من سكريبال إلى نافالني.. حصار روسيا مازال الهدف
سنان حسن
ما بين سيرغي سكريبال وأليكسي نافالني يبدو أن السعي الأوروبي مستمر وحثيث لشيطنة روسيا، ففي كلا الحادثتين نفاق غربي غير مسبوق في إدعاء الحرص على حياة مواطن روسي، وكأن موسكو لا تتوقف عن جلد مواطنيها واضطهادهم، أما الأمر اللافت في كلا العملتين هي محاولة اتهام موسكو باستخدام سلاح كيماوي “نفوشتيك” للقيام بذلك، فلماذا كل هذا الحنق من روسيا، هل عائد ذلك لخشية غربية من استعادة موسكو دورها في العالم، أم أن ما يجري لا علاقة له بالموقف الأوروبي الرسمي وإنما مدفوع بقرار أمريكي لإشغال روسيا ومحاصرتها وسجنها داخل حدودها ومعاقبتها اقتصادياً وسياسياً ومنعها من ممارسة دورها الطبيعي كقوة كبرى في أوروبا والعالم؟.
لقد شكّلت ما يسمى بـ “الثورات الملونة” في بداية العقد الأول من الألفية الثالثة ضربة استباقية من المعسكر الغربي لروسيا عبر محاصرتها ومنعها من النهوض مجدداً، حيث نجحت في إسقاط أنظمة الحكم في أوكرانيا وجورجيا ودول البلطيق وقزقيزستان ونصبت فيها أنظمة موالية لها، وتقدّمت باتجاه بيلاروسيا ولكن فشلت، ومع امتصاص موسكو الصدمة سواء سياسياً من خلال التعامل مع المستجدات الجديدة أو من البوابة العسكرية كما حدث في جورجيا 2008، كررت هذه القوى نفس السيناريو من البوابة الأوكرانية في 2014، وسعت من خلال زخم الشارع والتضخيم الدولي إلى تحقيق إختراق، وفي 2020 عادت المحاولة من خلال الجارة والشريك الاستراتيجي بيلاروسيا نفس الأساليب والأدوات، ولكن النتيجة حتى الآن الفشل وعدم القدرة على الاقتراب من حدود روسيا، فهل من مخططات أخرى؟.
بعد الفشل المستمر في حنق روسيا ضمن جغرافيتها ومنعها من الوصول إلى المياه الدافئة انتقل الحلف الغربي إلى سياسية جديدة تعتمد على تضخيم الأحداث الدخلية الروسية، ولاسيما فيما يتعلق بالأشخاص الذين يتبنون موقف من الدولة الروسية وسياساتها في العالم، والأهم أنهم مولعين بالسياسة الغربية ونهجها، فكانت البداية مع العميل السابق للمخابرات الروسي سيرغي سكريبال في مقاطعة سالزبوري في بريطانيا حيث وجهت الاتهامات فوراً إلى الأجهزة الروسية بالقيام بذلك وباستخدام غاز نفوشتيك، وبالرغم من كل محاولات بريطانيا وحلفائها إدانة موسكو إلا أنها لم تستطع تقديم دليل واحد مقنع على ذلك، ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي شدد العقوبات الاقتصادية على روسيا وفرض قيوداً كبيرة على حركة الروس، مواطنين ورجال أعمال وسياسيين، ليتجدد الأمر تماماً مع أليكسي نافالني الذي تم الادعاء بتسميمه في الاراضي الروسية ومن ثم تم نقله إلى ألمانيا وحتى الآن العمل جاري لاتهام روسيا وفبركة تسميمها المعارض بنفس الغاز المستخدم في سكريبال “نفوشتيك”، حتى أن مفوض السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي دعا إلى تبني آلية عقوبات أوروبية تحمل اسم نافالني على غرار “قانون ماغنيتسكي” في الولايات المتحدة. فهل كل هذا خوف من روسيا أم هناك ضغوط تمارس على أوروبا؟.
لا شك أن التعاون والعلاقات المبنية على التعاون الاقتصادي والسياسي هو الحل الأكثر واقعية ما بين روسيا وأوروبا، وقد خرجت أصوات أوروبية تنادي بعلاقة متوازنة مع روسيا بعيداً عن الضغوط الأمريكية، حيث طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “دفع روسيا بعيداً عن أوروبا خطأ جسيم”، ولكن بالرغم من هذه الأصوات الفردية إلا أن واشنطن، وبنفوذها الكبير في أوروبا عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، استطاعت أن تجند أوروبا بكاملها لإبقاء حالة من التوتر في العلاقات مع روسيا، والدليل تعطيلها أن تكون موسكو المورد الأول للغاز للقارة العجوز عبر فرض عقوبات على المشاريع الروسية وتهديد الشركات الأوروبية بالانسحاب من تنفيذ المشاريع العملاقة الروسية “السيل الشمالي” بهدف الحفاظ على حالة الاشتباك بين الطرفين.
وعليه فإن العلاقة بين أوروبا وروسيا ستبقى محكومة بالانصياع الأوروبي لأمريكا، وما حدث مع سكريبال ونافالني سيتكرر مع آخرين وربما مع دول، وما يجري في بيلاروسيا اليوم أكبر دليل على أن واشنطن مصرة على إبقاء موسكو في حالة إنشغال تام بالحفاظ على حدودها لمنعها من لعب أي دور على الصعيد الدولي، ولكن السؤال هل تسلم روسيا الجديدة بقيادة بوتين بذلك؟.