مخططات الحرب الأميركية على سورية
علي اليوسف
لم يكن العدوان الأميركي على سورية إلا تنفيذاً لحلقة من مخطّط إعادة تشكيل الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط. “إعادة التشكيل” هذه تعني تغيير الخرائط السياسية والجغرافية القائمة على قاعدة المزيد من التجزئة والتفكيك.
كانت التهديدات الأميركية المتواصلة ضد سورية جزءاً من حرب إستراتيجية طويلة المدى على الوطن العربي. فالولايات المتّحدة أحدثت تغييرات أساسية في أوروبا وآسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وباحتلالها العراق عقدت العزم على إحداث تغييرات أساسية في منطقة الشرق الأوسط. وعنوان هذه التغييرات، كما ادّعت، الاستقرار “الإقليمي والدولي”، ومن أجل ذلك عملت على تغيير عدد من الأنظمة والحكومات وادّعت القضاء على الإرهاب.
طوّرت إدارة بوش الابن جدول الأعمال الأميركي المعدّ منذ بداية التسعينيات، وقبل أحداث الحادي عشر من أيلول راحت تعدّ نفسها وتضع خططها لاحتلالات خارجية. كان مركز الاحتلال الأول في قلب آسيا، ومنه انطلقت باتجاه العراق وهدّدت باستكمال مسيرتها باتجاه سورية، وكل ذلك من أجل هدفين: وضع اليد على النفط في إستراتيجية السيطرة على مصادر الطاقة في العالم، وحماية أمن الكيان الصهيوني في إستراتيجية التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، وفرض الاستسلام على العرب منفردين ومجتمعين، وتمكين هذا الكيان من أن يصبح هو المركز في نظام إقليمي جديد تتجمّع حوله أنظمة وحكومات تابعة.
لقد تمكّنت إدارة بوش الابن من احتلال العراق وسرقة نفطه، لكن منذ البداية كان مقدّراً، في نظر المحلّلين والاستراتيجيين الأميركيين قبل غيرهم، أن الحرب لن تتوقف باحتلال العراق بل ستنتقل إلى سورية. وبهدف تحقيق هذا الهدف رفعت الولايات المتحدة شعار “الحرب على الإرهاب”، وشعار “الإصلاح والديمقراطية والحريات والسلام والتنمية” لشعوب المنطقة.
وبالفعل شنّت الإدارة الأميركية حربها على الوطن العربي تحت هذه العناوين التي استجمعتها المبادرة التي قدّمها كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في العام 2002 بعنوان: “مبادرة الشراكة من أجل الديمقراطية والتنمية” و”المذكّرة التنفيذية” الملحقة بها، والتي تنصّ على أن التغيير يبدأ في بداية العام 2003 وينتهي في مرحلته الأولى عام 2006.
ومنذ شباط 2003 قال ريتشارد بيرل، المستشار السياسي للبنتاغون حينذاك، إنه “يأمل أن يستمر التغيير من العراق إلى سورية”. وفي 6-11-2003 أعلن الرئيس بوش “إستراتيجية الحرية” في المنطقة، وذكر فيها أن أميركا تبنّت “إستراتيجية مستقبلية للحرية في الشرق الأوسط”، وفيها توجّه بعبارات قاسية إلى سورية. كل هذا الضغط على سورية يعود إلى أنها، وفق ما قالته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس: “تشكل عقبة أمام تغيير المنطقة”، وأنها “لم تحاسب ويجب محاسبتها”.
من هنا تأكّد أن المخاطر التي حملتها التهديدات الأميركية تتجاوز سورية، وهي تكمن في الخلفية الإستراتيجية التي انطلقت منها هذه التهديدات، أي تغيير المنطقة.
سياسة ضرب الأعناق
وردت سياسة ضرب الأعناق في جميع الدراسات والخطط الإستراتيجية الأميركية، وهي كالتالي:
– الخطة الإستراتيجية لعقد التسعينيات من القرن المنصرم التي أعدّتها “مؤسسة التراث”.
– الإستراتيجية الكونية للولايات المتحدة حتى العام 2010 التي أسهم في وضعها كيسينجر، وهنتنغتون، وبريجينسكي منذ العام 1988.
– تقرير معهد واشنطن للسياسة الشرق أوسطية بعنوان: “الولايات المتحدة والصراع العربي- الإسرائيلي”.
– كتاب ويسلي كلارك، مرشّح سابق للرئاسة الأميركية عن الحزب الديمقراطي، بعنوان “كسب الحروب الحديثة” الذي كشف عن وجود خطة تستهدف سورية ولبنان والسودان وإيران والصومال في إطار الحرب الشاملة على ما تسميه إدارة بوش الإرهاب و”الأنظمة المارقة”.
