نوافذ 62
عبد الكريم النّاعم
على ورقة لا أذكر زمنها وجدتُ هذه الكتابة، قالت: “أأنت فَرِحٌ وسعيدٌ بي”؟ قلتُ بِوَلَهٍ وانْشداه: “نعم وألف نعَم”، /ضَاعَ الورد/” فقالت إذنْ فأنتَ تُبالِغُ في حبّك نفسَك”،../تساقطتْ أوراقُ الوردِ فانْكشَفْتْ/.
****
في ليْلٍ قَمَريٍّ يَطْفو على حُلُمٍ بُنّيٍّ فاتح اقترَبَ منّي، كنتُ قدْ فَرَكْتُ مابينَ راحتيّ بقوّة ،وَذَرَّيْتُهُ مَسْحوقاً كذَّرِّ الغُبار، نَفَضْتُ راحتيَّ مِمّا عَلِقَ بِهما منْ طَلْع، اقْتربَ منّي وقال: “ماذا فعلْت”؟
قلت: “فَركْتُ حُروفَ اسمِها حتّى صار ذُروراً مايكادُ يُرى وَبَعْثِرْتُها في الرّيح”.
قال: “وَلِمَ فعلتَ ذلك”؟
قلت: “هي لاترْغَب، وأنا لاأرغب، وهذا الشّرق الذي نحنُ فيه لايرغب، ولقد خِفْتُ أنْ يطّلعَ على اسمها من أحدِ شُقوق القلب جُلاّسٌ، في حالةِ سُكْر، أوْ تَلَصُّص، أو مُراقبة”.
قال: “إذا أَسْقطتَ الاسمَ فماذا تَفْعلُ حينَ يَجْتاحُك الوَجعُ، الوَجْدُ، وتَدعوكَ بُروجُ الصُّراخ”؟
قلت: “سأتحوّلُ إلى كَبْشٍ سماويّ، أهبطُ في ذلك اللّيل في أرضِ “بابل”، أعدو في فلَواتِها،.. أَجري بينَ خرائبِها،.. وأثغو ثُغاءً يُشبهُ الخُوار، فلا تَعرفُ حتى الريح شيئاً ممّا أقول”…
****
باشَقُ القرارِ في خاتَمِ خُنْصري الأيمن، قَدَمُ إرادتي في الأعلى الأعلى من ذلك الجَبَل، تَنَهَّدْتُ بِعمْقٍ وفرح فاخْتَرَقَ الهواءُ زُمْرةَ جَسَدي،/ مُهْرةٌ من أثير تَحُكُّ رقَبَتَها بأعشابِ روحي،/ سَأَخْلعُ الآن ثيابَ الخطيئةِ الفاغمة،/ بجناحينِ من حُبورٍ صَفًّقْت، غَسَلْتُ أوجاعي بالعين الحَمِئةِ العالية، مَسَحْتُ عَسَلَ اسمِها عن حِبالِ حنْجرتي.. فَزقا طائرُ الحنين، تَيَمَّمْتُ على نيّةِ الطّهور من وضوئي القديم بها، نَظَّفْتُ كَهْرمانَ الوجَع ممّا عَلِقَ به من شُواظِ المَناقيرِ وَبَرْدِ الدّساتين، على شِراعٍ من لَهَفٍ قائم بينَ الإبريق والطّين هَبطْتُ، كانَ صوتُ المؤذِّنِ يُعلِنُ عن وصولِ قافلةِ العِشاء، شمَمْتُ رائحةَ السّنابلِ الخضراءِ وَعَبَقَ الحليبِ أوّلَ خُروجهِ من الضّرع، تَلَبَّسَني جِنّيُّ الشّوق إليها فَخَرجْتُ في أزقّة المدينة القديمةِ أعدو على صَهْوةٍ من بُكاء، آآآهٍ أيّتُها الرّخيمةُ في مفاتيح الجسد.
