رهانات أردوغان الفاشلة
علي اليوسف
السياسات التصعيدية التي ينتهجها نظام رجب طيب أردوغان ضد اليونان في شرقي المتوسط تشير إلى أن عملاً عسكرياً محتملاً قد يحصل في قادم الأيام، ومن المرجّح أن تحدث جملة من التطورات تؤدي لنزاع أوسع مع اليونان عبر قبرص.
لقد شكّل التدخل العسكري التركي في قبرص عام 1974 نقطة تحوّل إستراتيجية في علاقة تركيا مع اليونان، وعلى مرّ السنوات ساءت العلاقات أكثر من ذي قبل، وخاصة بعد محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016 واستقبال اليونان لعدد من قادة الانقلاب. بعد ذلك ارتفع منسوب التصريحات النارية من مسؤولي الطرفين، حيث طالب أردوغان بتعديل اتفاقية لوزان (1923)، تبعته تصريحات لرئيس الوزراء اليوناني بأن بلاده تنوي الدفاع عن مبادئها “بأي طريقة تختارها.. ولن تفرط بأي حبة من أراضيها”. وعلى ضوء هذه التطورات، اتخذت اليونان جملة إجراءات لتعزيز حضورها العسكري بإعلان وزير الدفاع أن رئيس الوزراء تسيبراس تحدث مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مرحباً بالمساعدة في بناء فرقاطات في اليونان.
العقبة الرئيسية أمام اليونان تتمثّل بتوفير الأموال في ظل أزمتها المالية الخانقة، وتراكم ديونها للاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، لكن مخزون الطاقة في بحر إيجة يوفر فرصة مثلى لليونان لزيادة دخلها وعلى نحو عاجل، مما قد يسرّع مرة أخرى في تبنيها خططاً لتحديث قواتها العسكرية. ما يعني أن الفصل المقبل في ثروات الطاقة مقبل على اصطفافات جديدة، ولاسيما أن المخزون الأكبر يقبع في أعماق مياه جزيرة قبرص، مما سيقلّص اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. من هنا فإن التقسيم القائم في قبرص سيضيف أبعاد الطاقة إلى الواقع السياسي المجزأ أيضاً، وينذر بتجدّد إشعال فتيل الحرب بين تركيا واليونان، على الرغم من التصريحات القبرصية التي تدعو للتهدئة.
من الواضح أن تركيا أردوغان تخطو نحو الإعداد لحرب مقبلة، لكن حتى الآن يبدو أن الرهان التركي غير مضمون النتائج لأسباب كثيرة أهمها الانقسامات الكبيرة داخل المؤسّسة العسكرية، ودخول عدد كبير من قياداتها السجون في فترات متلاحقة على خلفية الاتهام بالاشتراك في عملية الانقلاب الفاشلة، يضاف إلى ذلك فرار عدد آخر من القادة العسكريين وطلبهم اللجوء في اليونان وعدة دول أوروبية. وللدلالة، تشير تقديرات حلف الناتو إلى أن نحو 25% من مجموع طياري سلاح الجو التركي يرزحون في السجون، وهي نسبة لا يجوز الاستهانة بها. والأهم أن معادلة التوازن داخل حلف الناتو ستفرض على تركيا عاملاً إضافياً ينبغي أخذه بالحسبان، في ظل تردي علاقاتها مع معظم دول الحلف راهناً والتي قد تفعّل اتفاقية الحلف القاضية بنجدة دولة عضو تتعرّض للعدوان. فرنسا مثلاً أعربت عن اصطفافها مسبقاً إلى جانب اليونان، ويمكننا القول: إن بريطانيا والولايات المتحدة تسيران بموازاة الموقف الفرنسي، بينما أقدمت ألمانيا على فرض حظر على توريد السلاح لتركيا.
وفي هذه النقطة الحساسة، يجب ألا ننسى بعضاً من أدبيات المحافظين الجدد وبعض الليبراليين الذين يتطلّعون إلى تقسيم الأراضي التركية، ليس بالضرورة في المدى المنظور بل عبر تهيئة الظروف لاستنزاف تركيا. من البديهي أن قرار شنّ الحرب من أسهل الخيارات، لكن الفيصل في هذا القرار يكمن في تقليص الخسائر إلى الحدّ الأدنى وتوسيع مروحة الحلفاء وحشد جمهور الداخل، وهو ما يعتقد أن النظام التركي ليس مؤهلاً بالمغامرة بها جميعاً، بل يعتبر انتحاراً ذاتياً إن قرر المضي به، ففي خانة الحلفاء من العسير إدراج أي دولة لجانب تركيا في ظل خلافاتها التاريخية مع كافة جيرانها، روسيا والعراق وسورية وحتى إيران، فضلاً عن إرثها العثماني. فهل ستغامر تركيا بما راكمته من أعداء في كافة دول الجوار ودول حلف الناتو، وأعين مخطّطات التفكيك في انتظارها؟.