التطبيع.. والموقف الثابت من القضية!!
أحمد حسن
ربما كانت لازمة “موقفنا ثابت من القضية الفلسطينية”، التي تكرّرها بعض الأنظمة العربية تبريراً لتطبيعها مع “إسرائيل” هي أصدق تعبير ينطق به مسؤولي هذه الدول عن حقيقة ما سيحدث اليوم في حديقة البيت الأبيض، فيما تبدو جملاً مثل “لا أحد يزايد علينا في دعم القضية”، أو أن “التطبيع هو خطوة واقعية تساعد على إنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفقاً للمبادرة العربية”، أو أنه جاء في سياق جهود هذه الدول “لنشر ثقافة السلام والتعايش السلمي في العالم”، وغير ذلك من جمل براقة ليس إلا “حديث خرافة يا أم عمرو”.. حديث لا يحفل به حتى قائله بعد أن ينتهي مؤتمره الصحفي العالمي على ما يقولون.
والحال فإن ما سيحدث اليوم في البيت الأبيض هو، على غرار ما حدث سابقاً في “كامب ديفيد” و”وادي عربة” و”أوسلو” -وما سيحدث لاحقاً أيضاً- مجرد عملية كاشفة لا منشئة، بمعنى أنه احتفال بروتوكولي لتظهير واقع قديم قائم أكثر من كونه تأسيساً لواقع جديد، أما كل ما يتشدّق به البعض عن ضرورات “عالم يتغير”، أو تداعيات “خوف وجودي” من قوى إقليمية معيّنة، يدفع الدول العربية للتطبيع، فهو خداع بيّن ومحاولة فجّة لتغطية الخيانة بالكلمات، وللتستّر على حقيقة أن فلسطين، وقضيتها، عانت لأكثر من سبعة عقود ونيف من نفاقين متلازمين طرداً، غربي .. وعربي أيضاً.
بهذا المعنى لا جديد في ما يحدث اليوم، وحتى الابتسامات التي سيرسمها الجميع على وجوههم هي ابتسامات مستعادة من زمن آخر، حين استقبل الرئيس الأمريكي “جيمي كارتر” كلاً من “السادات” و”بيغن” في “كامب ديفيد” ليبتسم الثلاثة وهم يشدّون على أيدي بعضهم البعض واعدين بشرق أوسط مزدهر وآمن ومستقر، لتكون النتيجة الأولى لهذا الاتفاق اجتياح “إسرائيل” الهمجي لأول عاصمة عربية وسط صمت رسمي عربي منافق ومتواطئ في أغلبه، لكنه يرفض المزاودة عليه في القضية، وضجيج شعبي هائل.. لكن إزاء مؤامرة ألمانيا والنمسا لإخراج الجزائر من بطولة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها اسبانيا حينها.
ومن حينها لم يتغير الكثير في حجم الضجيج الشعبي إلا في تحوّله بينيّاً بين الدول العربية ذاتها سواء كان ذلك من أجل “أجمل صوت” أو “أجمل ناقة” أو “أسرع جمل”، فيما كان التغيّر جلياً في الموقف الرسمي الذي انتقل من الصمت المتواطئ إلى الترحيب العلني بالتطبيع، تحت يافطات عدّة مثل “فلسطين ليست قضيتي”، أو “لقد دفعنا لأجلها الكثير وحان الوقت كي نرتاح”، ثم أن “هناك عدواً آخر أخطر من إسرائيل”، بل خرج من بيننا من يبشّر بنوايا سلميّة وخيريّة لها ويدافع عن اجتياح 1982، وماتلاه باعتباره دفاعاً مشروعاً عن النفس في وجه قوى إرهابية تهدّدها وتهدّدنا معها بالزوال..!!.
خلاصة القول: اليوم يستعيد البيت الأبيض الصورة ذاتها بالابتسامات ذاتها والوعود ذاتها التي تبشّرنا بسلام يجعلنا، كعرب، نتفرّغ “لأخطار جديدة، ولخوض معركة التنمية، والانخراط بلا معوقات في عالم التكنولوجيا والتقدم”، فيما حقيقة المشهد لا تؤكّد إلا على أمرين، الأول، أن الفائز هو “نتنياهو” ومعادلته القائلة بـ”السلام مقابل السلام”، وهي معادلة لا تُعنى بالحقوق العربية والفلسطينية ولا تحفل بها، والثاني، أن “الأخطار الجديدة” التي سيشغلوننا بمواجهتها هي أخطار مزيفة لكي الوعي العربي وحرف البوصلة عن العدو الحقيقي، لذلك، ومهما قيل من كلمات وقُدم من وعود بالرخاء والأمن والازدهار للمنطقة على ألسنة “نجوم” اليوم الأمريكي – “الإسرائيلي” الطويل، لا تصدقوا سوى جملتين، أولهما أن الدول العربية ثابتة في موقفها من القضية..!!، وهو موقف قديم، وثانيهما أن التطبيع “سيجلب الكثير من الاستثمارات إلى الاقتصاد الإسرائيلي” كما قال “نتنياهو” محقاً، وما سواهما ليس إلا لزوم ما لا يلزم على ما قال “رهين المحبسين”.