بناء القصة وطبيعة السرد في “متاهة العشق”
ناقشت الندوة التي أُقيمت في فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب بعنوان “بناء القصة وطبيعة السرد في متاهة العشق” للقاص عوض سعود عوض بإدارة أيمن الحسن أهم النقاط التي تدور حولها المجموعة وسلّطت الضوء على أهم الجماليات والتقنيات السردية واللغوية والفنية فيها.
فلسفة
بداية تحدث د. عبد الكريم حسين عن المقولات الفلسفية الموجودة في المجموعة القصصية بالقول: ذكر القاص عوض في مجموعته فضاءات البوح وأنين القصائد، والروح التي تتجول في الجسد وتتفقده قبل أن تقرّر مصيرها، وغابة لدروب مفقودة جاءت من رحم الدمار الذي ولد الصبر والصمود ويهزم رسالة الغروب، وثرثرة الأطلال عندما تسقي الدموع الشقائق وأن الماضي غدا خلفنا، وعندما تغرد الأنوثة التي عبّر عنها بالمسافة أن ما بين تغريدة وأخرى هي كالمسافة بين جبلين، والذكريات ذات الممرات السرية ليست مرتبطة بالزمان والمكان والأنفاس والكلمات والمواقف التي تهب الفرح. والسحب لا تغسل الشجيرات من مياه البرك الآسنة، بل تمنح مزنها للوضوء والشراب والشجر والحجر إذا فاجأت امرأة بماضيها دعها لجوهرها.
حالة جذب
بدوره قال د. عبد الله الشاهر: احتوت مجموعة “متاهة العشق” على ست وعشرين قصة تتحدث عن حالات عشق تداخلت مع واقع اجتماعي اصطدم بالحرب على سورية في هذه الفترة، والغريب في هذه المجموعة أن جميع القصص التي عالجها القاص انتهت إلى فشل في العلاقة أو ضياع أو توهان. وأضاف: في البنية الفنية يداهم العنوان “متاهة العشق” ويأخذ المتلقي إلى عالم ربما فيه تداخلات عاطفية كحالة مشتركة بين الجميع ولا أحد يدّعي ملكيته، وقد مال القاص إلى الكتابة العفوية وترك نفسه يبوح بما لديه دون أن يتدخل كثيراً في الصنعة القصصية، لذلك جاءت أغلب قصص المجموعة على لسان أبطالها، وقد ركز كثيراً على أنوثة المرأة الجسد. كما قسم القاص قصصه إلى مشاهد في القصة الواحدة تراوحت بين الثلاثة والسبعة مشاهد باستثناء قصة “حبر لنرجس القلب”، وفي غالبية القصص أهمل القاص الزمان والمكان، وكأنه يريد أن يقول لنا هذه فانتازيا الروح التي التهبت في حركة الجسد لذلك نراه يتحرّر من المكان والزمان.
هناك سردية طويلة قد تضرّ ببناء القصة القصيرة في بعض قصص المجموعة وهذه السردية توصيفية غير متحركة، فجميع أبطال المجموعة من المقهورين، وتشعر أن الفرح بعيد عنهم حتى هذا الشاعر البائس الذي لم تفلح قصائده في كسب قلب أنثى، وهناك جماليات عالية المستوى في الوصف في قصة شمس واحدة لا تكفي، أنين القصائد، ثرثرة الإخلال، وذلك دليل أن القاص يمتلك مخزوناً لغوياً كبيراً وقد أحسن توظيفه. كذلك نرى تداخلاً واضحاً في المجموعة بين جسد الوطن والجسد الشخصي، وكأن القاص أفرغ هموم وطنه في هذه المتاهة من العشق، إذ يغلب على قصص المجموعة غياب الحوار ولا نلحظ في القصص سوى شخصية ساردة تتكفل بالكشف عن نفسيات الشخصيات وعن دوافع هذه الشخصيات وطباعها. إن القاص أجاد في إبراز قصصه بصورة واضحة، وأعتقد أنه استطاع أن يوصل الحدث للمتلقي لصدق العشق رغم المتاهة، والملمح الأبرز في هذه المجموعة هو الواقعية الجديدة التي تختلف وبلا شك عن الحقيقة، إنها اتجاه أدبي يلتقط أفكاره ونماذجه من حياة الناس وواقعهم ويعيد بناءها بفنية ورؤية القاص.
قيمة مضافة
كما تحدث أحمد علي هلال بالقول: تشي المتون النصية في المجموعة بالكثير مما يؤول إليه خطاب الشعرية، وهذا ما يعدّ قيمة مضافة للغة القص ومستوياته السردية في ثيمة كبرى هي العشق، مضافاً إليها متاهة بعينها ستتوالد عنها بالضرورة متاهات بعينها بوصفها البؤرة المشعة لما تفيض به النصوص القصصية التي تتفاوت عنواناتها مابين الكشف والتصريح والإبانة وما بين البنية الملغزة، لكنها تشي بشعريتها كأسلوبية تختصّ قيم السرد عند الكاتب، لغة القص تتناغم مع ثيمة العشق، تذهب إلى اصطفاء معادلاتها اللغوية وعبر مستويات تعكس خطاب الشخصية ولاسيما النسوية، الخطاب المتحرك في كل الأزمنة والجهات والذي تتصادم فيه مصائر إنسانية تحيا وسط الصراع.
وأضاف هلال: يميّز القصص عند القاص عوض أن خطاب البداية شكّل مرجعية للنصوص من بؤرة متخيلها، لتغذي مكوناتها السردية، وهذا ما يجعل هذه المكونات تنهض على أفعال المحايثة لتشي بمتعة خاصة، المقدمات المكثفة الغنية بتوهجها الحسي لتنجز مشهدياتها وتستثمر في دلالاتها، ليكون بناء الجملة السردية متطيراً إلى ميثاق اللغة وبعيداً عما تؤول له النهايات للنماذج النسوية التي شكلت بطولة إضافية للقصص. ويمكن القول إن تمظهرات الفضاء النصي جاءت متواشجة بشعرية اللغة، لكنها متطيرة من الحشو ومقتصدة ومفتوحة على احتمالاتها، ومستبطنة كثافة تختزن أسئلة ورؤى. وهكذا تؤول اللغة إلى منظوماتها الإشارية المخاتلة لتعيين مرجعها الواقعي، بإضافة أفق تخييلي له يمنح القصة ثراءً دلالياً ومستويات من بوح اللغة لتتضافر القصص بوصفها لوحات تقوم على دراما اللغة والحدث، ولكن آليات التشكيل السردي لا تكتفي بأن تجعل من النص مشهدية بوح مبررة بما يفعله العشق أو نقصه في ذوات الشخصيات، بل تذهب إلى استدعاء المصاحبة النصية لتشي ببلاغة الحالة، وهذا ممكنها التعضيدي/ التأويلي، والذي يرسمه الخطاب القصصي الذي ينزع إلى كليته بتكامل أجزائه، وفتح المجال لتراسل غير جنس في القصص.
جُمان بركات