الحالة الاقتصادية للمواطن بين يدي من..؟
تشهد الحالة الاقتصادية العامة في البلاد، تراجعاً بل تدهوراً متتابعاً منذ بدء الحرب على بلدنا، وتفاقم الأمر لدرجة كبيرة خلال الأشهر الأخيرة، والأفق القادم يوحي بالتخوف من الأسوأ.
هذا التدهور لم يشمل المستهلكين فقط، كما يروِّج البعض، بل شمل المُنتِجين بأنواعهم، السلع والخدمات، فمُنتِج السلعة أكان مزارعاً أم صناعياً أو حرفياً، يعاني من ارتفاع الأسعار المتتابع لمدخلات إنتاجه النهائية والوسيطة، وخاصة ما كان منها مستورداً، بل يعاني من تذبذبٍ، كثيراً ما يكون مرهقاً ومخيفاً، بخصوص حيثيات توفرها النوعي والكمّي والزماني والمكاني، عدا معاناته اللاحقة أيضاً بخصوص تذبذب قدراته انخفاضاً، على إنتاج الكمية والنوعية في الزمان والمكان المتناسبين مع حاجة السوق الداخلية، وقدرات المتسوّقين على تسوقها، ومنافسة السلع المستوردة أو المهرّبة لها، بما يؤمّن له الدخل المعتاد أو المواكب، لمتطلبات إنتاجه وإنفاقه المتزايدة، بسبب ضعف القوة الشرائية عند من اعتادوا تسوُّقها، ويعاني أيضاً من ضعف تسويقها الخارجي، أكان بسبب منع التصدير بحجة حاجة السوق الداخلية، أو عدم إمكانية التصدير، بسبب قصور المصدّرين أو المنافسة الخارجية بسبب الحصار والحرب الاقتصادية، ناهيك عن أعداد المنتجين الكثُر الذين خرجوا من ميدان الإنتاج بسبب فقدانهم الحالة الآمنة للعمل، أو بسبب تدمير أو سرقة منشآتهم، كل ذلك تسبّب بخروج آلاف المنتجين في شتى فروع الإنتاج، والذي أسفر بدوره عن خروج عشرات آلاف العاملين الذين كانوا معهم في كامل الحلقات، والأمثلة على ذلك كثيرة، ولعلَّ المثال الأقرب هم مربو الثروة الحيوانية والدواجن.
والخطر الكبير يتجلّى بضعف أو عدم رغبة الكثير من المنتجين –ولأكثر من سبب- بالعودة لتشغيل مراكز إنتاجهم، وضعف قدرة منتجين جدد على الدخول في ميدان الإنتاج، نظراً للارتفاع الكبير في تكلفة إحداث مراكز جديدة، ولجوء أعداد غير قليلة من مالكي الأموال لتشغيلها في مجالات لا علاقة لها بالإنتاج السلعي، أو الرحيل بها خارج القطر على غرار من سبقهم من رجال الأعمال القدامى.
أيضاً شمل هذا التدهور منتجي الخدمات العادية والمهنية، فالارتفاع المتصاعد لأسعار جميع متطلبات خدمة المنتج وارتفاع حجم نفقات معيشته، دفعه لرفع أسعار خدمته، ما أضعف تدريجياً من حجم الطلب على خدمته، إضافة إلى انخفاض الطلب الناجم عن ضعف الدخل لدى طالبي الخدمة، وبدا ظهور ذلك واضحاً في جميع الخدمات وخاصة تلك المتعلقة في أعمال البناء.
أما التدهور الذي طال المستهلك، بل المواطن بشكل عام، فحدِّث ولا حرج، فارتفاع الأسعار المتتالي الذي طال جميع المواد الاستهلاكية اليومية، يستنزف كامل الدخل عند شريحة كبيرة جداً من الأسر، وأوقف الادخار الذي كان معتاداً عند بعضها، بل قد لجأ الكثيرون لاستهلاك المدخرات السابقة، ما كان منها مودعاً لدى المصارف أو في الأدراج، وارتفاع الأسعار الكبير لأسعار الأثاث المنزلي ومواد البناء (الاسمنت والحديد والمنجور الخشبي والألمنيوم ومستلزمات التمديدات الصحية والكهربائية)، أفقد حلم تجهيز مسكن لدى مئات آلاف الشباب المقبلين على الزواج سنوياً والذين أصبح إطعامهم هو الأولى عند أسرهم!.
الملفت للانتباه أن جميع المنتجين محطّ اهتمام متتابع من السلطات المعنية بين فترة وأخرى، فقبل أشهر تقرّر صرف مبلغ معيّن للعديد من المنتجين الذين انخفض أو توقف إنتاجهم، خلال فترة حظر التجول بسبب فيروس الكورونا، وقبل أيام تمّ زيادة أجور النقل لمالكي السيارات وبنسبة مرتفعة، ومؤخراً توجد إجراءات لدعم مربي الفروج، وسبق أن اجتمع وزير التجارة الداخلية أكثر من مرة مع التّجار لمعالجة معاناتهم، وتتغاضى وزارته علناً عن المخابز الخاصة التي أغلبها ينتج ربطة الخبز ناقصة عن الوزن القانوني بما يقارب النصف ومرتفعة السعر عن السعر القانوني بما يقارب الضعف، وتهمل معالجة هذه الظاهرة بما ينصف المنتج والمستهلك!.
لا جدال في أهمية دعم المنتجين، بمختلف أنواعهم، وضرورة تبرير التغاضي عن بعض مخالفاتهم الناجمة عن ضعف في إنصافهم، ولكن السؤال الكبير المشروع: الحالة الاقتصادية للمستهلك بين يدي من؟.. هذا المستهلك الذي يشكّل شريحة سكانية كبيرة تزيد عن مجمل منتجي السلع والخدمات، فهو أبعد ما يكون عن اهتمام السلطات المعنية، وزيادة الرواتب التي تحصل كل عدة أعوام لشريحة العاملين في الدولة، غالباً ما تكون مستهلكة قبل إقرارها، ولا تغطي إلا جزءاً يسيراً من استحقاقاته وحاجاته، وغالباً ما يتبيّن أنها استُنزفت خلال أيام من صدورها، بسبب ارتفاع أسعار جديد يعقبها، عدا عن أن شريحة أخرى كبيرة ليست من العاملين في الدولة، ومن كان منها يملك أرضاً يعاني من قلة وجود السماد وارتفاع سعره، وإن رغب بتربية بقرة لا يملك ثمنها وإن كانت عنده وماتت لا يستطيع شراء غيرها، والمعاناة تتفاقم وتطول، وكم تعدّدت الوعود وتنوعت الآمال، ومؤخراً يبقى الأمل معقوداً على نتائج اللقاء الروسي السوري الأخير الذي ستثمر اتفاقاته الاقتصادية، عن انفراجات كثيرة خلال الأشهر القادمة، تهمّ المواطن، وفق ما صرح به وليد المعلم وزير الخارجية، وتتحقق مقولة الصديق عند الضيق.
عبد اللطيف عباس شعبان/ عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية