عقدان على إرث الرعب وهزيمة الامبراطورية
سمر سامي السمارة
صادف الأسبوع الماضي مرور تسعة عشر عاماً على هجمات 11 أيلول، كانت هذه الهجمات حدثاً محدداً للعصر، شكل الربع الأول من القرن الحادي والعشرين وربما أكثر من ذلك. ففي غضون أسابيع من الرعب، شنت الولايات المتحدة “حرباً عالمية على الإرهاب” استمرت حتى يومنا، مصحوبة بعواقب مروعة هي في الحقيقة أكبر بكثير من هجمات أيلول.
قدرت إحدى الدراسات التي نشرت الأسبوع الفائت أن عدد الأشخاص الذين نزحوا جراء حروب الولايات المتحدة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول، وشملت العديد من الدول، وصل إلى 37 مليون نازح، كما دمرت بدعوى هزيمة الإرهاب دول وحضارات بأكملها.
تظهر الإحصاءات أن عدد العراقيين الذين استشهدوا جراء الاحتلال الأمريكي للعراق منذ العام 2003 وصل إلى مليون عراقي، كما أن العدوانات الأخرى ذات الصلة التي استمرت على مدى العقدين الماضيين يمكن أن ترفع العدد الإجمالي إلى ثلاثة ملايين شخص على الأقل. إذاً من الواضح أنه لا يمكن مقارنة عدد ضحايا الحرب الأمريكية مع ضحايا الهجمات والتي قيل أنها أسوأ هجوم إرهابي على الأراضي الأمريكية.
إن مثل هذه الأرقام لا يمكنها أن تنقل حجم الكارثة التي حدثت في العالم خلال الفترة التي تلت أحداث 11 أيلول نتيجة ردود الولايات المتحدة إزاء ذلك الحدث، فقد كانت حقبة من الفوضى المستمرة تسببت بها العسكرة الوقائية التي شنتها في المقام الأول الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو باسم “الحرب على الإرهاب”. ومع ذلك، فقد تضخم الإرهاب الدولي وأصبح آفة أصابت مساحات شاسعة من الأرض، من إفريقيا إلى آسيا، وارتد لارتكاب أعمال وحشية لا تحصى في الدول الغربية. أصبح الشرق الأوسط بؤرة أكبر للإرهاب، هذا أيضاً هو إرث “حرب الولايات المتحدة على الإرهاب” التي نفذت بذريعة الانتقام من 11 أيلول، إذ أصبح العنف الذي نتج عن الاجتلال الأمريكي للعراق، وتحت مزاعم مزيفة، أرضية لتجنيد الإرهابيين في كافة أنحاء المنطقة. والمثير للسخرية فعلاً، أن الولايات المتحدة قد استغلت بدورها العمليات الإرهابية الناجمة عن حروبها في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى لشن حروباً بالوكالة تهدف من خلالها لتغيير الدول الوطنية والتدخل في شؤونها. ولعل سورية هي خير مثال على ذلك، إذ استشهد مئات آلاف السوريين جراء حرب تواطأت فيها واشنطن وحلفاؤها في الناتو مع الإرهابيين المرتبطين بالقاعدة، العدو الذي يفترض أنه نفذ هجمات 11 أيلول.
من جهة أخرى، تتضمن العواقب الوخيمة لاستجابة الولايات المتحدة لأحداث الحادي عشر من أيلول العبء المالي المترتب على الأجيال القادمة، إذ يقدر أن ما يسمى بـ “الحرب العالمية على الإرهاب” كلفت الولايات المتحدة وحدها 6 تريليونات دولار. ما يعني أن ربع إجمالي الدين القومي لتلك الدولة تقريباً والذي لا يمكن تحمله قد فرض بسبب آثار الدمار، ولذا فإن المدى البعيد للآثار الضارة على التنمية الاجتماعية لا يمكن أن يقدر بثمن.
يضاف إلى كل هذا، المراقبة غير الشرعية للدولة، انتهاك الحقوق المدنية، وعسكرة الأمن والشرطة. حتى إن محاكمة جوليان أسانج في لندن بمزاعم التجسس ضد الولايات المتحدة ليست سوى حرب وحشية على الصحافة وحرية التعبير، فـ “جريمة” أسانج تتمثل في كشف ويكيليكس عن الحجم المروع لجرائم الحرب التي ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو فيما يسمى بعمليات “الحرب على الإرهاب” في أفغانستان والعراق. وقد أصبح اضطهاد أسانج ممكناً بعد إدخال الولايات المتحدة إجراءات أمنية قمعية بعد أحداث 11 أيلول.
تشهد هذه الأيام بدء محادثات سلام بين الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة وحركة طالبان، فبعد ما يقرب من 19 عاماً على شن الولايات المتحدة حربها في أفغانستان – أي بعد أربعة أسابيع من أحداث الحادي عشر من أيلول – لا تزال البلاد في حالة حرب وتتجه بشكل متزعزع نحو تسوية سياسية، حيث لايزال الآلاف من الجنود الأمريكيين هناك، كما هو الحال في العراق. وعلى الرغم من وعد ترامب بإعادتهم إلى الولايات المتحدة، إلا أن الأمر غير مؤكد إذ تعهد بالقيام بذلك قبل أربع سنوات، مايعني أن مجهوده من أجل اتفاق سلام مجرد حيلة انتخابية.
يرى مراقبون أنه من خلال مراجعة شاملة لحقبة ما بعد الحادي عشر من أيلول، فإنها ترقى إلى مستوى كارثة لعشرات الملايين من البشر، بمن فيهم أولئك الذين لقوا حتفهم، أو تعرضوا للتشويه، أو شردوا ، أو أصيبوا بصدمات نفسية بسبب العنف. ومع ذلك فهي حقبة ذهبية بالنسبة للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي الذي حصد الغنائم الكبيرة. وبحسب المؤرخ دانيال بيسنر: “كانت أحداث الحادي عشر من أيلول بمثابة هبة من السماء لإمبراطورية تائهة”.
رأى العديد من المحللين أنه تم التنسيق والتدبير لأحداث 11 أيلول الإرهابية بالتواطئء مع الاستخبارات الأمريكية وذلك بهدف توفير ذريعة إستراتيجية لإطلاق العنان للحروب والتدخلات الأجنبية من أجل الغزو الإمبراطوري، بالإضافة إلى توفير غطاء لإدخال تدابير أمنية قمعية ضد مواطنيها. لكن حتى هذا المكسب المفترض للإمبراطورية الأمريكية تبين أنه جزئي، إن لم يعد بنتائج عكسية إذ شهدت حقبة ما بعد الحادي عشر من أيلول أيضاً تراجعاً سريعاً لقوة الولايات المتحدة العالمية. تشعبت الأحداث التي وقعت في صباح 11 أيلول 2001 وما زالت تتشعب، مخلفة أثار مدمرة لا توصف. في هذه المرحلة يمكننا أن نكون متأكدين من أن العنف يولد العنف، وعندما يكون العنف غير مبرر، فإن دوامة العنف لا يمكن السيطرة عليها. لذا لا بد للولايات المتحدة أن تتوقف عن التصرف بصفتها إمبراطورية لكي تتوقف دوائر العنف في كل مكان.