مؤسسات التمويل الصغير تقيّد المشاريع وأصحابها.. وتدخل في دائرة المشاريع الخدمية
دمشق- فاتن شنان
يبدو أن مؤسّسات التمويل الصغير التي عوّل الكثيرون على دورها لتمويل أصحاب المشاريع الصغيرة أو متناهية الصغر، لم تنجح في رسم سياسة متناسبة مع طبيعة المشروعات الفردية والصغيرة، والتعامل معها وفق نهج يتيح التمويل لمن امتلك أفكاراً ريادية لتجسيد مشاريعه على أرض الواقع، بل سارت بمبدأ المصارف العامة لجهة تأمين كفلاء موظفين في القطاع العام والتي طالما وقفت عثرة أمام الراغبين بالقروض، ولاسيما خلال فترة الأزمة، ولم تتخطَ العقبات والتعقيد في عملية التمويل بالرغم من وجود “ضامن مؤكد” لها، وهو المشروع إن كان قائماً، أو الفكرة مرفقة بدراسة الجدوى الاقتصادية التي تبيّن أهميتها وقدرتها على تشكيل نواة مشاريع إنتاج حقيقية من شأنها النهوض بالواقع الاقتصادي وتنمية رقعة المشاريع الصغيرة، بل اعتمدت المشروع فقط بتحييد قيمة الربح والتدفق النقدي له لتحديد القسط الشهري الذي جاء مرتفعاً مقارنة مع المبلغ الممنوح، في حين يهمل المشروع كضامن لصاحبه في المنح، فعلى سبيل المثال تفرض قسطاً يفوق الـ 40 ألف ليرة مقابل قرض بمليون ليرة وثلاثة كفلاء مثبتين في القطاع العام، بينما يتجاوز قسط قرض بمبلغ مليون ونصف المليون ليرة الـ60 ألفاً، وهي بالتالي تمنح قروضاً عاجزة عن تنفيذ أو تمويل مشروع بأقساط مرهقة!.
الصرف يوازي التمويل
على اختلاف مسمياتها جمعت مؤسّسات التمويل الصغير عدة نقاط، أهمها تدني سقوف القروض الممنوحة وغياب المتابعة في توظيف ما تمّ منحه في تطوير المشروع وحماية المقترض من الوقوع في فخ التعثر والتحول من منتج أو راغب في الإنتاج إلى متعثر وعاطل عن العمل، والتي ساهمت في أداء دورها في التطور المأمول من وجودها في ساحة العمل. ومما لا شك فيه أن أهمية مراقبة صرف الأموال توازي أهمية التمويل، مع التركيز على مراقبة الضرائب المفروضة على المشروع وما فيها من إعفاءات ضريبية قد يستفيد منها صاحب المشروع، إضافةً إلى كيفية التسديد، وهي عدة عوامل أكد عليها الخبير الاقتصادي الدكتور أيمن ديوب ويمكنها أن تلعب دوراً مهماً في إنجاح عمل مؤسسات التمويل الصغير، وذلك في البحث عن فرص حقيقية ليستفيد منها الراغبون في تنفيذها، مبيناً أنه من الضروري أن تركز مؤسسات التمويل الصغير على المشاريع التي تدخل ضمن الدورة الإنتاجية طويلة الأمد، وتنفيذ أفكار ريادية لمشاريع تحقّق إنتاجاً عالياً بزمن قياسي، ولم يغفل عن التركيز على ضرورة تزويد دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع بأرقام تبيّن مدى عودة رأس المال لتكون النقطة الأساسية في عملية المنح.
سقوف متدنية
واعتبر ديوب أن السقوف المتدنية ضئيلة لا تكفي لإقامة مشاريع حقيقية ريادية على مستوى القطر، إذ تتنافس المؤسّسات على تقديم قروض تتراوح ما بين 500 ألف وثلاثة ملايين ليرة فقط، وبالتالي فإن الكتلة المالية بشكل عام غير كافية لإقامة مشروع جديد وفق الأسعار الرائجة، أو لترميم نقص في مشروع قائم، وبالتالي لا يتمّ توظيفها لمصلحة المشاريع الإنتاجية الحقيقية، وإنما تذهب في مسارات أخرى مختلفة قد تكون خدمية وبعيدة كل البعد عن أهداف المؤسسات بتنمية واقع المشروع، ما يفضي في أكثر الأحيان إلى تعثر المقترض، وفوات فرص قد تشكل نواة إنتاج فعلي. لذلك لفت ديوب إلى ضرورة وجود مأسسة كاملة لقطاع التمويل الصغير في سورية -وإن كان قطاعاً خاصاً- تتضمن وضوحاً وشفافية في آلية العمل والإجراءات الخاصة بمنح القروض وآلية تشغيلها، مترافقة مع رفع سقوف القروض بما يتناسب مع القيمة المالية الحقيقية الراهنة، ومتابعة آنية لمرحلية زمنية لحين الانتهاء من المشروع والبدء بقطاف النتائج، مع فترة سماح مناسبة ليتسنى لصاحب المشروع التسديد المنتظم لأقساطه، وتحديد ماهية المشاريع المراد تمويلها للبعد عن المشاريع الخدمية والتوجّه إلى المشاريع الإنتاجية الزراعية أو الصناعية لتحدث أثراً إيجابياً على الاقتصاد الكلي.