اغتيال الرؤساء.. إستراتيجية إرهابية أمريكية ممنهجة
د. معن منيف سليمان
يعدّ أسلوب الاغتيال إستراتيجية تنفّذها الولايات المتحدة بحق رؤساء بارزين في العالم، بسبب انتهاجهم سياسة مقاومة لمخططاتها العدوانية ضد الدول المستقلة. وهي تلجأ إلى هذا الأسلوب بسبب ضعفها، رغم إمكانياتها الاستخباراتية والأمنية العالية، غير أنها لا تثق بقدرتها على تطويع الشعوب باستخدام إعلامها واقتصادها ودعاياتها الكاذبة وحروبها الدموية، فتعتقد أن اغتيال الرؤساء قد يربك الشعوب فتغيّر سياستها الممانعة لمشاريعها.
إن هذا الإجرام هو شكل وجود الولايات المتحدة ولا يمكن لها أن تبدو غير ذلك، في هذه المرحلة الاستعمارية التي وصلت إليها، كدولة رأسمالية احتكارية إمبريالية، تقودها رغبة الربح إلى احتكار الحياة، وعولمة الكون وأمركة الشعوب في هوياتها وثقافاتها واقتصادها، تعادي الأمة العربية، ومختلف الشعوب والأمم، وما من قارة إلا وفيها بصمة دموية تدلّ على أن الإرهاب الأَمريكي كانت له فيها محطة بارزة كحدث ومنعطف تاريخي أسهم بتغيير الحكم أو انتقاله لآخرين، حيث اعتمدت على الاغتيال لكسب معارك انتخابية والتخلّص من أزماتها الداخلية، بحيث تصبح الشعوب المناهضة لها وقيادتها ساحة للتنافس الانتخابي على حساب دمائها!.
وفي كل مرحلة تاريخية كانت الولايات المتحدة تستخدم وسيلة معيّنة لضرب هذه الشعوب، وما أكثر الانقلابات التي دبّرتها أَمريكا في هذه الدول، أما مؤخراً ومع تطور العلم، فإن أَمريكا انتقلت إلى استخدام الاغتيال بالأمراض السرطانية والأسلحة الجرثومية، ولم تتخلَ في الوقت نفسه عن باقي الخيارات الإجرامية، كالانقلابات العسكرية والحصار الاقتصادي والمالي في استهداف الشعوب وحركات التحرّر ورموز الثورة والمقاومة على مستوى العالم.
السياسة الأَمريكية وخاصـة الخارجية لا تتغيّر -مهما اختلف الرؤساء- وهي سياسة عسكرية معادية للديمقراطية وللسلام وحقوق الإنسان وللحرية والمنافسة والتعدّد القطبي في العالم، والمساواة بين البشر، ولذلك تسعى أَمريكا، لتبقي الدول النامية مصادر خامات لمصانعها، والشعوب أَسواقاً استهلاكية لمنتجاتها، وعمالاً عبيداً للإنتاج في فروعها الصناعية. وعبر الاتفاقيات العسكرية المجحفة والخضوع بالقوة تحت عنوان “محاربة الإرهاب”، حوّلت أَمريكا حكومات وجيوش بلدان عديدة خدماً وحرّاساً لمصالحها ومواقعها الاستعمارية في العالم.
تجدر الإشارة هنا إلى كثرة التدخلات الأمريكية خلال الأعوام الخمسين الماضية التي حاولت القضاء على خصوم أجانب بوسائل مشكوك فيها للغاية من الناحيتين الأخلاقية والقانونية. وفي هذا الصدد، يتحدث ويليام بلوم، مؤلف كتاب Killing Hope: US Military and CIA Interventions Since World War II، عن مجموعةٍ من الخطايا الأمريكية بدءاً من عمليات الغزو والتفجيرات وإطاحة الحكومات والاغتيالات إلى فرق التعذيب والقتل، ويصف تلك الخطايا في استنتاجه غير الحاد، قائلاً: “هذه ليست صورة جميلة”.
وفي السياق نفسه، يعتقد أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بالغت كثيراً في تنفيذ عمليات الاغتيال بالستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لدرجة أن لجنة تشيرش حقّقت في عام 1975، في العديد من محاولات الاغتيال التي نفّذتها الوكالة ضد زعماء أجانب من بينهم لومومبا، ورافائيل تروخيو رئيس جمهورية الدومينيكان الأسبق، ونغو دينه ديم رئيس الوزراء الفيتنامي الراحل، والرئيس الكوبي فيديل كاسترو. وفي تداعيات ذلك التحقيق، حظر جيرالد فورد، الرئيس الأمريكي آنذاك، تدخل الولايات المتحدة في الاغتيالات السياسية الأجنبية.
ثم إن الرئيس “جورج بوش” الأب ألغى قرار الرئيس جيرالد فورد بعد هجمات 11 أيلول 2001، وأصبح الرئيس هو الذي يأمر باغتيال شخصيات عالمية، سراً أو علناً، ما يعني أن معظم الاغتيالات التي تُنفّذ منذ ذلك الحين، من قبل الجيش أو من قبل أجهزة أخرى، تنفّذ بأمر من الرئيس الأمريكي مباشرة. وبناءً عليه وضعت الرئاسة الأمريكية لائحة اغتيال لشخصيات عالمية تقف في وجه النفوذ الأمريكي في العالم.
ومنذ عام 1976، تواصل الولايات المتحدة الانخراط في محاولات للقضاء على قادة أجانب، أو تواجه اتهامات بذلك، إذ شنّ الرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريغان، غارات في عام 1986، استهدفت الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، كما حاولت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية اغتيال زعيم كوريا الديمقراطية كيم جونغ أون.
