ترامب وبايدن والسباق إلى البيت الأبيض
د. سليم بركات
ستكون الانتخابات الأمريكية القادمة هي الانتخابات رقم 59 في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وسيختار الناخبون رئيساً جديداً، إما “دونالد ترامب” وإما “جو بايدن”، كما ستجري هذه الانتخابات بالتزامن مع انتخابات الكونغرس الأمريكي “مجلس النواب ومجلس الشيوخ” وضمن عدة انتخابات على مستوى الولايات، وعلى المستوى المحلي أيضاً. ويعدّ كلّ من “ترامب” و”بايدن” أكبر المرشحين سناً للرئاسة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حال فاز “بايدن” كما هو متوقع، سيكون أكبر الرؤساء سناً في منصب الرئاسة، ومن المقرّر تنصيب الفائز في هذه الانتخابات رئيساً بتاريخ 20 كانون الأول 2021.
إذا حاولنا إبراز حظوظ الفوز في هذه الانتخابات، فإننا سنجدها بحسب استطلاعات الرأي لمصلحة “جو بايدن” ولأسباب منها، أن الديمقراطيين قد قدّموا برامج عمل مرشحهم لهذه الرئاسة، بينما رفض الجمهوريون التقيّد بأي برامج عمل لمرشحهم “ترامب”، ومنها محاولة “بايدن” استنهاض جميع مكوّنات الشعب الأمريكي، في الوقت الذي يركز فيه “ترامب” على استنهاض المكوّن الأمريكي ذي البشرة البيضاء، ومنها التفاف كوادر الحزب الديمقراطي وقياداته حول “بايدن”، في الوقت الذي غاب فيه هذا الالتفاف لكوادر الحزب الجمهوري وقيادته حول “ترامب”، ومنها أن “ترامب” يخوض هذه الانتخابات وكأنه في موقع المعارضة، المصمّم على إنقاذ أمريكا من الطبقة الحاكمة، وقد نسي أو تناسى أنه الرئيس لهذه الطبقة، في الوقت الذي يشدّد فيه “بايدن” على فشل إدارة “ترامب” في مجملها داخلياً وخارجياً. ومنها أن هنالك الكثير من الناخبين الذين اقترعوا لـ”ترامب” في عام 2016، سيقترعون في هذه الانتخابات “لـ بايدن” بما في ذلك تجمعات جمهورية. زد على ذلك أن الأكثرية الساحقة من اليهود تنتمي إلى الحزب الديمقراطي، وستصوّت لـ”جو بايدن” على الرغم من كل ما قدّمه “ترامب” لـ “إسرائيل”.
كثيرة هي الملفات التي تنتظر “جو بايدن” إذا ما وصل إلى البيت الأبيض، وفي طليعتها احتمالات العودة إلى حلّ الدولتين فيما يخصّ المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وكذلك احتمال العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وإلى الاعتماد على سياسة الحماية لدول الخليج، هذا إضافة إلى احتمال إحيائه لسياسة التعاون مع الدول التي يفتخر بصانعيها من أسلافه، وإلى إعادة الانتماء إلى المنظمات والمعاهدات الدولية والإقليمية، التي انسحب منها “ترامب”.. باختصار سيحاول “بايدن” أن يجمع الأمريكيين لحلّ كافة المشكلات الداخلية والخارجية التي تواجهها أمريكا، من خلال صداقة الحلفاء ومحاورة الخصوم.
