المواجهة المباشرة، فكل يرغب في مشاركته وضمه إلى صفه – خط الغاز اليوناني القبرصي “الإسرائيلي” الذي تم الإعلان عنه مؤخراً مثال – وعليه فإننا مقبلون بالفترة القادمة على مزيد من التطورات والأحداث الساخنة التي لن يكون في مقدور أصحاب العقول الحامية توقع نتائجها، ولكن إذا انزلقت إلى الحرب المباشرة فإننا أمام مشهد جديد سيغير التموضعات في المتوسط والدول المتشاطئة عليه.