وكان الرئيس فيديل كاسترو أكثر رؤساء الدول تعرضاً لمحاولات اغتيال، إذ واجه الزعيم الكوبي 638 محاولة اغتيال خلال حياته، وأدرج اسمه ضمن موسوعة غينيس للأرقام القياسية كالشخص الذي نجا من أكثر محاولات الاغتيال في العالم. واستخدمت تقنيات معقدة ضد بعضهم، بدءاً من إرسال خبير كيميائي مسلح بسموم قاتلة لمحاولة قتل الرئيس الكونغولي الراحل باتريس لومومبا، في الستينيات من القرن الماضي. وربما كان أول ضحية من ضحايا سلاح السرطان في برنامج الاغتيال البيولوجي لوكالة الاستخبارات المركزية هو رئيس أنغولا الأول أغوستينو نيتو. الرئيس نيتو، الذي كان مستهدفاً من قبل وكالة الاستخبارات المركزية في انتهاك لحظر الكونغرس، أصيب -وبسُرعة غريبة- بسرطان في عام 1979، وتوفي في مستشفى في موسكو.
ضحية أخـرى لوكالة المخابرات المركزية هو الرئيس التشيلي السابق إدواردو فراي، الذي أصبح عدواً صريحاً للدكتاتور الجنرال أوغستو بينوشيه الذي نصّبته وكالة المخابرات المركزية بعد إسقاطها الرئيس التقدمي سلفادور ألندي. مات فراي في مستشفى في العاصمة التشيلية سانتياغو في 22 كانون الثاني 1982، بعد إصابته بالتهاب مشبوه عقب جراحة روتينية.
وفي آب من العام 2010، اكتشف رئيس باراغواي، فرناندو لوغو أن لديه ورماً سرطانياً في الغدد اللمفاوية، تعافى لوغو، ما جعل أَمريكا تعود إلى الخطة المعتادة، وأطيح بهِ في انقلاب نظمته وكالة المخابرات المركزية، في العام 2008. كما أصيب الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس بسرطان البروستات، بعد بدء محادثات السلام بين حكومته وبين الـ”فارك” القوات المسلحة الثورية في كولومبيا وبدء تقاربه مع هذه الحركة اليسارية، وهذه ليست مصادفة أيضاً.
وتعرّض رئيس فنزويلا السابق هوغو تشافيز، لثلاث محاولات اغتيال أبرزها عملية اختطاف في عام 2002 لمدة يومين من قبل جماعات معارضة، لكن تمّ إنقاذه بعد الانتفاضة الشعبية وتمرد القوات العسكرية الموالية التي أعادته إلى السلطة في غضون 48 ساعة. كما نجا تشافيز من محاولة اغتيال في نيويورك عام 2006، بعد العثور على مستويات عالية من الإشعاع في الكرسي الذي كان مقرراً له أن يجلس عليه في الاجتماع الدولي. أما المحاولة الأخيرة فكانت في 2010، عندما تمّ القبض على مواطن كوبي اعترف بأنه قد تمّ إرساله لاغتيال تشافيز.
أما الرئيس الفنزويلي الحالي، نيكولاس مادورو فقد تعرّض بدوره لست عشرة محاولة اغتيال اتهم فيها كلاً من كولومبيا والولايات المتحدة، وكان أولها في عام 2014 بعد 14 يوماً من توليه المنصب، عندما أشار إلى تسلّل جماعات لمحاولة قتله. ونجا الرئيس مادورو من محاولة الاغتيال الأخيرة عام 2018، من خلال استخدام طائرات بلا طيار تحمل متفجرات كانت تستهدفه.
أما الرئيس البوليفي أيغو موراليس فتعرّض بدوره لعدد من الاغتيالات كان أبرزها في أعوام 2008، 2009، 2013.
ويبدو أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قد لجأ إلى سياسة الاغتيالات والاستهداف كإستراتيجية جديدة للتخلّص من خصومه بعد تنامي يأسه وإحباطه بسبب النكسات المتتالية لإدارته في الملفات الخارجية المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط، والأزمة السورية على وجه التحديد، ولذلك حاول استهداف السيد الرئيس بشار الأسد عام 2017، غير أن وزير دفاعه نهاه عن ذلك. فبالأمس اعترف ترامب بأنه كان ينوي قتل الرئيس الأسد، رئيس سورية المنتخب من قبل الشعب السوري، ولا شك أن الأسباب الحقيقية التي دفعته إلى ذلك بسبب مواقف الرئيس الأسد الوطنية والقومية من القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين ومواقفه الثابتة والصلبة من العدو الصهيوني، فهو يعارض السياسة العدوانية الأمريكية، ويرفض الانصياع لقرارات البيت الأبيض، ويقاوم خططه وصفقاته في المنطقة العربية، كل ذلك دفع ترامب إلى اتخاذ قرار الاغتيال، وأعلن أنه أعدّ كل شيء في هذا السبيل واستخدم تعبير “رتبت العملية تماماً”.
إن انتهاج سياسة الاغتيال هو انتهاك سافر للحق في الحياة، وهو عمل غير قانوني ولا أخلاقي، والمستعرض لتاريخ رؤساء الولايات المتحدة المتصلة بقرارات تتعلق بدول وقادة تجرؤوا على معارضة الولايات المتحدة، أو على المطالبة بحقوق بلادهم والتخفيف من عمليات النهب الأمريكي لثروات بلادهم، سيصل إلى خلاصة أكيدة هي أن رؤساء أمريكا هم أفراد عصابة تحكم أمريكا، وتحاول أن تحكم العالم بالإرهاب، وإن كلف ذلك قتل وإرهاب الملايين من البشر!.