إبادة الهنود الحمر.. مدهش أن نستمر في حب أمريكا وأمريكا لا تحبنا!!
البعث الأسبوعية ــ عناية ناصر
في 25 آب، أفادت بوليتيكو، وهي وسيلة إعلامية سياسية، أن إدارة ترامب تدرس وصف ما يسمى بـ “قمع” الصين للأقلية العرقية المسلمة من الأويغور في شينغ يانغ بأنه “إبادة جماعية”. فإن لم يكن هناك إجماع كافٍ على استخدام مصطلح الإبادة الجماعية، فإن الإدارة ستتهم الصين بدلاً من ذلك بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” أو “تطهير عرقي”.
وعلى الرغم من حقيقة أن شينغ يانغ تتمتع بتنمية اقتصادية مستدامة واستقرار اجتماعي وحيوية ثقافية غير مسبوقة، إلا أن إدارة ترامب لا تزال تشوه سمعة الصين وتفتري عليها بشأن القضايا المتعلقة بشينغ يانغ، وتصف تدابير الصين القانونية لمكافحة الإرهاب والنزعة الانفصالية والتطرف بأنها “إبادة جماعية”. ومن المفارقات، إذا ألقينا نظرة على التاريخ، أن ما فعلته الولايات المتحدة ضد الأمريكيين الأصليين هو ما يمكن تسميته إبادة جماعية.
فبعد أن اعترفت بريطانيا العظمى باستقلال الولايات المتحدة في عام 1783، بدأ المستوطنون الأمريكيون توسعهم غرباً على مدار قرن من الزمان، من خلال إبادة الأمريكيين الأصليين وغزو أراضيهم. أجازت حكومة الولايات المتحدة أكثر من 1500 حرب وهجوم وغارة على الهنود، وهي أكبر نسبة في أي دولة في العالم تشن ضد سكانها الأصليين. وعندما وصل كولومبوس، في عام 1492، كان يقدر أن 5 إلى 15 مليوناً كانوا يعيشون في أمريكا الشمالية، ولكن العدد انخفض بشكل حاد إلى أقل من 238 ألفاً بحلول أواخر القرن التاسع عشر.
تم طرد الأمريكيين الأصليين من الأراضي التي عاشوا فيها لأجيال، وحرموا من الحق في الحياة. أجبر قانون إعادة التوطين الهندي، عام 1830، القبائل الهندية الجنوبية الشرقية على الانتقال من شرق نهر المسيسيبي إلى الغرب. كانت الرحلة باتجاه الغرب تحت إشراف وسيطرة دوريات الجيش والميليشيات. وبين عامي 1830 و1850، أجبرت الحكومة ما يقرب من 100 ألف من الأمريكيين الأصليين على مغادرة أوطانهم، وتوفي الآلاف منهم بسبب المرض والجوع والبرد. وقد عُرفت هذه الرحلة الخطيرة، فيما بعد، باسم “درب الدموع”.
علاوة على ذلك، تعرض الأمريكيون الأصليون للتمييز بشكل خطير وتم قتلهم. وقد وصف جورج واشنطن الهنود بأنهم مثل “وحوش برية في الغابة” و”ذئاب” متهماً إياهم بأنهم “وحوش مفترسة”. وفي عام 1862، وبناءً على أوامر من الرئيس أبراهام لينكولن، تم شنق 38 هندياً من داكوتا في مانكاتو، في ولاية مينيسوتا، في أكبر عملية إعدام جماعية في تاريخ الولايات المتحدة. وأكد الرئيس ثيودور روزفلت في مقولة مشهورة له: “أنا لا أذهب إلى حد الاعتقاد بأن الهنود الطيبين الوحيدين هم الهنود القتلى، لكنني أعتقد أن تسعة من كل عشرة متوفون. ولا ينبغي لي الاستفسار عن كثب عن العاشر”، وحتى أن المستوطنين الأمريكيين حصلوا على مكافآت عن كل مواطن أصلي قاموا بقتله (50 جنيهاً لفروة رأس الذكر البالغ، و25 جنيهاً لفروة رأس الأنثى البالغة، و20 جنيهاً لفروة رأس لكل من الأولاد والبنات الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً).
كما تم تدمير النشاطات الزراعية والثقافية التقليدية للأمريكيين الأصليين. وعلى سبيل المثال، تم قتل الجاموس، المصدر الرئيسي للغذاء والضروريات الأخرى للأمريكيين الأصليين، على يد الجيش الأمريكي؛ وفصلت المدارس الداخلية الحكومية أطفال الأمريكيين الأصليين عن عائلاتهم ومنعتهم من التحدث بلغتهم أو ممارسة شعائرهم الدينية؛ وكانت كاليفورنيا في يوم من الأيام المنطقة الأكثر تنوعاً سكانياً بالنسبة للأمريكيين الأصليين، ولكن اكتشاف الذهب في كاليفورنيا، عام 1848، جلب 300 ألف شخص هناك استعبدوا الأمريكيين الأصليين واستخدموهم كمصدر مجاني للعمالة؛ واعتذر حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم للسكان الأصليين في الولاية، عام 2019، وقال: “يطلق عليها إبادة جماعية.. [لا توجد] طريقة أخرى لوصفها، وهذه هي الطريقة التي يجب وصفها في كتب التاريخ”.
