تكريم الراحل عيسى أيوب بأمسية موسيقية غنائية في دار الأوبرا
كتب الشاعر الراحل عيسى أيوب للوطن والإنسان ولَقب نفسه “بمجنون الشام”، وبقي عاشقاً لسورية حتى اللحظات الأخيرة من حياته في نهاية عام 2001، نظم مئات القصائد بالشعر الفصيح، واشتُهر أكثر بالشعر المحكي، وكان له دور كبير في بناء عقول أطفال سورية وإغناء أفكارهم عبر أشعاره التي تمثلت قيم الحب والسلام والأمان والارتباط بالوطن والهوية، فتربوا وكبروا عليها في منظمة طلائع البعث، وفي عمله الإعلامي بالتلفزيون وفي كتاباته ومؤلفاته الشعرية والمسرحية.
عيسى أيوب، الذي منح بعد رحيله وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، كرّم عالمياً، ومع اقتراب ذكرى رحيله التاسعة عشرة تم تكريمه على مسرح دار الأوبرا بأمسية موسيقية غنائية أقامتها وزارة الثقافة –الهيئة العامة لدار الأسد، بالتعاون مع منظمة طلائع البعث، أحيتها الفرقة الوطنية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله مع الكورال ومشاركة سومر نجار عبد الله عطفة وجوقة ألوان بإشراف حسام الدين بريمو. وكان عيسى أيوب حاضراً بروحه وابتسامته ورنة صوته وهو يغني بالكلمات بصوته المنغم يتغزل بسورية وبحكايات ضيعته.
الراحل في فيلم وثائقي
استُهلت الأمسية بعرض فيلم توثيقي عن الراحل اختزل مسيرة حياته، الشاعر والمؤلف المسرحي إذ ولد في العاشر من آذار في الحواش ريف حمص عام 1946، وحصل على إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق، ومضى في طريق الشعر والمسرح والتأليف، فأصبح عضواً في قيادة منظمة طلائع البعث منذ تأسيسها 1974 إلى وفاته في نهاية عام 2001، وهو عضو اتحاد كتّاب العرب، وعضو اتحاد الصحفيين العرب، وعضو لجنة مهرجان الأغنية العربية، وعضو جمعية المؤلفين والملحنين الدولية، رئيس لجنة مراقبة النصوص للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، رئيس تحرير مجلة الطليعي لأطفال سورية منذ عام 1993، مؤلف برامج منوعة ومسلسلات إذاعية وتلفزيونية، كتب ألفين وخمسمئة أغنية لكبار المطربين العرب، وكتب أكثر من ألف ومئة أغنية وطنية، كما كتب أناشيد وملاحم غنائية للعديد من المنظمات والاتحادات، وحاز على الكثير من الجوائز المحلية والدولية، منها الجائزة العالمية لأغنية الطفل في إيطاليا.
حضور الوتريات
مع الغائب الحاضر عزفت الفرقة الوطنية للموسيقا العربية أجمل الألحان لكبار الملحنين الذين لحنوا أغنياته لأشهر مغني الوطن العربي وسورية بتشكيلة موسيقية بعد الإعداد والتوزيع الموسيقي الأوركسترالي وتوظيف البعد الهارموني بين الألحان الذي منحها جمالية أكبر، مؤلفة من مجموعة الوتريات والإيقاعيات المنوعة بحضور صولويات القانون والأكورديون والعود والبزق إضافة إلى الفواصل والتداخل الموسيقي.
وتحت شعار” تحية إلى الشاعر الراحل عيسى أيوب” بدأت الفرقة بأغنيته الشهيرة “ياطير سلم لي ع سورية” التي تشبه بانوراما جغرافية لكل جزء من تراب سورية برمزية إلى الوحدة الوطنية التي تنعم بها، فأضفت الألحان الحيوية الراقصة بجمل موسيقية صغيرة ومتوسطة سحراً على مفرداتها.
