لا بد وأن بلير هو من قدم المشورة!!
“البعث الأسبوعية” – تقارير
لم يكن هناك “اتفاق سلام” بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.. كان ذلك “تطبيعاً” يهدف إلى إقامة تحالف عسكري ضد إيران. هذا ما أشار إليه بومبيو قبل أيام، كاشفاً أن الإمارات و”إسرائيل” اتفقتا على تشكيل تحالف أمني وعسكري ضد إيران لـ “حماية” المصالح الأمريكية والشرق الأوسط. يعني هذا الاتفاق وما قد يتبعه أنه سيكون هناك وجود عسكري وأمني إسرائيلي في الخليج، وقاعدة مشتركة للاستخبارات الإسرائيلية الإماراتية في جزيرة سقطرى، في حوض البحر الأحمر المطل على مضيق باب المندب. ووفقاً لبومبيو، فإن الاتفاق سيحول الصراع في الشرق الأوسط من عربي إسرائيلي إلى عربي إيراني.
اللغة التي يستخدمها بومبيو مهمة بطريقة أخرى. حيث يفخر ترامب برفع القدس عن طاولة المفاوضات (كجزء من عملية التفاوض مع الفلسطينيين)، وقال إنه أزال الجولان ووادي الأردن من طاولة المفاوضات. إن صياغة بومبيو بشأن تحويل الصراع، والتي يعتقد أنه تصورها للتو، تقول أيضاً شيئاً آخر: إن القضية الفلسطينية هي أيضاً “خارج الطاولة”.. اليوم القضية هي إيران!!
حسناً، ربما كان بومبيو يتحدث بسرعة كبيرة عندما اعتبر أن الصراع اليوم هو صراع عربي إيراني، ولكن الإمارات وحدها هي التي تضع نفسها على خط المواجهة (على الأقل في الوقت الراهن)، ففي هذا التحالف المزعوم.. إذا حدث ما هو غير مرغوب فيه، واندلعت حرب ضد إيران، فإن الإمارات ستكون أول من يعاني من العواقب وستكون أكبر الخاسرين.
وقد سارع وزير الخارجية الإماراتي بالفعل للقول بأن التحالف العسكري الجديد ليس موجهاً على الإطلاق ضد إيران، وأنه لن يخدم أي غرض.. لقد اختارت الإمارات العربية المتحدة، من تلقاء نفسها، “النوم مع العدو”، كما قد يستنتج الكثيرون، ويجب أن تتحمل العواقب. وهذا ما قاله المرشد الأعلى الإيراني.
هل ينجح هذا التحالف العسكري الجديد في خلق “توازن” جديد في المنطقة، كما اقترح الأميركيون؟
من شبه المؤكد أن الإجابة ستكون بالنفي، لأن الولايات المتحدة الأمريكية، وإلى حد ما إسرائيل، غارقة في تفكير استراتيجي عسكري عفا عليه الزمن. ومن المرجح أن ترى الولايات المتحدة في طوق قواعدها العسكرية الممتدة عبر الشرق الأوسط دلالة على القوة العسكرية. لكن الأحداث الأخيرة، ولا سيما في العراق، أظهرت أن هذه القواعد هي تحت رحمة الحظ أكثر مما هي رادع حقيقي. والواقع أن ضعف خطوط إمداد هذه القواعد أمام هجمات قوات الحشد الشعبي العراقية هو بالضبط الذي دفع الولايات المتحدة إلى الإعلان عن رغبتها في الانسحاب من العراق.
إذاً هل ستقلق القواعد الإسرائيلية داخل الإمارات إيران؟ ليس بالضرورة. إن كل الطاقة والبنية التحتية العسكرية في الخليج مكشوفة – في الهواء الطلق – وليست مخبأة تحت الأرض في مخابئ محصنة.
إن مصطلح “التوازن” ليس حقاً الكلمة الصحيحة لوصف أسلوبين مختلفين للعمل. والواقع إن استراتيجية إيران المتمثلة في عدم مواجهة الولايات المتحدة أو إسرائيل وجهاً لوجه لصالح تهديد متعدد الأوجه وأحياناً خارجياً ضد البنية التحتية قد أعطى إيران ميزة استراتيجية لا يمكن إنكارها، علاوة على أن التحالف الجديد من شأنه أن يضيق هامش المناورة لدى الإمارات، خاصة وأن الولايات المتحدة تنسحب تدريجياً من المنطقة، وتواجه المملكة السعودية مشاكل خطيرة، كما أن “إسرائيل” أيضاً في أزمة – “على حافة الفوضى”، كما كتبت الصحافة الإسرائيلية – والصين غاضبة من الإمارات بسبب موقعها كدولة على خط المواجهة.
هل من الطموح أن تختار الإمارات العربية المتحدة الزج بنفسها في هذه المواجهة الإقليمية. إن قيادة العالم الإسلامي أبعد ما تكون عن الاطمئنان إلى المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي هذه الأيام – فببساطة أن كونها أداة لإضفاء الشرعية على المصالح الأمريكية قد لا تكون كافية.
وهناك أيضا المسألة الأكثر جوهرية، وهي ظهور هذه “الجبهة”، في وقت تتسم فيه الحالة الاقتصادية الإقليمية بالسوء. النفط عند 37 دولار. والوضع حرج أكثر من ذلك في لبنان والأردن والعراق (حيث فشل رئيس الوزراء في إقناع الولايات المتحدة بالإفراج عن ما يقرب من 60 مليار دولار من عائدات النفط من العراق المحتجزة كرهينة في أحد بنوك نيويورك، أو حتى منح قرض للبلاد). وحتى دول الخليج الغنية تستنزف احتياطياتها وأموال ثروتها السيادية بأقصى سرعة.. الأوقات صعبة في كل مكان. والناس في المنطقة غاضبون – وهم يائسون.
إنه سباق إلى الأسوأ – وقد لا تبقى المنطقة في شكلها الحالي. هذا ما نحن فيه، ولكن الاستقطاب والتنافر العميق بين “الجبهات” الإقليمية وداخل السلطة قد يثبت أنه العامل الرئيسي للانهيار، حيث أن كل الطاقة اللازمة لإحداث التغييرات الجذرية والمحفوفة بالمخاطر اللازمة لإنقاذ الشرق الأوسط من الفوضى والانهيار الاقتصادي تهدر في الاقتتال الداخلي.
إن إدخال “إسرائيل” إلى النخبة المتدهورة في الخليج على أمل تغيير موازين القوى الإقليمية هو خيار غريب حقاً، ولكنه خيار أنموذجي تماماً من نوع قماشة المشورة التي من المرجح أن يقدمها إلى الإمارات المتحدة من قبل “مستشارها” توني بلير. فهل يعتقد أحد حقاً أن إدخال “إسرائيل” سيسهل إدارة الأزمة الوشيكة؟ وهل ستنقذ “معجزة تكنولوجية” مشتركة حقاً الإمارات وإسرائيل؟