– خطاب الرئيس بوش بتاريخ 29-1-2002 الذي صنّف فيه الدول ما بين “دول مارقة” يتشكّل منها محور الشر، العراق وإيران وكوريا الديمقراطية، وما بين دول راعية للإرهاب ومنها سورية.
– وثيقة أعدّها البنتاغون ونشرتها الصحف الأميركية في آذار 2002 تضمّنت نقطة مهمّة تتعلق باستخدام الأسلحة النووية ضد سبع دول، بينها سورية.
ما يحدث الآن وما هو متوقع حدوثه ليس بجديد في الموقف الأميركي، وهو لا ينفصل عن أهداف هذا الموقف، وعلى رأسها السيطرة المباشرة على منطقة الشرق الأوسط لأنها تحتوي على 65 % من الاحتياطي النفطي العالمي، ولأن فيها دول رافضة لحراسة الأمن الإسرائيلي والمصالح الأميركية، وساعية إلى بناء توازن عسكري استراتيجي مع الكيان الصهيوني.
ومن أجل هذه السيطرة تمّ تدمير الجيش العراقي وقاعدته التكنولوجية الإستراتيجية، والقضاء على الكفاءات العلمية العراقية، والاستيلاء على النفط العراقي. وبعدها مارست الإدارة الأميركية ضغوطاً سياسية واقتصادية وعسكرية على سورية.
المهادنة والتعاون
التعثّر الأميركي في العراق أضعف الضغط على سورية، لكن ذلك لم يمنع أمريكا من إلقاء اللوم على دمشق واتهامها بوضعها في موقف صعب في العراق. في هذا السياق كتب سمير صنبر، المسؤول الإعلامي السابق في الأمم المتحدة: “في ضوء تطوّر الوضع في العراق سيتقرّر مصير المنطقة.. الرهان الأميركي كبير وخطير وجديّ في العراق، فإن هي نجحت فيه تحصل تحولات كبيرة في المنطقة، وإن هي فشلت فسوف ينتج عن ذلك مضاعفات وانتكاسات”.
ما كان واضحاً هو أن الجيش الأمريكي غرق في الرمال العراقية، وساحة المواجهة في العراق بين الاحتلال والمقاومة قد أوقفت “الحروب الأميركية” التي كانت قد أعدّتها إدارة بوش لعدد من دول المنطقة، وفي مقدمها الدولة السورية.
وسقوط المزيد من القتلى في صفوف الجيش الأمريكي، فضلاً عن تنامي المعارضة الرافضة للحرب داخل أميركا، وفي العالم كلّه “للحروب الأميركية” المتنقلة على خلفية التوسع الإمبراطوري، دفع هذه الإدارة إلى إعادة النظر في تلك الحروب وجدواها. ومنها، بالطبع، حرب “ضرب الأعناق” في سورية، فاقتصر الأمر على تأجيل الحرب عليها فقط.
ظلّت المنطقة رهن التجاذب بين تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق، وعمليات التحرير والتهديد بالحرب الأميركية- الإسرائيلية الشاملة. لكن مرحلة جديدة في المنطقة كانت قد بدأت، ونقطة البداية فيها كان تعويل الحكومة الصهيونية على وحدة الموقفين الأميركي والإسرائيلي من إيران وسورية ولبنان، ظناً منها بأن ضربة موجعة لهذه الدول الثلاث ستسهل عليها تنفيذ مشروعها في كامل فلسطين، وتسهّل على الأميركيين تنفيذ مخططهم كاملاً في العراق والمنطقة.
بعد احتلال العراق أعلن “شارون” أن مشكلات “إسرائيل” لم تنته فصوّب اتهاماته إلى سورية، وهي اتهامات سرعان ما تبناها دونالد رامسفيلد في زعمه أن سورية أرسلت معدات عسكرية إلى العراق ساعدت في قتل الجنود الأميركيين. اتخذ شارون ورامسفيلد من إخضاع سورية وتدمير قوتها الإستراتيجية هدفاً ثابتاً ومدخلاً لتغيير خارطة المنطقة الجيوسياسية لمصلحة الكيان الصهيوني. أراد رامسفيلد أن يُسمع سورية غير مرة أنه مستعد لضرب كل من لا يذعن لأوامر شارون، وكل من يساعد الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في لبنان والعراق.
استمرت التهديدات الأميركية إلى آذار 2011 موعد تنفيذ الخطة الإستراتيجية القاضية بتنفيذ مشروع الاحتلالات الخارجية، وهو ما نراه الآن في الجزيرة السورية القريبة من الحدود العراقية.