التلاعب الأمريكي بالأمم المتحدة يدق ناقوس الخطر
عناية ناصر
في الوقت الذي يسعى فيه المجتمع الدولي إلى تنسيق جهود جميع الأطراف للاستجابة لوباء COVID-19 من خلال الأمم المتحدة والوكالات ذات الصلة، تستمر الولايات المتحدة في التركيز على الهيمنة على الأمم المتحدة، بل إنها تستخدم ميثاق الأمم المتحدة لمهاجمة الدول التي تعتبرها “خصوماً”!.
يمكن ملاحظة ذلك من خلال تصريحات سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، في محادثة فيديو مع السيناتور الجمهوري الأمريكي مارشا بلاكبيرن، حيث اعتبرت كرافت ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة الأمانة العامة للأمم المتحدة، ساحة معركة تطمح الولايات المتحدة لكسبها. وقالت إنه من أجل تحييد نفوذ الصين في الأمم المتحدة، من الضروري ضمان دخول المزيد من الأمريكيين والدول ذات التفكير المماثل إلى أجهزة الأمم المتحدة، وأن العدد غير الكافي من الأمريكيين في الأمانة العامة للأمم المتحدة يجعلها “غير متوازنة”. وأشارت إلى أنها ستنتهز كل فرصة لمهاجمة الصين داخل مجلس الأمن الدولي بغضّ النظر عن القضايا المطروحة.
تؤكد تصريحات كرافت أن الولايات المتحدة تعتبر الأمم المتحدة أداة سياسية خاصة تخدم مصالحها الضيّقة، وهنا تظهر المواقف السلبية لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه المنظمات الدولية والتعددية مرة أخرى.
في هذا الصدد، يجب على الصين أن تنظر في ثلاثة جوانب: كيف ينبغي إصلاح الأمم المتحدة؟ ما هو تأثير الأعمال الهدامة للولايات المتحدة على الأمم المتحدة؟ ما نوع العلاقة التي يجب أن تقيمها الصين والولايات المتحدة داخل الأمم المتحدة؟.
يصادف عام 2020 الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة، وقد حقّق المجتمع الدولي في ظل الأمم المتحدة تقدماً غير مسبوق في مجالات السلام والتنمية وحقوق الإنسان، لهذا السبب، يجب على جميع دول العالم أن تحترم وتحمي حقوقها في المشاركة في بناء الأمم المتحدة، لأنها ملك لشعوب العالم وليست أداة خاصة بالولايات المتحدة.
تعكس تصريحات كرافت استخدام أمريكا لعصا التهديد، بذريعة الدعوة إلى تصحيح “الخلل” في عدد الأمريكيين و”الدول ذات التفكير المماثل” في الأمم المتحدة، وهذا يعني أن الصين والدول النامية الأخرى لديها عدد كبير جداً من الموظفين في الأمم المتحدة. لكن ما يجب توضيحه هو فيما إذا كان عدد موظفي البلدان النامية، بما في ذلك الصين، في الأمم المتحدة كبيراً جداً أو صغيراً جداً.
اعتباراً من 31 كانون الأول 2019، كان موظفو الصين في منظومة الأمم المتحدة يمثلون 1.17 في المائة فقط، وهو ليس أقل بكثير من نظرائهم الأمريكيين الذين يمثلون 4.79 في المائة فحسب، بل أيضاً أقل بكثير من متوسط عدد ممثلي مجموعة السبع الذي يبلغ 2.60 في المائة، وفقاً للبيانات الصادرة عن مجلس الرؤساء التنفيذيين لمنظومة الأمم المتحدة المعنيّ بالتنسيق.
حالياً يواجه العالم تحديات عالمية متزايدة الخطورة، مثل تغيّر المناخ والأمن الغذائي والأمراض المعدية الخطيرة، والتي هي بحاجة ماسة إلى جهود مشتركة من المجتمع الدولي، لكن وحدها إدارة ترامب تقف ضد دول العالم، وبالتالي يجعلها أكبر مدمّر للتعددية كونها تنتهج نظرة ضيّقة للمصالح، وتتبنى سياسة أحادية الجانب تتمثل في “انتقاء القوانين والاتفاقيات الدولية التي تخدم المصالح الأمريكية”. فمنذ عام 2017، أنهت الولايات المتحدة أو خفّضت بشكل كبير تمويلها للمنظمات التابعة للأمم المتحدة، ناهيك عن انسحابها من عدد من المؤسسات والاتفاقيات متعددة الأطراف. إضافة إلى ذلك، عرقلت الولايات المتحدة تعيين أعضاء جدد في هيئة الاستئناف في منظمة التجارة العالمية، مما تسبّب في مأزق بخصوص هذه العملية.
كما أدى التشهير بالصين من قبل إدارة ترامب إلى تفاقم المناخ السياسي للأمم المتحدة بشكل خطير، فكل من الصين والولايات المتحدة عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي، والحفاظ على علاقات صحية ومستقرة بين الصين والولايات المتحدة له أهمية كبيرة بالنسبة للأمم المتحدة كي تمارس دورها. ومع ذلك، وفي السنوات الأخيرة، عزفت إدارة ترامب على أوتار المنافسة الإستراتيجية بين القوى الكبرى، واتخذت التعدّدية كهدف في حملتها لاحتواء الصين ودول ناشئة أخرى!.
الأمم المتحدة ليست أداة سياسية خاصة للولايات المتحدة، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل توقعات المجتمع الدولي وسعيه لتحقيق السلام والاستقرار العالميين. وبمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة، يجب على المجتمع الدولي أن يتحد ويتخذ موقفاً واضحاً ضد الأحادية، وسياسة القوة للولايات المتحدة، وأن يعمل بشكل مشترك على حماية النظام الدولي متعدّد الأطراف.