خرق “مايك بومبيو” وزير الخارجية الأمريكي عرفاً دبلوماسياً، عندما ألقى كلمته أمام مؤتمر الحزب الجمهوري في القدس، خلال جولته التي شملت “إسرائيل”، والسودان، والبحرين، والإمارات، كلمة قوبلت بانتقادات حادة في الولايات المتحدة الأمريكية، كونها سابقة لوزير خارجية أمريكي وضعت في سياق دعم حملة “ترامب” الانتخابية من الخارج، عبر دغدغة اليمينيين الإنجيليين، الداعمين لـ “إسرائيل”، وكما هو معروف فإن “ترامب” يحظى بشعبية كبيرة وسط الإنجيليين الذين صوّتوا له بكثافة في انتخابات 2016، وانعكس ذلك على خياراته خلال ولايته الحالية، والتي جاءت قراراتها متسقة مع مطالب القاعدة الشعبية الإنجيلية، وأبرزها الدعم المطلق للكيان الصهيوني. وهل نبالغ إذا قلنا إن “ترامب” متحالف” مع الإنجيليين، ويحيط نفسه بواعظين مشهورين في أوساطهم، ومن بينهم مستشارته الروحية الخاصة “باولا وايت” وعالم النفس “جيمس دابسون” والواعظ “فرانكلين غراهام”؟!، وهل نبالغ أيضاً إذا قلنا إن رفع ترامب للإنجيل أمام كنيسة القديس “يوحنا” في واشنطن على بعد شارع من البيت الأبيض بعد مقتل “جورج فلويد” لم يكن ليفعل ذلك إلا في إطار استمالته للناخبين الإنجيليين الراغبين في تجديد ولايته؟!. كلّ ذلك يشير إلى أن خرق “بومبيو” للأعراف الدولية عبر مؤتمر الحزب الجمهوري من القدس في شريط مسجل لم يكن إلا لتأجيج مشاعر الناخبين الأوفياء لـ”ترامب” ولإقناع المتذبذبين من هذه القاعدة الشعبية الإنجيلية، بعكس منافسه “بايدن” الكاثوليكي الملتزم، والذي لا يعرف عن “ترامب” ممارسته لأي ديانة، ومع ذلك حصد أكثر من 80% من أصوات الناخبين الإنجيليين في انتخابات 2016، وهذا يعني أن هذه الورقة لم تعد مضمونة لـ”ترامب” بعد صعود “بايدن” المعروف بالتزامه الديني، والذي ركّز عليه بشكل واضح في مؤتمر الحزب الديمقراطي الأخير. وهل نجانب الحقيقة إذا قلنا إن الإشارات التي يرسلها “بنيامين نتنياهو” داخل الكيان الصهيوني تعبّر عن نيّته الذهاب إلى انتخابات سريعة، تأتي في تقارب مريب مع موعد الانتخابات الأمريكية، وربما ينوي “نتنياهو” من خلال ذلك التمهيد لانطلاقة انتخابية مشتركة مع “ترامب” تحسّن من وضعه الانتخابي، وتحصّنه من المثول أمام المحكمة بتهمة الفساد؟!. ومهما يكن الأمر فإن التقارب الزمني بين حملتي الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية، يوضح بأنه سيكون للمعركة الانتخابية في “إسرائيل” أهميتها على مستقبله، والأمريكيون هم من سيحسمون مصير “نتنياهو” السياسي.
هكذا تبدو الانتخابات الأمريكية وكأنها مفترق طرق، يتجه باتجاهين متعارضين في هدفهما، الأول يمثل فوز “ترامب”، وهذا يعني إعطاء المصادقة على استمرار رئاسة فاسدة، مقسمة، ومدمّرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، كما يعني القضاء نهائياً على المكانة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا بدوره سيخلق شرخاً غير قابل للرأب في إطار المؤسّسات الدولية، وفي الحلف الأطلسي، كما أن فوزه سيساعد في عودة انتخابات “نتنياهو” الذي سيجلب التطرف الإسرائيلي، مع التنكيل بالشعب العربي الفلسطيني. والثاني هو فوز “جو بايدن” والذي سيُستقبل بتنفس الصعداء على مستوى العالم، وسينعش أمريكا، كما سيهدّئ من جموح “إسرائيل” لتتجه نحو التسوية السلمية مع السلطة الفلسطينية. وهل نجانب الحقيقة إذا قلنا إن عودة “ترامب” تعني فوزاً معنوياً وربما انتخابياً لـ”نتنياهو”، وأن هزيمته ستحوّل “نتنياهو” إلى أمر فائض من الأفضل التخلّص منه، تحوّل يوقف الموجة الضبابية لليمين المفترس، الذي يلقى التشجيع من “نتنياهو”، كما يلقى الرعاية من “ترامب”؟!.
بقي أن نقول: إن “إسرائيل” تسابق الزمن للإسراع في تنفيذ خطة ابتلاعها للأراضي العربية الفلسطينية قبل الانتخابات الأمريكية، وهنالك الكثير من القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم “نتنياهو” ممن يرون أن على “إسرائيل” استغلال وجود “ترامب” في السلطة للإسراع في تنفيذ الخطة الإسرائيلية المتضمّنة ضمّ أراضٍ فلسطينية قبل تولي الرئيس الأمريكي الجديد، بمعنى أن يكون هذا الضمّ و”ترامب” في سدة الرئاسة، وكيف لا يكون هذا التوقع و”بنيامين نتنياهو” يصف “ترامب” على أنه أفضل صديق تاريخي لـ “إسرائيل”؟.