سيناريوهان بانتظار العالم في الأيام القادمة
ترجمة: إبراهيم أحمد
عن مجلة لونوفيل اوبسرفاتور
يرى فرانسوا هيسبورغ، اختصاصي الجغرافيا السياسية ومستشار مؤسّسة البحوث الإستراتيجية، أن هناك سيناريوهين للقادم من الأيام، حسب تطور جائحة كورونا (كوفيد-19) ومدى القدرة على السيطرة عليها، وهما على كل حال ليسا بالجيدين:
السيناريو الأكثر ملاءمة
يقوم هذا السيناريو على أن العالم لديه جميع الاختبارات الممكنة، ويمكنه تطوير إجراءات حجر منطقية، وسيتوفر لديه لقاح فعّال في غضون عام، على سبيل المثال، فما الذي سيحدث في هذه الأثناء؟. أول ما يجب فعله في هذه الحالة هو الحفاظ على الوضع حتى نيسان 2021، وفي تلك الأثناء يُرفع الحجر تدريجياً في كل مكان من أوروبا، ولكن بمعدلات وأوقات مختلفة. وإذا لم ينسق الأوروبيون بشكل جيد وعلى الفور، فهناك احتمال قويّ بحدوث توتر شديد بين الدول الأوروبية نفسها. وينبّه الكاتب إلى ما يحدث في آسيا، حيث يشدّد الكوريون الجنوبيون واليابانيون إغلاق حدودهم أكثر فأكثر، في الوقت الذي يخفّفون فيه من الحجر على مواطنيهم، ويقومون بفحص أي قادم يدخل بلادهم ويضعونه في الحجر عند الاشتباه في حمله للفيروس. ويرى أن لا شيء يمنع أوروبا من اتخاذ تدابير مماثلة مع القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي، ولكن تبقى مشكلة كيفية التصرف مع التنقل داخل الاتحاد. وما دامت هناك خشية من عودة كورونا، فسيكون الاتجاه العام هو انغلاق الدول على نفسها، ولكن كيف يمكن للاتحاد الأوروبي في ظلّ هذه الظروف، إدارة ما بعد الحجر، يتساءل الكاتب؟، مشيراً إلى أن وثيقة طبية معتمدة من قبل الأعضاء الـ27 ستكون ضرورية في هذه الحالة.
من الناحية الاقتصادية
من المحتمل أن تشهد أوروبا انخفاضاً بنسبة 15 أو 20% في ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2020، وبالتالي سيكون من الضروري إقامة اقتصاد مجتمعي موجّه، كما كانت الحال في الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي، أيام الرئيس ثيودور روزفلت. وستكون المفوضية الأوروبية قادرة على القيام بذلك بشكل جيد إذا ما تخلّت الحكومات عن الأفكار والسياسات السابقة وطلبت من المفوضية ذلك، أما إذا رُفع الحجر الصحي في وضع فوضوي، فقد تحدث موجة من الكراهية داخل الاتحاد الأوروبي، حسب الكاتب.
من الناحية الجيوسياسية
يرى الكاتب أن الولايات المتحدة ستكون آخر دولة كبيرة تتخلّص من موجة كوفيد-19 مع معدل وفيات مرتفع للغاية مساوٍ لمعدل إيطاليا، وسوف تخرج مدّمرة اقتصادياً، ولكنها قد تفعل أفضل مما سيفعله الآخرون، إذا استطاعت أن تحشد طاقاتها كما فعلت بطريقة استثنائية خلال الحرب العالمية الثانية. ولكن، بالنظر إلى قدرة الرئيس الحالي دونالد ترامب على تغذية مفاهيم الفرقة داخل البلاد، فإن الأميركيين معرّضون لخطر الانقسام الداخلي كما حدث أثناء الحرب الأهلية أو حرب فيتنام.
ومن المفارقات -حسب الكاتب- أن أفريقيا قد لا تعاني الكثير من كوفيد-19 من وجهة نظر طبية، بالنظر إلى بنيتها الديموغرافية التي يهيمن عليها الشباب إلى حدّ كبير، ولكن الأزمة الاقتصادية ستكون كارثية عليها. ومن الواضح –كما يرى الكاتب- أن البلدان المصدّرة للنفط ستعاني الكثير بسبب انخفاض أسعار المحروقات تبعاً لانخفاض الطلب العالمي ونشوب حرب أسعار غير مفهومة، تقوم السعودية خلالها برفع إنتاجها لدرجة أنه لن يوجد مكان لتخزين النفط. ومع ذلك، فإن دول الخليج وروسيا لديها احتياطيات مالية كبيرة تمكّنها من مواجهة أزمة خطيرة لعدة أشهر دون خوف على الاستقرار في داخلها. ويبدو هذا السيناريو الأول شبيهاً إلى حدّ كبير بفترة الثلاثينيات من القرن الماضي، وستشهد هذه الفترة بطالة كبيرة وسرعة في تفكيك العولمة، بحيث لا أحد يريد أن يعتمد على الآخرين في المنتجات الإستراتيجية، مما ينتج عنه تباطؤ كبير في التجارة البحرية التي تمثّل الجزء الأكبر من التجارة العالمية، ولكن الديمقراطيات بشكل عام سوف تستمر والاتحاد الأوروبي كذلك.
السيناريو الكارثي
يقوم هذا السيناريو على أن العالم تأخّر في إنتاج لقاح للفيروس، وهو أمر مقلق، مع العلم أنه لا يوجد لقاح للإيدز حتى الآن، بعد 40 عاماً من تفشي الوباء، ومع العلم أن المعلومات لا تزال شحيحة حول هذا النوع الجديد من فيروسات كورونا. ومع هذا الاحتمال سيكون الناس في عالم غير معروف تماماً، لا يشبه فترة ثلاثينيات القرن الماضي، ولكن يشبه إلى حدّ ما القرن الرابع عشر الميلادي في زمن العصور الوسطى، حيث يقتل الفيروس الكثير من الناس، وخاصة إذا تحوّر، فكيف إذن سيتعايش الناس مع الأوبئة المتكررة؟.
في ضوء المعطيات، يرى الكاتب أن البشر سيتكيّفون مع الأوبئة، كما فعلوا ذلك من قبل مع الطاعون حتى القرن الثامن عشر، حيث تعلّموا كيفية التعايش معه، وأشار إلى أن هذه الأوبئة المتكررة لن تمنع الحروب، مع أنها قد يكون لها بعض الجوانب الجيدة، حسب تعبيره. وختم الكاتب بأن الطاعون الكبير الذي قتل ثلث سكان العالم، أعقبته فترة رخاء وجد فيها الناس ما يكفي من الطعام، ووجدت الزراعة ما كانت تفتقر إليه من السواعد بسبب ارتفاع أجور العمال، وكذلك لم يمنع الطاعون من ظهور عصر النهضة. وخلص الكاتب إلى القول: إن هذا السيناريو المظلم، يدعو إلى التساؤل بالنسبة لمن يتمسّك بالتفاؤل “ما هو جوهر النهضة الجديدة المرتقبة؟”.