جرمانا.. “كباش” بين الصرف الصحي والاتصالات وصراع إدارات ضحيته المواطن والخزينة!
ما بين أيدينا قضية يطرح كل ما ورد فيها الكثير من التساؤلات على مستويات عدة: مالية، واستثمارية، وتنفيذية، ورقابية، وإدارية، واستمرارها يعني مرضا عضالا، إن لم نستأصل أسبابه فلن يكون هناك شفاء أبداً، بل تراكم للمشكلات التي تثقل كاهل المواطن السوري يدفع ثمنها يومياً.
بنى تحتية خدمية تُصرف على مشاريعها مئات الملايين من الليرات، لكن نتائجها هدر للمال العام، وبالوقت نفسه استثمار فاشل، ومن يدفع الثمن في النهاية اثنان لا ثالث لهما: المواطن والخزينة العامة، فمن السبب؟ ولماذا يحدث هذا؟ ولماذا لا يتم الحل في الزمن المحدد؟!
البنى التحتية من خطوط الهاتف والنت، والصرف الصحي في مدينة جرمانا، هما الموضوع والحدث في هذه المادة، واقعهما يلخص ما يحدث ما بين جهاتنا العامة، وكيفية إدارة المشكلات ومعالجتها، وكم الثمن في الغبن والمظلومية التي تقع على المواطن في هذه المدينة، مع انقطاع للخدمة لأشهر رغم الشكاوى، وحتى المعلّقات من العرائض، والوفود التي زارت الجهات المعنية، ولكن لغاية الآن دون جدوى، فما يحدث؟ ولماذا؟ ومن المستفيد؟ نترك رد إدارتي الجهتين، ولكم الحكم.
واقع يندى له الجبين؟!
مدير اتصالات ريف دمشق المهندس حسين العويتي، في تصريح لـ “البعث” حول القضية، قال: الأمر يحتاج لجولة للوقوف على الواقع كما هو، إذ إن مشكلة الصرف الصحي في جرمانا شيء يندى له الجبين بكل معنى الكلمة، وغرف تمديدات للاتصالات يطوف الصرف الصحي عليها (موثقة بالصور)، مشيراً إلى أن هناك منطقة خلف مركز الهاتف وبجوار البلدية لا نستطيع منذ نحو 15 يوماً الاقتراب من غرفة تفتيش الكابل وتوصيلات الخطوط الهاتفية فيها بسبب امتلائها بمياه الصرف التي كلما تم شفطها تعود للامتلاء، ولاتزال موجودة على الواقع.
وتابع العويتي أنه تم إرسال كتاب لرئيس البلدية يشرح المشكلة، فما كان من رئيس البلدية إلا أن مزّق الكتاب ورماه بوجه موظف الاتصالات المكلّف بإيصال الكتاب على مرأى من الجميع، وبوجود شهود.. ما حدث تم إخبار المحافظة به، ولكن حين تحديد المحافظة للجنة التقصي والتحقيق في الموضوع كان رئيس البلدية مصاباً بالكورونا.
وحول تأكيد رئيس البلدية أن لا علاقة للبلدية والصرف الصحي بها، رد مدير اتصالات الريف بأن “المية تكذّب الغطاس”، كاشفاً عن طلبه لجنة من المحافظة برئاسة عامر خلف عضو المكتب التنفيذي المختص للوقوف على واقع الصرف الصحي بمدينة جرمانا.
مدير الاتصالات أكد أن المطلوب هو إبداء البلدية ورئيسها التعاون مع الاتصالات، علماً أن هذا عمل رئيس البلدية ومن ضمن مهامه أولاً وأخيراً. وحول حجة رئيس البلدية أن الاتصالات ترسل كتباً غير واضحة بالنسبة لغرف التفتيش التابعة للاتصالات تذكر فيها أرقام الغرف دون تسمية موقعها، أوضح مدير الاتصالات أنه لا يريد لرئيس البلدية أن يجتهد في تغيير ما هو متفق حوله أصولاً في مضمون الكتب، إذ إنه من المفترض وجود تلك الغرف ضمن المخططات البلدية وبالرموز والأرقام، مضيفاً أنه أوفد مندوباً – هو رئيس قسم الكوابل المسؤول عن الشبكة كلها في جرمانا – لرئيس البلدية كي يرسل معه أحداً من البلدية لمعاينة الواقع وتحديد المطلوب من كل جهة، وهذا جل ما طلبناه وهو التعاون سوياً لحل المشكلة.
مدير اتصالات الريف أكد أنهم يبقون في مركز هاتف جرمانا للساعة السابعة، لكنه عجز نتيجة للحال آنف الذكر عن إيجاد الحلول، وقال: تصور أنه في آخر مشروع للاتصالات نعمل عليه الواقع وراء منطقة كشكول، أتفاجأ وأنا هناك لوضع المشروع في الخدمة أن علب الكهرباء قد ركبت على علب الاتصالات، فأين رئيس البلدية المفترض به إخبارنا بوجود مشروع كهرباء؟ علماً أن هذا أقل واجباته، وحالياً لا نعرف كيف سنعالج هذه المشكلة التي سببها هذا الواقع البشع الذي يفرض نفسه كأمر واقع!
أما حول تجاوب المحافظة مع كتب الاتصالات بهذا الشأن، فبيّن أن هناك تجاوباً بكتب عدة، لكنه يرى أن الكتب لا تسمن ولا تغني من جوع. وبالنسبة لإمكانية وجود جهة تكون حكماً فيصلاً في القضية بين الوحدة الإدارية والاتصالات، أكد أن الأمر لا يحتاج ذلك لأن رئيس الوحدة الإدارية هو المسؤول، وعليه ينبغي أن نكون متفاهمين ومتعاونين لتقديم الخدمة الصحيحة للمواطن بما يليق.