****
الشّرابُ. كوكَب،/ بيني وَبينها مَجَرّاتٌ من أزاهير، كُنّا مُمَوَّهيْنِ لِدرجةِ الخَفاء، فَراشاتٌ مِن عَبَق وَوَجَعٍ جليل تطيرُ في مَواكبِ روحي، العالَمُ رئتان.. عَبَقَتْ.. تَنَفَّسْتُ بِوَلَه،/.شَمَمْتُ بِعُمْق،/..بالغْتُ حَدَّ السَّرَف آنَ فَتَحْتُ ذراعيَّ كانَ العِطرُ قد انتهى، فَلَمْ أَجدْها،/ سامحيني ياحبيبتي، لم أكنْ أعلَمُ أنّي سآتي على آخر قَطْرةٍ منك.. لم أكنْ أعلم،.. لم أكنْ../لمْ../ وها أنا على بوّاباتِ الوجَعِ الجليلِ أتحوّلُ إلى قُربَةٍ من دواخينِ الكلام.
****
أقولُ له:” خَلِّ أقداحَ عمري طافِحةً بِخمرِ أعراسِك” يقول لي: “كيف”؟ أقول: “لِيكنْ استيلاؤكَ على قلبي أشدَّ ما يكون يااللّه”.
****
الهندسَةُ تقول: “أقربُ الطّرقِ بينَ مسافتينِ هو المُسْتقيم”.
الحُبُّ يقول: “أقْصَرُ الطُّرق هي الطُّرُقُ المُؤنِسة”.
****
اللّوحَةُ رائعة، ثَمّةَ تفاصيل لا تُرى إلاّ بعينٍ من الإحاطةِ، والاندغام.. ألوان،..أوتار، خُضْرة،..أُفُق،.. كَوْكَبٌ يَنْهَض،/ اقتَرَبَ،.. غَمامَةٌ من ضبابٍ لمْ تكنْ قبلَ خُطْوتين! اقترب،.. مَساحةٌ من دُخانٍ رماديّ،/ اقتَرَب..، غابَ في اللّوحة، لم يَعُدْ يَرى، نَدَهْتُهُ بصوتٍ عالٍ عليه رَشَّةُ خوف، تَشَبَّثَ بالهواء،/ -“مابك”؟!–” “-خائفٌ من سُقوطِ الإطار”..
****
حينَ ظَنَنْتُ أنّي اجْتزْتُ معابرَ اللّهَف، صَبَّحَتْني شَجَرةٌ حانيَةٌ، تَدَلَّتْ من أفُقِ الرّغبةِ فوقَ غديرِ القلب، قال لي حارِسُ البَرازخ: “الآنَ تَخْتار، (هاجسَك) أو امْرأةً تَحبّ”؟
طالَ وقوفي على صراطِ القرار، العقْلُ دليل، النّفسُ اشْتهاء، جاذبيّةٌ جَنَّاتيّة.. تَتَماهى مع تَقاطُعِ (دِرَكات) عميقةٍ أَخَذَتْني،.. خَرَجَ طائرٌ من صدري وزَقا على أوّلِ غُصْنٍ في فمي،/ يطولُ الوقوفُ على الصّراط،
-“يا… إِخْلعْ نَعْليْك”.
جاءَ في تَفسير (ابنِ لَهْبان):” اخلع حُبَّ امْرأتِكَ،.. حبيبتكَ،.. صديقَك”.
-“أيُها الحارسُ أَسْتحْلِفُكَ بأشجارِ الحَوْر السّامِقةِ في القُدودِ الطّاغية.. دُلَّني كيفَ أَخْرُج”.
وقفَ الحارس على بوّابة قلبي وقال: “أُنظُر في هذه المِرآة”، وأشارَ إلى الجبال والبحارِ، والغاباتِ والسماء، نظَرْتُ، وَجَدْتُني بَرْزَخاً يَتَمَدَّدُ على طريقِ خارطةٍ تَطووووول.
aaalnaem@gmail.com