هل لدينا إمكانية بناء مدن ذكية من أجل خدمات صديقة للبيئة وأكثر مرونة وكفاءة؟
منذ سنوات والعالم يتحدث عن مصطلح “المدن الذكية” سعياً وراء توفير بيئة رقمية صديقة للبيئة، تمكّن من استخدام الشبكات والخدمات التقليدية بطريقة أكثر مرونة وكفاءة في مختلف المجالات، وقد نجحت العديد من دول العالم في هذا المشروع وما زالت تعمل على تطويره.
في سورية قد يبدو للبعض ضرباً من الخيال أن نتحدث أو نحلم ببناء مدن ذكية حالياً أو مستقبلاً، وحال مدننا يرثى له لجهة معاناتها من البنى التحتية الهشة والخدمات المتدنية بمختلف مجالاتها، ولكن رغم سوء هذا الواقع هناك من لديه أمل في أن تخطوا باتجاه بناء المدن الذكية ولو بعد عقدين أو أكثر من الزمن من خلال العمل على تأسيس بنى تحتية متطورة توفر بيئة رقمية صديقة للبيئة ومحفزة للتعلم والإبداع.
الدكتور المهندس محمد إياد الخياط نائب عميد كلية الهندسة المعلوماتية لشؤون الطلبة بجامعة دمشق ورئيس لجنة المدن الذكية والعمارة الخضراء بفرع دمشق لنقابة المهندسين أعدّ دراسة بهذا الخصوص، بيّن من خلالها أهمية بناء مدن ذكية يمكن أن تساهم في “إعادة استخدام الشبكات والخدمات التقليدية بطريقة أكثر مرونة وكفاءة، بما يسمح باستخدام البيانات، والمعلومات، والتقنيات الرقمية والاتصالات بأنواعها لتحسين عملياتها لمصلحة السكان في المدينة وبما يهدف للاستدامة ونكون أصدقاء للبيئة وأكثر أماناً”.
أربعة محاور
وبحسب “الخياط” هناك أربعة محاور أساسية للمدينة الذكية هي: المجتمع والاقتصاد والبيئة والحوكمة، ويشير الموضوع الاقتصادي للمدينة الذكية إلى أن المدينة قادرة على الازدهار مع استمرار نمو الوظائف والنمو الاقتصادي، والقدرة على المحافظة على موضوع البيئة للحفاظ على المدينة، ويشير موضوع الحوكمة للمدينة الذكية إلى أن المدينة تكون قوية في قدرتها على إدارة السيارات والجمع بين المكونات الأخرى، وتشكل البنى التحتية في المدينة الذكية “الخدمات، التكنولوجيا، المعلومات والاتصالات والمباني والطرق وخطوط إمداد الطاقة ونظم إمداد المياه ومسارات السكك الحديدية، وغير ذلك من المكونات الأخرى” تشكل أعصاب المدينة الذكية.
لا مستحيل
ولدى النقاش معه حول حيثيات الدراسة، أكد الخياط أنه لا مستحيل في سورية لجهة التفكير ببناء مدن ذكية: “نستطيع أن نبني مدناً ذكية عندما تتوفر النية الجادة والقدرة على التنفيذ”، مشيراً إلى أن سورية وفق إمكانياتها المتوفرة لديها المواصفات والتجهيزات التي تحتاج لترميم وتجديد، لكن المشكلة تكمن في عدم نشر مفهوم المدن الذكية، بمعنى ليس لدينا ثقافة استخدامها وتوجيهها بما يخدم المشروع الحضاري.
ورداً على سؤال، بخصوص مدى صلاحية الأبنية القديمة لخدمات المدن الذكية؟، بيّن الدكتور الخياط، أن ذلك ممكن بشروط، مشيراً إلى أن العمود الفقري للمدن الذكية هو البنى التحتية التي تقدم خدمات التكنولوجيا والاتصالات، فبمجرد توفر البنى التحتية للمباني مربوط عليها كل المستلزمات التكنولوجية لكافة المرافق، حيث يمكن استخدم حلول تكنولوجية مبتكرة تنعكس على تحسين مستوى الحياة والخدمات داخل المدن بشكل مريح وسهل يجنبنا الوقوع في الأزمات، كانقطاع الكهرباء واختناقات المحروقات كما هي الحال مع أزمة البنزين، إضافة إلى خدمات الإطفاء والحرائق في البيوت أو المؤسسات، وغيرها الكثير من الخدمات التي تفي باحتياجات المواطن. وأوضح أن الخدمات موجودة لدينا لكن غير مربوطة على شبكة ذكية، إذ نحتاج لبيانات يتم تجميعها من الشبكة.
الطاقة الكهربائية مثالاً
وقدّم مثالاً على ذلك توليد الطاقة الكهربائية واستجرارها: “توليد الطاقة الكهربائية في سورية يتمّ حسب التوقع بالحاجة، يعني المحولات هي تجهيزات تستجيب لنا بوقت التوليد، لكن لنفترض أن استجرار الطاقة صار زائداً، فذلك سيؤدي لانقطاع الكهرباء، والسؤال هنا: لماذا حصل الانقطاع، الجواب بكل بساطة أن المحولات الكهربائية عجزت عن تقديم ما يلزم نتيجة الضغط على الاستجرار، فهنا لو كان لدينا البيانات الكاملة عن الطاقة الكهربائية بالتفاصيل كنّا استطعنا توفير ما يمكن توفيره من تكاليف، وتعاملنا مع واقع الكهرباء بشكل جيد يجعلنا نتكيف مع كل طارئ بما يتناسب وحجم الطاقة الموجودة والاستهلاك المطلوب، لذا علينا العمل على ربط البنية التحتية المادية والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية الاجتماعية وغيرها لنكون قادرين على توفير خدمات جيدة وسريعة كون ذلك جوهر وأساس العمل بالمدن الذكية.
هامش
هامش: في فرع دمشق لنقابة المهندسين هناك لجنة للمدن الذكية والعمارة الخضراء تجتمع بشكل دوري وتناقش بجدية نشر مفهوم المدن الذكية والعمل على تطبيقه في المرحلة القادمة التي سنشهد فيها ترميم وتجديد البنية التحتية للكثير من المدن التي تهدّمت بفعل الحرب.
بالمختصر.. بناء المدن الذكية في سورية ليس حلماً بعيد المنال، بل مشروع حضاري قابل للتنفيذ مستقبلاً عندما نتعامل بشكل صحيح مع مواردنا وبنانا التحتية، من خلال النظر إليها والتعامل معها بطريقة مختلفة فيها ابتكار وتجديد، لنصل بالنتيجة إلى رفع الكفاءة التشغيلية للموارد وتوفير استخدام الطاقة بشكل دائم، وبالتالي تكون المدن الذكية خير صديق للبيئة والإنسان، وجنباً إلى جنب مع هذا التقدم التقني المعلوماتي لابد من لحظ مفهوم العمارة الخضراء الذي يدخل في عملية تصميم المباني بأسلوب يحترم البيئة والانسجام مع الطبيعة، مع الأخذ في الاعتبار تقليل استهلاك الطاقة والمواد والموارد والعمل على استخدام الطاقات المتجددة ومعالجة النفايات لتوليد الطاقة، وهذا ما تعمل عليه (لجنة المدن الذكية والعمارة الخضراء) بفرع دمشق لنقابة المهندسين حسب تقرير اجتماعها الأخير، ونأمل أن يتمّ تعميم هذه اللجنة على كافة فروع نقابة المهندسين بالمحافظات لما لذلك من أهمية.
غسان فطوم