أقـل ما يقـال.. “التـوجه شــرقاً”.. صدى بلا واقـع..!
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
لم نلمس ذلك الأثر المتوقع لمبدأ التوسع شرقاً، الذي اعتمدته الحكومة منذ العام 2011، على الاقتصاد الوطني، وتحديداً لجهة الإنتاج، وما كان معوّلاً عليه لتوطين مشاريع استثمارية وتقنيات حديثة كفيلة بتوسيع دائرة الاعتماد على الذات “صناعياً”، إذ لا يزال السعي في مسار التعاطي مع هذا المبدأ يخطو متثاقلاً “عملياً”، عكس ما يسوق له “نظرياً” في الاجتماعات الرسمية والمحافل الاقتصادية..!
إمكانيات الدول الصديقة وخبرتها الاقتصادية ليست بالقليلة، ولا نعتقد أنها تبخل اقتصادياً على من دعمته سياسياً في أحلك الظروف، ما يثير التساؤلات حول جدية الجانب السوري، ممثلاً بالفريق الاقتصادي وبقطاع الأعمال، بتعزيز التعاون مع الأصدقاء..!
فإذا ما سلمنا بأن الحكومة اجتهدت، إلى حد ما، برسم أفق التواصل مع الدول الصديقة عبر اتفاقيات ومذكرات تفاهم اقتصادية، نجد أن قطاع الأعمال لم ينخرط – عبر مجالس الأعمال المشتركة – بهذا السياق إلا بالحدود الدنيا، مع الإشارة هنا إلى أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية اجتهدت باتجاه تفعيل مجالس الأعمال على اعتبار أنها ذراع كفيل بتسهيل العلاقات الاقتصادية مع الدول النظيرة وإعطائها زخماً أكبر، وحاولت الاستفادة مما اكتنف هذه المجالس – التي وصل عددها، عام 2009، إلى 69 مجلساً – من تجاوزات، وما انتابها من خلل انعكس على أدائها، إذ كانت هذه المجالس أقرب إلى “بريستيج” منها إلى عمل تجاري حقيقي، وكانت تروج لأشخاص بعينهم، بدلاً عن الترويج للمنتجات السورية.
الآن – وللأسف – وبعد أن تم حل هذه المجالس، ولم يبق منها سوى ستة مشتركة، مع روسيا وإيران والصين وبيلاروسيا وأوكرانيا وأرمينيا، تم تشكيلها عام 2014، لم نلحظ أي دور لافت لهذه المجالس، علماً أن الوزارة طلبت منها – أي المجالس – وضع منهج عمل منظم من قبلها، وبالتنسيق مع الوزارة، لتحقيق الفائدة المرجوة التي كان من المفترض الاشتغال عليها من قبل مجالس الأعمال، كتحديد المواد المراد تصديرها واستيرادها من وإلى الدول النظيرة، وتحديد الشركات التي سيتم التعامل معها من قبل البلدين، والاتفاق على طريقة الشحن، وشهادات الجودة، وطرق التخليص وغيرها، والأهم من ذلك تحديد ما نستطيع تصديره بالفعل من ناحية الجودة المناسبة وما يناسب النظراء..!
وإذا ما خضنا في بعض التفاصيل المفترض أن تفضي عن نتائح ملموسة، فقد تركز العمل الحكومي، ممثلاً بوزارة الاقتصاد، مع الجانب الروسي على تشكيل مجلس أعمال روسي سوري من الجانب الروسي، أي أن هناك طرفاً آخر يتم التعاون والعمل معه كشريك، وقد أبدى رجال الأعمال الروس وقتها رغبة في هذا الاتجاه، إضافة إلى تعزيز التصدير إلى روسيا.
أما مع إيران فإن العمل الحكومي اتجه إلى مقاربة القيود الفنية الإيرانية مع ما هو موجود في سورية، على اعتبار أن هناك شروطاً صعبة لدخول بعض المنتجات إلى إيران، كما تم طرح وجود شركة للرقابة ضامنة للطرفين، إلى جانب إيجاد حلول لموضوع النقل.
وفيما يخص الصين، كان هناك محاولات للعمل على إحداث خط طيران مباشر بين الصين وسورية، كون حجم التجار السوريين الذي يسافرون إلى الصين هائل، وكلهم يسافرون عن طريق مقاطع طيران عبر دول أخرى.
أما مع بيلاروسيا، فقد تم العمل على عدة نقاط في مجالات زراعية، والاستفادة منها/ لاسيما لجهة الخبرات، والتجهيزات، والتعاون في مجال الصناعات الدوائية، إلى جانب نظام الأفضليات بالنسبة لتخفيض الرسوم الجمركية للمنتجات السورية، واعتماد الأسعار التأشيرة التي وضعتها وزارة الاقتصاد للمنتجات السورية القابلة للتصدير، في حين يتم العمل مع أوكرانيا على الشق التصديري.
وبالنسبة لأرمينيا، ذلك البلد المهم رغم صغر حجمه، فلديه تكنولوجيات يمكن الاستفادة منها، ولدينا مواد سورية تلقى رواجاً في السوق الأرمينية، إضافة إلى العمل باتجاه إقامة معرض دائم للمنتجات السورية في العاصمة يرفان.
لاشك أن أهم القيود التي تعيق عمل المجالس تتمثل بعدم وجود خطوط نقل مباشرة، بالإضافة إلى صعوبات تحويل الأموال بسبب العقوبات المفروضة على سورية، إلى جانب طبيعة اقتصاديات هذه الدول والقوانين والتشريعات ذات الصلة بالعمل التجاري والاقتصادي فيها، لكن الوزارة وجهت بضرورة تكثيف التواصل مع الشركات الراغبة لدى هذه الدول بتأسيس شركات نقل مشتركة مع الجانب السوري لأغراض تجارية، كما تم التباحث في الآليات المتاحة لتأمين التسهيلات المصرفية اللازمة للعمليات التجارية والاستثمارية..!
ورغم أن الوزارة تبدي دائماً استعدادها لتقديم أية مساعدة ممكنة لهذه المجالس لتطوير أدائها، إلا أن الأخيرة لم تكن على قدر المسؤولية، مع إقرارنا باحتمالية عدم تنفيذ الوزارة لوعودها المرتبط تنفيذها بما يتوجب على مجالس الأعمال اتخاذه من خطوات في هذا المجال.