حرب اللقاحات
ريا خوري
منذ أن ظهر فيروس كوفيد 19 (كورونا) بدأ العالم يعيش حالة من الفوضى والانقسام بدلاً من أن يتوحد ويزداد تكتلاً لمواجهة الأوبئة والجائحات والكوارث التي تهدد سكان كوكب الأرض. حالة الانقسام والتفرقة والتشتت التي حصلت أدخلت البشرية حالةً من الصراعات والأزمات توحي أن حروباً جديدة ستشتعل، لكن حروب هذا الزمن، لاشك، أنها ليست كالحروب التي عهدناها في تاريخنا، لأنها ستكون نمطاً جديداً في خططها وإستراتيجيتها وأسلحتها ومفرداتها وتعبيراتها، وأيضاً جنودها.
ستكون حروب طاحنة تخاض في عدة ميادين، وجميعها لا تشبه ميادين الحروب الكلاسيكية المعروفة، إذ إن لها ملامحها الخاصة ووقعها في الحياة عند البشر وذلك لاختلافها تماماً عن كل ما عرفناه و عهدناه، فهي حروب ناعمة الملامح، شرسة النتائج، مدمّرة، تعتمد على الصراع السيبراني الجديد، التي باتت واحدة من أكثر المصلحات التي انتشرت في معاجم وقواميس الأمن الدولي، يضاف إلى ذلك فإن الحروب البيولوجية الحديثة، وفي حالة كوفيد 19 (كورونا)، تؤكد على السبق في تحقيق أو ادعاء التفوق العلمي الالكتروني والبيولوجي، والقدرة الفائقة على سرعة اكتساب الزبائن قبل الآخرين. والزبائن هنا ليسوا أشخاصاً أو أفراداً بعينهم، بل شعوباً ودولاً وحكومات وأصحاب قرار يديرون العالم كما يريدون. لقد عايشنا لحظة بلحظة حرب الكمامات خلال الأشهر الماضية، وشاهدنا عبر الميديا دولاً تقوم بالقرصنة لسفن تحمل كمامات عابرة إلى دول أخرى. كما تابعنا حرب العقاقير الطبية والأدوية المتنوعة التي تم الإعلان عنها كعلاج فعال لفيروس كورونا، ثم بدأ التشكيك والتراجع لأكثر من مرة، بعد أن لعبت دول عديدة على وتر الحرب البيولوجية وشككت منظمات ضخمة لها حضورها النوعي في العالم ما تبنته دول أخرى.
منذ أن غير الفيروس التاجي حياتنا، والعالم على أبواب حرب جديدة هي حرب اللقاحات الطاحنة، بخاصة بعد أن أعلنت عدة دول أنها تطور لقاحات، وأنها ستكون سباقة في طرح السلاح الذي سيقضي على الفيروس، الذي حارب البشرية جمعاء. كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن بنفسه عن التوصل إلى لقاح خرج من مختبرات معهد “جماليا”، بالاشتراك العملي مع وزارة الدفاع الروسية.
في المقابل، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد سبقه مراراً بإعلانه عن إنجازات ونجاحات وهمية في معركة كوفيد 19، ولم يتوقف عن الاستمرار في الإعلان إلا بعد أن عجز هو وإدارته عن السيطرة على الوباء الذي انتشر في الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ خطير ومتسارع، حيث أصاب وقتل الكثير من الأبرياء الذين لم يتمكن الساسة من حمايتهم.
الجدير بالذكر أن فيروس كورونا قد خلخل مكانة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة علمية فائقة، وأصاب اقتصادها بقوة حتى انهار بنسبة 33%، لكن الفيروس لم ينل من الولايات المتحدة كونها القوة العسكرية العالمية الأولى، لذا فقد شاهدنا كيف أن الساسة قد عملوا على إزاحة الأطباء والعلماء عن مراكزهم ومواقعهم ليتصدروا المشهد في معركة الجائحة راجين تحقيق انتصارات تزيد من رصيدهم، إلّا أنهم فوجؤوا بفقدان جزء كبير من رصيدهم أمام مواطنيهم والعالم وعلى رأس هؤلاء ترامب، وبوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، الذي أعلن أمام كاميرات وشاشات العالم “أنكم ستودعون أحباب كثر لكم”، وكذلك الرئيس البرازيلي بولسونارو، وغيرهم كثير.