الخبز وحقل التجارب الملغوم..حلول مؤقتة أمام أزمات تعيد إنتاج نفسها
دمشق – ريم ربيع
لا يكاد ينقضي شهر أو اثنان على توديع الطوابير أمام المخابز حتى تعاود الأزمة فرض نفسها من جديد تحت مسميات مختلفة تصب كلها في خانة التجارب الفاشلة.! فتارةً يمنع البيع المباشر من الأفران وتارة يمنع البيع من قبل المعتمدين، ثم تتغير المواقف والآراء ويعود كل شيء كالمعتاد، وبعدها يتم تحديد الكمية والتلويح بتغييرها بين يوم وآخر، وكل ذلك وغيره من التجارب المتتالية لم تفلح بحل أزمة الغذاء الرئيسي للمواطن السوري، ورغم أنه بات لكل مادة أساسية طوابيرها الخاصة، إلا أن للخبز حصة دسمة، فهو لا يتعلق بعقوبات أو نقص توريدات أو غيرها من مبررات نقص المواد الأخرى، ومع ذلك نجد أزماته لا تنتهي سواءً لجهة توفر المادة أو حتى جودتها، وتحول رغيف الخبز إلى حقل للتجارب لم تسعفه سنوات طوال بالوصول إلى نتيجة يمكن اعتمادها لترضي جميع الأطراف، وتضمن توفر المادة بجودة جيدة، وتضبط واحدة من أكبر منافذ الفساد المتجذر من خلال سرقات الطحين أو التلاعب بالكميات المباعة من الخبز.
أزمة متجددة
كثرت مبررات الأزمة الحالية للرغيف والازدحام الكبير المترافق مع جودة سيئة، إذ تتراوح الأسباب وفقاً للسورية للمخابز بين نقص كميات القمح الطري وتوقف بعض الأفران للصيانة، وتوجه مواطنين للتخزين دون مبرر، والاتهامات للأفران الخاصة ببيع مخصصاتها والانقطاعات المتكررة للكهرباء لفترات طويلة، وبيع الخبز كعلف للحيوانات، وغيرها من المبررات القديمة الجديدة التي ما يزال العمل جار على معالجتها منذ ثمان سنوات..! فبعد أن تواردت المقترحات والتجارب عاماً بعد عام وصلت أخيراً إلى تطبيق بيع الخبز وفقاً لمخصصات محددة على البطاقة الذكية في نيسان 2019 وهي الخطة التي اعتبرها البعض مثالية لضبط تهريب الطحين أو بيع الخبز كعلف للحيوانات والحد من الهدر، إلا أنها وإن ضبطت الكميات إلى حد كبير لم تحل المشكلة من جذورها، وصاحب الخبرة الممتدة لأعوام بسرقة الطحين وجد طريقه لمسايرة ذكاء البطاقة والتلاعب بالمخصصات المحددة، مما يعدنا بالمزيد والمزيد من الأزمات والطوابير لاحقاً.
تأقلم
منذ أواخر 2012 وأزمات الخبز المتلاحقة لا تجد من يضبطها ولم تنته حتى هذا اليوم، رغم أن السبب في البدايات نُسب إلى النقص الحاد والمفاجئ في القمح والطحين بعد بداية الحرب والحصار وحرق المحاصيل واستنفاذ المخازين، إلا أن محاولات التأقلم سرعان ما بدأت مترافقة مع استيراد القمح الطري المخصص للخبز، ورغم ذلك استمر ظهور الاختناقات بين الحين والآخر، فيما كانت المؤسسة السورية للحبوب قد أكدت هذا العام أن الكميات جيدة ويتم الاستيراد بشكل دوري لضمان كفاية المخزون، وهي تعلن بين الحين والآخر عن مناقصات لتوريد القمح الطري كان آخرها مناقصة لشراء 200 ألف طن من روسيا، فيما تواصل استلام القمح من الفلاحين حتى نهاية هذا الشهر، أما مدير المؤسسة فهو “خارج التغطية” لأربعة أيام متواصلة ولم نتمكن من التواصل معه للحصول على توضيحات للكميات المخزنة وسبب النقص الذي يتحدث عنه مدراء مخابز.
الوضع طبيعي.!
وفيما ما تزال الطوابير حتى اليوم السمة الأساسية لأغلب الأفران، رأى مدير السورية للمخابز زياد هزاع أن حالة الازدحام عادت إلى وضعها الطبيعي تقريباً.! وأكد خلال تواجده في أفران ابن العميد بدمشق أن الوضع شبه طبيعي أمام نافذة البيع، غافلاً عن بقية الأفران التي كانت في الوقت ذاته تغص بعشرات المنتظرين. ويعود التحسن الذي يراه هزاع إلى ضخ كميات إضافية من الدقيق تقارب في دمشق 100 طن، والتشدد بمراقبة التلاعب من قبل بعض العاملين، والاتجار بالخبز العلفي، ومتابعة كميات الدقيق في مخابز القطاع الخاص ومراقبة نقص الوزن، مؤكداً أن هذه الإجراءات أدت إلى نتيجة ملحوظة.
أما حول كميات القمح أوضح هزاع أنه بسبب العقوبات انخفضت توريدات القمح الطري، وفيما تعتمد الأفران على خلطة من الدقيق القاسي والطري معاً تسببت مؤخراً زيادة الطاقات الطحنية لتلبية الطلب بورود دقيق غير مكتمل “النعومة” مما تسبب بتدني جودة الرغيف، يضاف إلى ذلك نقل الخبز من قبل المعتمدين بشكل مخالف لتعليمات الوزارة وما ينتج عن ذلك من تلف بالمادة، لافتاً إلى العمل على إيجاد نظام تبريد على خطوط الإنتاج لعلاج الجودة، إلا أن الأولوية اليوم لتلبية الطلب وتخفيف الازدحام، فهناك مخابز متضررة وبحاجة صيانة ومع ذلك لا يمكن إيقافها لعدم تفاقم الأزمة.
زيادة أسعار.!
بعض الآراء تعتبر اليوم أن الأزمة الحالية هي مقدمة لرفع سعر الخبز، فبعد قرار الحكومة برفع سعر شراء القمح من الفلاح، هناك من اعتبر أن هذه الزيادة ستنعكس على دعم الخبز وسيتبعها زيادة في الأسعار، لينفي المسؤولون بعدها هذا الأمر معتبرين أن الخبز خط أحمر، إلا أن الخطوط الحمراء التي تساقطت واحداً تلو الآخر جعلت الشكوك تتحول إلى قناعة بأن زيادة سعرية تلوح في الأفق بعد هذا الاختناق.!