عزة حيدر ترسم بالماء الملون
ترسم الفنانة التشكيلية عزة حيدر معزولة في مكانها البعيد عن المدينة والناس، ترسم شتاء مر على سهول واسعة غلفها الصمت والسكينة في صباح مندى بالضباب، تتشكل لوحتها الأثيرة على هيئة أنثى من طبيعة بسيطة تؤلفها السماء وبضع شجيرات صافنات في الأفق وهواء لم يتنفسه سوى ذاتها المعتزلة بمشاعرها وعذوبة عاطفتها تنساب رقيقة مع ماء ينسكب على سطح لوحتها متسللا مسامات الورق المقوى، يلونها بريشة طائر أوقعه المطر والبرد والعزلة.. فراغ ملون بالوحدة والهدوء.. ما أوسع لوحتها وما أصغر الإطار!.
تشارك التشكيلية عزة حيدر حاليا في فعاليات ملتقى التصوير الزيتي “سورية جسر المحبة” المقام في رحاب المتحف الوطني بدمشق، وقد سبق وأن أقامت معرضها الفردي في العام قبل الفائت في صالة جورج كامل في دمشق وسبقه مجموعة من المشاركات الجماعية والفردية ميزتها كتجربة مختلفة عن التجارب الشابة ومتخصصة في اللوحة المائية المنفذة على الكرتون وضمن مجموعة لونية محددة الدرجات، وقد نال معرضها الأخير الإعجاب ولفت الانتباه إلى فنانة واعدة تحمل الجديد في رافد التشكيل السوري الآن.
وتتابع الفنانة تأكيد حضورها من خلال ما تقدمه في هذا الملتقى إذ عبرت عن هواجسها كفنانة تسعى إلى تطوير تجربتها نحو تحقيق منتج بصري يعادل ما يشغل العميق من ذاتها التي تطمئن للسكينة والهدوء فهي تستخدم الألوان الرمادية المائلة للزرقة وتبالغ في الألوان الحيادية واستخدام التونات المنخفضة التأثير حيث تستعين بما تحققه صدفة الألوان المائية دون تدخل اليد المباشر أو الريشة إلا ماندر، أو حين تقتضي هيئة الشكل المحدد في المشهد الذي لا يتعدى تصوير الطبيعة والمدى في المنظر الطبيعي دون الانشغال في التفاصيل الصغيرة من العناصر بل تكتفي بما يحققه اللون المنتشر مع الماء من حساسيات قلما تنتجها القصدية والفعل الواعي، فهنا مكان تجلي العاطفة في متابعة ملامح غير متوقعة مشكلة على السطح بفعل التأثير والتلقائية ليتدخل الواعي من الفنان بحساسية الخبير لإنضاج معنى محتمل أو قصدية ولدت للتو.
شجيرات ترسمها الفنانة عزة بقلب طفل وسماء تتسع لعصافير مخبأة تحت قميص من العزلة والترقب للأمل.. فنانة ذات صيرورة نقية ومجتهدة تعمل بصمت.. هكذا الفن يقع مثل غيمة على كف العارفين.
أكسم طلاع