حسن عكلا يستعد لتقديم “رقصة الموت الأخيرة”: لا أحد يملك صك البراءة!
لم تكن مسرحية “رقصة الموت الأخيرة” إخراج حسن عكلا والتي ستبدأ عروضها ابتداء من 16 أيلول الجاري على خشبة مسرح القباني إلا نتاج محاولات لتقديمها في فترة سابقة مع الفنانين سليم صبري وفيلدا سمور والراحل عبد الرحمن أبو القاسم، إلا أن وباء كورونا أوقف بروفاتها وحين أصبحت الظروف ملائمة للعودة إلى المسرح كان أبو القاسم قد رحلَ، في حين ارتبط الفنان سليم صبري والفنانة فيلدا سمور بأعمال تلفزيونية لتكون الخيارات النهائية للمخرج عكلا بالنسبة للممثلين هي: غسان الدبس وراميا زيتوني، في حين يجسد المخرج عكلا إحدى الشخصيات فيها.
جديلة بثلاثة أبعاد
يبيّن حسن عكلا في حواره مع “البعث” أن “رقصة الموت الأخيرة” نص مسرحي كتبه أوغست سترندبرغ ثم أعاد دورنمات كتابته عام 1968 رغبة منه في نقله للمخرجين، حيث اشتغل عليه وقدّمه إلى العالم في أواسط القرن العشرين تحت عنوان “تعالوا نمثل سترندبرغ” وترجمه الراحل سعيد حورانية الذي أخبر المخرج عكلا قبل أن ينتهي من ترجمته بأنه لا يمكن أن يُقدم على تقديم هذا النص على خشبة المسرح إلا عكلا الذي أرسل له حورانية نسخة من النص مترجماً عام 1991 فقام بإخراجه ليُقَدّم العرض حينها في حمص، موضحاً أن من سيشاهد “رقصة الموت الأخيرة” حين عرضها سيكتشف أنه كمخرج قام بضفر جديلة بثلاثة أبعاد، عناصرها الأساسية: نص أوغست سترندبرغ ودرونمات وهو كمخرج صاغ النص ليس ككاتب مسرحي وإنما ضمن رؤية إخراجية. من هنا لا يمكن لعكلا أن يسمّي النص الذي أنجزه اقتباساً أو إعداداً أو تأليفاً، بل توليفاً، منوهاً بأن المعالجة الدرامية الجديدة التي قام بها كانت الغاية منها المتلقي لتكون المرسلات الفنية على الخشبة مناسبة لظروفه اليوم بحيث لا تُقَدّم الدراما المسرحية بالصخب والفجاجة والمباشرة، بل عبر إحالات ميسّرة وسلسة دون أن تخرجَ عن طبيعتها الدرامية، ولم يفعل عكلا ذلك لعدم ثقته بتواصل المتلقي معه بل لأنه يريد أن يأخذ بعين الاعتبار الوضع الظرفي له الآن، لذلك أجرى بعض التعديلات على النص مع الاحتفاظ بذات الفكرة من خلال تكثيف الحوار درامياً باعتماد الاقتصاد اللغوي وعدم الإطالة في الحوارات، ليكون عرضاً رشيقاً دون أن يؤثر ذلك على البنية الداخلية وجوهر العرض.