وعندما نقلنا لرئيس اتصالات الريف ما يتهمون به من بيع للخطوط، وأن خلق مشكلة الصرف الصحي وتأثيرها على غرف تفتيش التوصيلات والكابلات وتوقف خطوط المشتركين ما هو إلا طريقة متبعة لما يُتهمون به، قال مؤكداً: دعونا الآن نحل مشكلة الشبكة، وإنهاء معاناة المواطن، وبعدها نحن جاهزون لكل مسألة، ولمحاسبة رقابية وغير رقابية، وفي أي موضوع، لافتاً إلى أن شروط تنفيذ مشاريع الطرق والبنى التحتية من اختصاص البلدية عقداً وتنفيذاً ومتابعة، مثلاً، على المتعهد أن يرفع غرف التفتيش على مستوى الزفت حين تنفيذ مشروع طرقي، ولكن هذا لم يتم، والواقع يشهد وبأم العين؟!
تشكيك واتهام؟!
رئيس بلدية جرمانا المهندس عمر سعد في اتصال معه عرض موضوع المشكلة فأكد أنه بالنسبة إليهم لا توجد مسؤولية تذكر، وأنه أبلغ محافظ الريف، وتم القيام بجولة استطلاعية على كل نقاط التفتيش التي تدعي الاتصالات أن سبب الأعطال فيها يرجع لفيضان الصرف الصحي عليها، فتبيّن أن تلك الغرف لا أغطية “ريكارات” عليها، ونتيجة لذلك فإن مياه الأمطار و”شطف” الشوارع وغيرها تدخل وتتسرب إليها، حتى إن تلك الغرف غير معزولة.
وأوضح رئيس البلدية أنه سبق لهم الاجتماع كمجلس مدينة مع مدير مركز الهاتف بجرمانا بناء على الكتب التي يرسلها للبلدية وتتهم الصرف الصحي بأنه سبب الأعطال، وكان قرار المجلس تكليف لجنة مع مندوب من قبل الاتصالات لإجراء معاينة لمناطق الصرف الصحي وغرف تفتيش الاتصالات المتضررة بسبب الصرف، حيث تم توجيه الهاتف لتغطية غرف التفتيش التابعة لهم، لأن قياساتها مخالفة لأغطية “ريكارات” الصرف التي لو كانت مماثلة لقامت البلدية بتغطيتها، وإضافة لذلك تم التوجيه بعزل غرف تفتيش الهاتف بشكل كامل.
ولفت سعد إلى أن الصرف الصحي عالمياً يكون تحت مستوى “الزفت” بمتر ونصف المتر، وعليه لا يمكن لمياه الصرف الصحي التسرب لغرف الهاتف إلا إذا كانت هناك مشكلة في تلك الغرف.
سؤالنا لرئيس البلدية بناء على ما تفضّل به: هل يعقل أن تتهم اتصالات الريف البلدية بالتقصير وعدم التجاوب هكذا؟! كان رده: اتهامها لنا لاعتقادها أن البلدية لن تتابع الموضوع لافتعال الأعطال والفواتير، وغيرها من القصص التي تتعلق بالمال العام، منوّهاً إلى أن مثل هذه “القصص” عندهم لا عندنا؟!
سعد بيّن أن مضامين الكتب للبلدية تكتفي بذكر أرقام الغرف لا مكانها وتوصيفها، ناهيكم عن عدم إرسال مندوب من قبلها، وعليه كيف يمكن لعمال البلدية معرفة موقع هذه الغرفة أو تلك؟!
وللتأكيد على أن مشروعات الاتصالات لا تنفذ كما يجب ووفق أنظمة البنى التحتية، أورد على سبيل المثال مشروع تعبيد شارع دف الصخر والمزارع، فعندما جاءت آليات الإنشاءات العسكرية لتعبيد وتسوية الطرق، كانت كابلات الهاتف مطمورة بعمق نحو 5 سم فقط، متسائلاً: أية مواصفات تلك التي لم تراع الحفر بعمق متر ونصف المتر، والردم بالرمال فوق الكابل الواجب وضعه بأنابيب بلاستيكية، (كله موثق بالصور، بحسب سعد، وتم إرساله للرقابة الداخلية في المحافظة)؟!
رئيس البلدية تساءل عن خلفيات اتهام الاتصالات للبلدية، هل ليحموا أنفسهم، مؤكداً اختلافه معهم أكثر من مرة، الأمر الذي دعاه لعدم قبول طلباتهم عن طريق البلدية، بل عن طريق المحافظة لتوثيق الرد، وختم سعد باتهام الاتصالات بافتعال الأعطال كل شهر بغاية بيع خطوط؟!
إلى متى؟!
ليس أخيراً نسأل أصحاب القرار، في ضوء هذا السجال “حامي الوطيس”: ما أنتم فاعلون؟ وهل يظل المواطنون في هذه المعمعة متخبطين ما بين جهتين مسؤولتين بيدهما الحل، لكن الحل معلّق بتفاهم وتعاون وتنسيق، أساسيات إدارة وعمل مازلنا ننتظر ترجمتها، يظلون هم الضحية، وفوقها يدفعون كل التكاليف مقابل لا شيء، علماً أن الكثير منهم أصبح “النت” عندهم وسيلة عمل واستثمار وعيش؟!
قسيم دحدل