الابتزاز المالي والجيوسياسي التركي لمياه دجلة والفرات
د. رحيم هادي الشمخي
كاتب عراقي
مازال النظام التركي يفرض سيطرته العدوانية على مياه دجلة والفرات، ويمتنع عن توقيع اتفاقيات دائمة وقانونية لتوزيع حصص المياه مع العراق وسورية، الدولتين العربيتين اللتين تمتلكان مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي تُزرع بالمحاصيل الصيفية والشتوية، ويمتهنها الملايين من الفلاحين والمزارعين في تجمعات سكنية حول النهرين، اللذين سرق أردوغان منهما الحصة المائية المخصّصة لسورية والعراق، وراح يراوغ في تقسيم المياه، ما أدى إلى معاناة شريحة كبيرة من المزارعين نتيجة التعنّت التركي في قسمة الحصص المائية على ضوء القانون الدولي.
لقد بات من المؤكد أن أردوغان قد تجاهل كل حقوق الشعبين العربيين في سورية والعراق بتوزيع الحصص المائية، ويرفض بكل صراحة التوقيع على اتفاقية دائمة تحدّد لكل دولة حقها من المياه في نهري دجلة والفرات، لكنه، وخلال السنوات الأخيرة، بدأ يرسل الوفود، وبصورة خاصة إلى العراق، والهدف هو الابتزاز المالي، وكأن مياه دجلة والفرات جزء من الإمبراطورية العثمانية.
إن ما يريده النظام التركي من العراق هو الابتزاز المالي مقابل ذلك إطلاق مياه خاصة على شكل جرعات متقطعة إذا دعت حاجة العراق إلى ذلك، من دون الرجوع إلى اتفاقيات مائية تثبت حق العراق في نهري دجلة والفرات، والأدهى من ذلك طلب وزير خارجية نظام أردوغان عند زيارته للعراق مؤخراً توقيع اتفاقيات تجارية، وفسح المجال أمام الشركات التركية للاستثمار في الأسواق العراقية، وتنفيذ مشاريع مائية تقوم تركيا بإجراء التصاميم والتنفيذ بمقاسات تركية بحتة، أي سيكون تصميم مشاريع الخزن في العراق مستقبلاً جزءاً مكملاً لمشروع (CAP) التركي، بدلاً من توقيع اتفاقيات تؤكّد حقوق العراق في المياه، وهذا ما يؤكد عمق الأطماع التركي ، ومدى الابتزاز السياسي، والذي يوحي بأن العراق هو جزء من إمبراطورية آل عثمان، التي يحلم أردوغان في إحيائها.
كما أن الإعلام التركي نشط في إثارة موضوع المياه والنفط والأمن القومي في الشرق الأوسط بمنظار الاقتصاد والتعاون الإقليمي، وهنا نودّ الإشارة إلى جملة من النقاط المحورية والجوهرية في السياسة التركية باتجاه المنطقة بشكل عام وسورية والعراق بشكل خاص. إن تركيا اليوم تتبع سياسة اللا سياسة في المنطقة، أي سياسة (الابتزاز المالي والجيوسياسي) في ظل أنظمة الحكم العربية ودخول المنطقة في سلسلة حروب متتالية كان الرابح منها تركيا العثمانية، حيث جسّدت في خضم هذه الظروف مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية بشكل واضح، ولاسيما في تعميق وتمتين البعد الاقتصادي في مجال الطاقة بآلية تبقى خياراتها مفتوحة لتأمين مصالحها في الحروب والسلم، كما أن تركيا بموقعها الاقتصادي والسياسي المتردي تبحث عن سبب لابتزاز العراق، فأخذت تهدّد بقطع المياه عن المنطقة بسبب ملء (سد اليسو).
إن أردوغان الذي خسر الانتخابات البلدية مؤخراً والتي كانت بمنزلة صفعة له بسبب استمرار تردي الوضع الاقتصادي والليرة التركية، نراه يبحث عن مخرج له في ابتزاز دول الجوار (المياه مقابل المال) وهذا أكبر دليل على انحطاط شخصيته الكارتونية.