وتغيرت وتيرة الألحان مع غناء عبد الله عطفة أغنية “راحوا الغوالي يادنيا” التي غناها وديع الصافي فبدأت بمقدمة موسيقية حزينة مع نغمات العود وصوت عطفة، إلى مرافقة الفرقة والآهات “ياسفرهم كان بعزّ الليل”. وعلى وقع متتالية صور دمشق القديمة ونهر بردى غنى سومر نجار بصوته الطربي ثلاث أغنيات، بدأها “بتاخذني الأيام بتبعدني الأيام، لكن روحي بتبقى بتغني للشام” ألحان عبد الفتاح سكر وغناها الفنان المصري محمد عبد المطلب، ومع الأكورديون والقانون والعود وتوليفة الفرقة غنى يانهر الشام بمرافقة الألحان القوية والكورال التي غنتها سميرة سعيد، ثم “هيهي ياشام يا أم الضفاير” ألحان وغناء سمير حلمي، وجاءت القفلة متدرجة مع الكورال حتى السكون.
رسالة أطفال سورية
وعلى وقع صوت عيسى أيوب بقراءة قصيدته “يا بلادي خدي شادي” غنى أطفال جوقة ألوان بإشراف المايسترو حسام الدين بريمو هذه الأغنية من ألحان سهيل عرفة، التي حملت رسالة أطفال سورية إلى العالم، وأبدع أطفال جوقة لونا بالمقطع المؤثر “لا للجوع، لا للظلم، لا للقهر وللخوف، لا للجهل ولا للعنف يا أطفال العالم” وكون الأغنية حازت على جائزة عالمية لأغنية الطفل في مهرجان إيطاليا، غنى أطفال الجوقة مقطعاً باللغة الإيطالية.
وبألحان حماسية وعلى وقع ضربات التيمباني والطبول الكبيرة وتوليفة الفرقة ومتتالية الصور للجيش العربي السوري والعلم السوري الذي سيبقى مرفرفاً غنى الكورال “أنا سوري وأرضي عربية” كما عزفت الفرقة مقطوعتين للموسيقا الآلية من مؤلفات المايسترو عدنان فتح الله “لحظات وعاطفة” تحية إلى الشاعر أيوب.
وتحدث وضاح سواس ممثل منظمة طلائع البعث عن دور الفقيد الكبير الذي مارسه في منظمة طلائع البعث، وعن حضوره الدائم رغم الغياب في أشعاره التي كتبها للأطفال فقال: “مازلنا منذ سنوات ندرس بين أشعارك وقصائدك الملونة، ونحن لم نحمل في هذا التاريخ الورد والشمع والأدعية إلى ضريحك كي نمارس طقساً سنوياً ثم نغادر، أنت تريد قمحاً نزرعه بأيدينا، ونحصده بأكفنا، ومازلنا نحافظ في المنظمة على تقاليدك وقصصك وأفعالك، على حبك لأطفال الوطن”.
وبيّن المايسترو عدنان فتح الله في حديثه لـ”البعث” بأنه تم اختيار أعمال غنائية نظمها الشاعر عيسى أيوب بما تتناسب مع وضع الفرقة بإعداد وتوزيع أوركسترالي، إذ وزع الموسيقي مهدي المهدي أغلب الأعمال وشارك المايسترو كمال سكيكر بعملين، وعملنا على كتابة هارموني مناسب للأغنية بحيث نوظّف كل إمكانيات الفرقة لتقديم الأعمال من وجهة نظر جديدة، وغياب الناي والآلات النفخية والنحاسيات كان بسبب الوقاية الاحترازية من جائحة كورونا.
وسلمت د. لبانة مشوح وزيرة الثقافة ووضاح سواس عضو قيادة منظمة طلائع البعث والمايسترو أندريه معلولي المدير العام لدار الأسد درع تكريم وزارة الثقافة إلى زوجة الراحل “أم شادي” وابنه.
ملده شويكاني