اعترافات أمام الجمهور
وكمخرج قدّم حسن عكلا نص “رقصة الموت الأخيرة” ضمن رؤية فنية مشروطة، بمعنى أن الدراما المسرحية في “رقصة الموت الأخيرة” برأيه هي التي استدعت الشكل الفني الذي اعتمده والذي يدخل ضمن فن الأسلبة، أي اشتراط أسلوب يخصّ المادة ذاتها، وهو ليس أسلوبه الشخصي أو أسلوب أحد ما لكنه أسلوب مشروط بالمادة نفسها التي تستدعي هذه الطريقة أو تلك. من هنا فإن المسرحية فنياً لا تنتمي إلى الأسلوب الملحمي أو الواقعي.. إنها أمثولة مسرحية اشتغل عليها ممثلون لتظهير خطابها الداخلي. وأشار عكلا إلى أن فن الأسلبة هو الاشتغال على السلاسة حيث لا ثرثرة في الحركة والحوار ووضع كل العناصر المسرحية في خانة وظائفها الدرامية لتتوارى خلف دوافعها الفكرية، مبيناً أنه لم يغرّب النص كثيراً ولم يقرّبه، لذلك جاء في مكان ما يخصّ الجميع، وهذا أمر ليس بالسهل، مدركاً في الوقت ذاته أن الجميع لن يتفقوا على العرض، لكن وبالمقابل هو متأكد بأن العرض سيقول كلمته وهو عرض مسرحي سيبرّر نفسه وسيحترمه الجمهور وسيتعامل معه بجدية واحترام، انطلاقاً من إيمانه بأنه لم يخذل جمهوره ومن معه في يوم من الأيام، منوهاً بأن فن الأسلبة في هذا العرض كان اعتماده أيضاً الفضاء المكشوف والشخصية التي تفصح عن نفسها ودوافعها، حيث لم تكن هناك هواجس أو محاذير وقد انطلق الجميع في المسرحية من لعبة تحمل يقينها وبراعتها ومشروعيتها ومنجزها.
رسالة أخلاقية وإنسانية
يؤكد حسن عكلا أن اختياره لهذه المسرحية كان له دوافعه وأسبابه وله منطقه الذي يحمي مشروعية ضرورته، فالمسرحية تريد أن تلقي في وعي المُشاهد أن لا أحد أبداً يخلو من مسؤولية اتجاه الكارثة، فالجميع جزء من هذا الذي يحدث والذي نعانيه (لا أحد منا يملك براءته مما يحدث الآن)، وبالتالي تحمل المسرحية رسالة أخلاقية وإنسانية لإعادة النظر والقيام بمواجهة ذاتية لنقول أمام الكارثة نحن أيضاً لم نكن كما ينبغي، وليرى المتلقي أنه يعيش ظرفه الحالي بموجب ما يحدث على الخشبة، وأن ما يعيشه ما هو إلا نتاج له وليقول الفنانون المشاركون: “لو أننا لم نكن كما كنّا على الخشبة لما كنّا كما نحن”، إذن هي رسالة مواجهة وصراحة بين المشاركين في العرض والجمهور. ويؤكد عكلا أن هذا العرض هو امتحان كبير لأن النص معروف بثقله، وأن الجميع اجتهد كثيراً لتقديم هذا العرض انطلاقاً من متطلباته.
من النوع الثقيل
يعترف حسن عكلا أنه لم يستطع في “رقصة الموت الأخيرة” أن يمارس التجريب لأن ذلك ليس متاحاً اليوم كما كان متاحاً في العرض السابق لهذه المسرحية في حمص، والتي كان فيها حالة تجريب عالٍ وتابعها الجمهور باهتمام كبير، موضحاً أنه لم يستطع اليوم أن يمارس التجريب مع جمهور يعيش ظروفاً ليست مريحة وليس بإمكانه أن يقف أمام فكرة اختبارية لاستنباط أفكار غير معروفة ليناقشها أو ليفكّك رموزها، مشيراً إلى أن “رقصة الموت الأخيرة” عرض مسرحي بكل المقاييس يراعي موجودات المسرح بالكامل وهو عرض من النوع الثقيل مراهناً فيه على إدراك المتلقي وقدرته على التواصل، وهو الذي بكل تجاربه كان يضع المتلقي في أولوياته وأهدافه، ويثق دائماً أنه مهما اشتغل بجدية وعلى نصوص ثقيلة سيستقبلها بكل مرسلاته البعيدة، مؤكداً أن عرض “رقصة الموت الأخيرة” يستلزم تأملاً واستقبالاً فكرياً معيناً، لكن ومن أجل تحقيق تواصل كبير بينه وبين الجمهور عمل عكلا على تبسيط المفردات الإيصالية، مع التأكيد على سلاسة الحوار ورشاقة الحركة والرتم السريع الخاطف المتناوب، إضافة إلى بناء الالتباس بين اللحظة التي تعيشها الشخصية أو التي تمثلها بناءً قوياً بحيث لا يلتبس الأمر على المشاهدين وستبدو هذه المقاطع مفهومة وواضحة.
أمينة عباس