تعرف الأمم المتحدة الإبادة الجماعية بأنها “أي من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية: قتل أفراد الجماعة، التسبب في الأذى الجسدي أو العقلي لأعضاء المجموعة، إلحاق الأذى بالجماعة عن قصد بظروف معيشية تهدف إلى تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير تهدف إلى منع التوالد داخل المجموعة، ونقل أطفال المجموعة قسراً إلى مجموعة أخرى”.
وبالنظر إلى أن الحكومة والمستوطنين الأمريكيين شنوا حروباً ونفذوا عمليات قتل جماعي ودمروا التقاليد الثقافية الأمريكية الأصلية لمنع القبائل الهندية من البقاء، فمن الواضح أن الإجراءات التي تم اتخاذها ضد الأمريكيين الأصليين كانت إبادة جماعية. وحتى أدولف هتلر ادعى أن مفهومه لمعسكرات الاعتقال، وكذلك التطبيق العملي للإبادة الجماعية، يدينان بالكثير لدراساته عن تاريخ اللغة الإنكليزية والولايات المتحدة.. لقد أعجب كثيراً بمعسكرات الهنود في الغرب المتوحش.
حتى يومنا هذا، يستمر التمييز والقمع ضد الأقليات العرقية في الولايات المتحدة، فالتمييز العنصري ممنهج في المجتمع الأمريكي، ولا يزال الأمريكيون الأصليون والأمريكيون الأفارقة والأقليات الأخرى في حالة يرثى لها.
وقد أظهر تقرير أصدرته، في 18 تشرين الثاني 2019، الإذاعة الوطنية العامة أن الأمريكيين الأصليين هم الأكثر عرضة لمشكلات الوصول إلى المياه من أي مجموعة أخرى. وتفتقر 58 أسرة من بين كل ألف أسرة من الأمريكيين الأصليين إلى أنظمة الصرف الصحي، مقارنة بـ 3 من كل ألف أسرة من البيض. كما يعاني الأمريكيون الأصليون من المزيد من الوفيات والفقر ومعدلات البطالة الأعلى، كما أن حوادث القتل والاختفاء ضد السكان الأصليين أعلى بكثير من المتوسط.
ووفقاً لمسح أجراه مركز “بيو” للأبحاث، وحمل عنوان “العرق في أمريكا 2019 “، فإن حوالي 76 بالمائة من المنحدرين من أصول أفريقية وآسيوية، و58 بالمائة من ذوي الأصول الإسبانية، يتعرضون للتمييز، أو يعاملون بشكل غير عادل بسبب عرقهم، أو إثنيتهم، على الأقل من وقت لآخر. ولم يكن جورج فلويد هو الوحيد الذي قتل في الولايات المتحدة لأنه لم يستطع التنفس، فمنذ عدة أيام، أطلقت الشرطة النار على جاكوب بليك، وهو رجل أسود يبلغ من العمر 29 عاماً، سبع مرات على يد الشرطة في كينوشا بولاية ويسكونسن، وأثار إطلاق النار موجة من الاحتجاجات على مستوى البلاد.
على النقيض من ذلك، يتم ضمان حقوق الإنسان الأساسية لسكان جميع المجموعات العرقية في شينغ يانغ. وعلى مدار الستين عاماً الماضية، أو نحو ذلك، منذ إنشاء منطقة شينغ يانغ أويغور ذاتية الحكم، ازداد إجمالي النمو الاقتصادي بما يقرب من 200 مرة، وتحسن مستوى معيشة الناس باستمرار. ومن العام 2014 إلى نهاية العام 2019، تم انتشال 2,92 مليون شخص من 730 ألف أسرة من الفقر، وانخفض معدل الفقر في المنطقة إلى 1,24 في المائة من 19,4 في المائة في 2013. ويحمي القانون الأنشطة الدينية لسكان شينغ يانغ وحرية المعتقد الديني. وهناك مسجد واحد لكل 530 مسلم في شينغ يانغ، وهو رقم أعلى من مثيله في العديد من الدول الإسلامية.
لا يمكنك إيقاظ شخص يتظاهر بأنه نائم، فالولايات المتحدة تغض الطرف عن أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ضد الأمريكيين الأصليين في الماضي، وتذهب إلى ما هو أبعد من تشويه سمعة الصين بناءً على اتهامات لا معنى لها. ما يجب على الولايات المتحدة فعله حقاً هو الاهتمام بحياة وسعادة الشعب الأمريكي، وخاصة الأقليات العرقية، تماماً كما قال دوك ريفرز، مدرب الدوري الامربكي للمحترفين، وهو أمريكي أسود: “إنه لأمر مدهش لماذا نستمر في حب هذا البلد، وهذا البلد لا يحبنا، مرة أخرى!!”.
فمتى ستحب الولايات المتحدة شعبها مرة أخرى؟