دراساتصحيفة البعث

الأسرار الدينية في الانتخابات الأمريكية؟

ريا خوري

يحدّد دستور الولايات المتحدة الأمريكية ثلاثة شروط أساسية وضرورية لمن يتولّى منصب رئيس الجمهورية، أوّلها أن يكون أمريكي المولد، ثانياً: ألا يقل عمره عن خمسة وثلاثين عاماً، ثالثاً: أن يكون مقيماً داخل الولايات المتحدة بما لا يقلّ عن أربعة عشر عاماً. غير أن هناك شروطاً ثلاثة غير مكتوبة في الدستور، لكنها نافذة بقوة وسارية منذ حوالي قرنين من الزمن، هي أن يكون أبيض، وديانته مسيحية وتحديداً بروتستانياً، وأن يكون من الأثرياء الكبار. اثنان فقط من تلك الشروط غير المكتوبة شذّا عن القاعدة، هما الرئيس الأسبق جون كينيدي الذي كان كاثوليكياً، والرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما صاحب البشرة السوداء، وكلا الرئيسين من الحزب الديمقراطي. أما جو بايدن المرشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، فإذا قُدّر له الفوز في الانتخابات الرئاسية فإنه سيكون الاستثناء الثالث، كونه مسيحياً كاثوليكياً. وهنا يمكننا أن نتساءل: هل يدعم الانتماء الطائفي والمذهبي فرصة جيدة، أم يقوضها؟، في هذا المجال نشير إلى أن جو بايدن هو رابع مرشح كاثوليكي يتأهل لسباق الانتخابات الرئاسية، وجميعهم من الحزب الديمقراطي. الأول آل سميث الذي كان حاكم نيويورك عام 1928، والثاني جون كينيدي عام 1960 وهو الوحيد الذي فاز، والثالث جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية عام 2004. وبالعودة إلى التساؤل المهمّ حول التأثير المحتمل للانتماء الطائفي للمرشح الرئاسي، نجد أن هذا العامل كان مهماً ومؤثراً في الماضي، أما الآن فلا قيمة له، حيث تمّ التراجع تماماً عن الاهتمام بديانة أو مذهب المرشح، والأدق من هذا نقول بطائفته المسيحية وليس بديانته، لأن كونه يدين بالمسيحية فهو أمر بديهي من وجهة نظر الناخب الذي ينتخب المرشح الرئاسي، لأن أكثرية السكان من المسيحيين. لذا عندما تمّ ترشيح آل سميث، وجون كينيدي، تعرّضا لعاصفة قوية من الاتهامات، وعلى الرغم من أن اثنين وثلاثين عاماً كاملة كانت تفصل بين التجربتين، فإن الخطاب العدائي ضدهما بقي متشابهاً، وركز على التشكيك في ولائهما لبلدهما، وأن ارتباطهما بالفاتيكان سيكون حتماً أقوى من التزامهما تجاه الشعب الأمريكي!.

لقد بدأ الخوف من وجود مرشح مسيحي غير بروتستانتي يتراجع شيئاً فشيئاً، وأخذ بالتلاشي إلى الحدّ الأدنى تقريباً، الأمر نفسه تكرّر مع ميت رومني، ويطلق عليه اسم ويلارد ميت رومني، وهو رجل أعمال وسياسي أمريكي، كان حاكم ولاية ماساشوستش، وهو من الحزب الجمهوري. خاض الانتخابات أمام باراك أوباما في الولاية الأولى، وكان مرمونياً، والمورمونية هي طائفة أو مجموعة دينية مسيحية وثقافية مرتبطة بالمورمونية، وهي ديانة بدأها جوزيف سميث خلال أواسط القرن التاسع عشر، والغالبية العظمى من المورمون يتمركزون في ولاية يوتا بالولايات المتحدة. أيضاً لم تكن هناك أهمية كبيرة تذكر لديانة جو ليبرمان اليهودي عندما ترشح نائباً للرئيس مع آل غور في انتخابات الرئاسة لعام 2000. ربما يكون سبب هذا التطور الكبير أن المجتمع الأمريكي أصبح متسامحاً أو ناضجاً، أو علمانياً، أو كل ذلك.

إن ما جرى هو تحوّل أساسي وراسخ وثابت في توجّه الرأي العام، وليس أحد تغيّراته أو تقلباته العارضة، ونذكر أنه في ذلك العام قال أكثر من ثلاثين بالمئة من الأمريكيين، إنهم لن يصوّتوا لمرشح كاثوليكي، ثم تراجعت النسبة إلى 25 بالمئة عام 1959، وبعد انتخاب جون كينيدي بلغت 13 بالمئة، ثم هبطت إلى أقل من 10 بالمئة عام 1967م، وهي الآن 4 بالمئة فقط.

إذا كان القبول بمرشح كاثوليكي للرئاسة نقطة مهمّة لمصلحة جو بايدن، فإن انتماءه لهذه الطائفة التي تمثل 23 بالمئة من الناخبين لا يعني بالضرورة استقطاب أصواتها، لأنها لا تشكل في العادة كتلة انتخابية واحدة متماسكة أو متوافقة، وبالتالي لا تنحاز تقليدياً لحزب، خلافاً للكتل الموجودة على الأراضي الأمريكية، كالمسلمين واليهود المؤيدين عادة للحزب الديمقراطي، أو المسيحيين الإنجليكيين الذين يدعمون الحزب الجمهوري.

إن القارئ الدقيق للتركيبة العرقية للكاثوليك في الولايات المتحدة يرى أنها هي التي ستحدّد لمن تذهب أصواتهم، ووفقاً للإحصائيات، فإن ثلث هؤلاء يتحدّرون من بلدان أمريكا اللاتينية، وسيصوتون لجو بايدن، إلّا أن 56 بالمئة من الكاثوليك البيض غير اللاتينيين يؤيدون الجمهوريين ستعود أصواتهم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. الالتزام الديني الطائفي أيضاً عامل مهم جداً، وهو ليس في مصلحة جو بايدن الذي سيخسر أصوات المتدينين لسببين مهمين: الأول أنهم لا يعتبرونه كاثوليكياً بما يكفي، والثاني، وهو الأهم، أنهم يدينون بقوة تأييده للإجهاض. إن هذا الموضوع المعقّد له حساباته الخاصة، ولا يزال يخوض معارك على كافة الساحات وقد تتغيّر توجهات الرأي العام في أي زمان نتيجة للكثير من المستجدات.