شيرين عبد الوهاب تبدع كممثلة ومطربة في “طريقي”
“لسه في الأيام أمل مستنيه، لسا في أحلام باقين نكملها” بصوت شيرين عبد الوهاب، المسافر بين الحزن والأمل، بين الناي والوتريات، في الأغنية التي كتبها نادر عبد الله ولحنها وليد سعد، وأنهت بها دورها البطولي في مسلسل “طريقي” إخراج محمد شاكر خضير وسيناريو تامر حبيب، وكانت الحامل الأساسي له والشخصية الأولى ولم تقدم نفسها كمطربة مشهورة وإنما أحسّت بروح دليلة التي شاركتها بالحقيقة جزءاً من معاناتها في مسارها الفني وحياتها الشخصية، فتمحورت الحبكة الدرامية حول قصة حياة المغنية دليلة التي اشتُهرت في القاهرة في ثمانينيات القرن الماضي وبقي مصيرها مجهولاً ومرهوناً بمواجهة القدر القاسي كما حملت كلمات الأغنية في المشهد الأخير الذي أشرك به المخرج المشاهدين بكتابة نهايته وفق إحساسهم.
نسبة المتابعة التي حظي بها العمل تشير إلى إعجاب المشاهدين بأداء شيرين الدرامي التلفزيوني وبغنائها أروع الأغنيات التي لحنها بليغ حمدي إضافة إلى الأغنيات المؤلفة لدليلة، ولأنها ذكرتهم بكلاسيكيات السينما العربية في الزمن الجميل التي جسدها نجوم الغناء العربي فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وشادية وليلى مراد وغيرهم، وتدور ضمن موضوعات متشابهة تتعلق بصعوبة الطريق الفني والوصول إلى النجاح، فكان صورة مصغرة عنها في جانب منه، لكن مسلسل طريقي المقتبس من قصة المطربة الكولومبية “هيليسيا فرغاس” التي عرضت بمسلسل صوت الحرية -كما صرح المخرج- لايتناول فقط حكاية دليلة أو شيرين، إذ يتطرق إلى مسائل اجتماعية لم تُحسم بعد ومازالت دائرة مع دورة الحياة، والقانون عاجز عن إيجاد حل لها، أهمها العنف الجسدي واللفظي والمعنوي الذي تتعرض له المرأة مهما كانت قوية، وقضايا الطلاق والحضانة للأب في حال زواج الزوجة، لتنسحب هذه المسائل إلى الصداقة والحب والخيانات، تسربت كلها من خلال المشاهد المؤثرة بأداء الشخصيات الرائع الممتد مع الزمن الذي طال مصائرها من خلال الانتقالات المشهدية للمكان والامتداد الزمني، ابتداء من السبعينيات من حياة الأسرة التي تعيش تناقضاً بين الأم –سوسن بدر- المنتمية إلى طبقة أرستقراطية تعيش الصراع الطبقي مع زوجها المنتمي إلى عائلة ريفية من أعيان القرية- محمود الجندي- فيهرب إلى امرأة أخرى يجد لديها الحب والملاذ. ولا تقتصر قسوة الأم على زوجها وأولادها إذ منعت دليلة من الغناء وأبعدتها لتعيش في مدرسة داخلية.
في منتصف الثمانينيات تتزوج دليلة من المحامي يحيى المنسي – باسل الخياط- الذي يعيش مشاعر مختلطة داخل مساحة من الحب والانتقام، المحامي الانتهازي المراوغ الذي يكبرها بالسن، ويجمع ثروة على حساب الآخرين بعدما يتمكن من إقناعها بحبه وبإيمانه بموهبتها وبصوتها الجميل ويعدها بتحقيق حلمها، لكن الحقيقة تكون وخيمة لأن الحياة تكشف حقيقة ما يكنّه من حب امتلاكه دليلة فتحتمل كل أساليب العنف التي تصل إلى حبسها بالمنزل وضربها بمشهد حاسم لحظة فرحها وإصغائها بشغف إلى أول أغنية تبث لها عبر أثير المذياع.
المنعطف في الفيلم كان في لحظة المواجهة بين دليلة ويحيى ومطالبتها بالطلاق بمشادة حادة تواجهه فيها بإحدى جرائمه التي ارتكبها وراء ستار واجبه القانوني إثر ذلك يسقط يحيى على الأرض، ليطلق المخرج مفاجأة في الحلقات التالية. تتحرر دليلة من يحيى وتمضي بطريقها بمساعدة الإعلامي مروان –أحمد فهمي – الذي أحبها منذ سنوات لتخوض حرباً أشد عنفاً بصدامات الوسط الفني ومؤامراته لكنها تنجح وتتجاوز كل المحن ويتوج نجاحها بخطوبتها لمروان الذي يدعم طريقها.
ويكشف المخرج عن مفاجآته بعودة يحيى المنسي من لندن بعد سنوات من إصابته بشلل بقدمه اليمنى، فيشد الخياط الكاميرا والمشاهدين إلى أدائه المتغير بتغييرات جسده المنهك والمتأذي وبروحه التواقة إلى الانتقام بالتهديد بأخذ حقه بحضانة ابنته ومنعها من الزواج من مروان.
يجد المخرج من خلال تفصيلات كثيرة مخرجاً لدليلة وتتخلص من يحيى الذي يموت في المشفى وحيداً، وتصل إلى قمة النجاح بتوزيع ألبوماتها ومشاركتها بالمهرجانات الدولية. يتوازى هذا الخط مع قصص حب صغيرة يثير من خلالها المخرج إشكالية الحب بأنه ضعف ويظهر حالة خوف الأنثى من الوقوع به، وخيار الزواج عن قناعة وليس عن عاطفة فتكون النتيجة الطلاق أو الخيانة.
الجديد الذي أثاره المخرج بالعمل أيضاً هو قوة الصداقة بين النساء الثلاث دليلة ونادية وليلى، وعدم السماح للرجل الذي وقعتا بحبه ليلى ونادية على التفريق بينهما، في حين نرى هذه الصورة غالباً في الدراما والحياة تنتهي بالفراق بين الأطراف الثلاثة.
حمل مسلسل دليلة الكثير من الطاقات العاطفية والمشاعر الحزينة في المشاهد الأخيرة حينما تتعرض دليلة لورم حميد وتقوم بعملية استئصال وتمنع من الغناء، فلا يحتمل زوجها حالة اليأس التي تصل إليها فيوهمها بأن الطبيب الذي حذرها من الغناء خوفاً من عودة الورم وتحوله إلى ورم خبيث سمح لها بالغناء، فتقف على المسرح وتغني بحزن مستحضرة أصعب مواقف مرت بها وهي تدافع عن طريقها.
وتبقى النهاية مفتوحة هل تموت دليلة؟ أم أن الحياة تمنحنا فرصة ثانية مع الأمل.
ملده شويكاني