مجلة البعث الأسبوعية

تنظيم الكورنيش الشرقي بطرطوس.. أعصاب “متراخية” ومخاوف من قضاء شتاء جديد في البيوت “المهترئة”

“البعث الأسبوعية” ــ محمد محمود

عندما تنتقل من الكورنيش الشرقي لمدينة طرطوس إلى واجهة الأحياء والأبنية المقابلة له، تشعر أنك عدت بالزمن سنوات طويلة من عمر المدينة السياحية، فترى بيوتاً متداعية من طبقة واحدة أو طبقتين، تصطف إلى جوار بعضها على امتداد الكورنيش شاكية سوء الحال والأحوال، وقلة الإصلاح والترميم, وتكاد البيوت تتهاوى على “أصحابها المليونيرية مع وقف التصرف والتنفيذ”، فالمالكون لهذه الأبنية عاجزون عن التصرف بعقاراتهم بيعاً، أو إصلاحاً، أو هدماً وإعادة إعمار من جديد، باعتبار أن الواجهة ومنذ سنوات طويلة ضمن مخطط تنظيمي وعمراني يلزم المالكين بمساحة كبيرة (بلوكات) تفوق مساحة عقاراتهم وإمكاناتهم المادية، وتتطلب أحياناً اجتماع واتفاق أربعة مالكين، أو أكثر، لإمكانية الهدم وإعادة البناء، ليصبح السكان ضحايا انتظار طويل مع بطء التعامل مع ملف التنظيم من جهة، وليكونوا أيضاً فريسة سماسرة جشعين، وأصحاب رؤوس أموال، يسيل لعابهم بشدة للأرباح المتوقعة، والمنتظرة من امتلاكهم مقاسم في التنظيم تتحول لاحقاً لفنادق فخمة وشقق استثمارية تطل على الواجهة البحرية للمدينة من جهة ثانية.

 

غير مبشر

“أشباه بيوت” هو الوصف الذي يمكن إطلاقه على حالةٍ أضحت عليها منازل السكان بعد جولة غير مبشرة في تلك المنطقة السياحية المطلة على البحر، والتي يفترض أن تكون أرقى وأكثر جمالاً مما شاهدناه.. إسمنت متآكل يتخلى عن بنائه، وينسلخ ككتل حجرية تتساقط على رؤوس ساكنيه بين فترة وأخرى، منذرة بخطر جسيم، و”حديد عار” تكشّف أمام عوامل الجو والرطوبة الشديدة قرب البحر، وبقي وحيداً يأكله الصدأ تدريجياً، مؤكداً انتهاء العمر الافتراضي للمنازل.. بعض تلك البيوت هُجر بالكامل، وبعضها الآخر بقي فيه سكانه على مضض لعدم وجود بدائل بالنسبة لهم، وبعضها قام سكانه بالحصول على موافقات لإجراء إصلاحات بسيطة عليه، وهو أقصى ما تمكنوا من فعله، لترد عنهم قليلاً عوامل الجو والحرارة العالية صيفاً، والبرد وغضب جارهم البحر شتاءً.

ورغم أن الخوف لا يزال يسكن قلوب معظم الأهالي الذين قابلناهم من التسويف، والمماطلة، وتباطؤ حل إشكالية التنظيم، وطول فترة المعالجة للضغط على السكان، وجعلهم يبيعون عقاراتهم بأقل سعر ممكن تحت إغراءات السماسرة المتكررة، والتهديد بشتاء قادم يقضيه الأهالي في “شبه العراء”، إلا أنه – في المقلب الآخر – ومن خلال متابعة آراء الأهالي في المنطقة، لمسنا بداية من حالة الرضى العام عن التطورات التي انتهت إليها أمور المخطط، إذ يؤكد علي محمود، أحد سكان منطقة الكورنيش الشرقي، أن ثمة ارتياحاً عاماً لما انتهت إليه أمور المخطط باعتباره اتخذ خطوة إيجابية تجاه الأهالي وهي تخفيض نسبة المساحة المطلوبة والمسموح إشادة البناء عليها، وبالتالي حل مشكلة إشادة العقارات السياحية أو السكنية أو التجارية، وإعطاء فرصة الاستثمار، إن للأهالي أم للمستثمرين بالتصرف بعقاراتهم، لكن الغالبية العظمى من الأهالي لا يمتلكون المال اللازم ليحافظوا على بيوت يرتبطون بها تاريخياً، رغم كل هذه الحلول، وبالتالي فهم يرغبون بالبيع كونهم لا يملكون الأموال لإشادة تلك الأبنية، ويقعون تحت ضغط شديد نتيجة الأوضاع السيئة جداً لبيوتهم.

في المقابل، تتحدث فاطمة الحسين، من سكان المنطقة، عن هاجس آخر هو الخوف من المستثمرين الذين يحاولون استغلال الأهالي لبيع عقاراتهم مع طول فترة الحل والانتظار وأوضاع الأهالي السيئة، وبالتالي فرض سعر يقل بكثير عن السعر الحقيقي لتلك المنطقة.

 

أدوار مشبوهة

ينبع خوف الأهالي – كما تقول فاطمة – من أدوار مشبوهة للسماسرة الذين أصبحوا طرفاً رابحاً على حساب الأهالي، حيث يحاولون، في كل تواصل يقومون به مع الأهالي، تخفيض السعر قدر الإمكان، ورفعه مع المستثمر لتحصيل أكبر قدر من الأرباح، وهذا ظلم، مشيرة إلى أن المشتري لا يتفاوض مع الأهالي بشكل مباشر، ما يشي بأن هناك يداً خفية تلعب على أوتار حاجات الناس وظروفهم، فالوعود كانت سابقاً أن يكون عام 2019 سنة الحل، أو بداية الشهر الأول والثاني من 2020، وها نحن نشارف على الدخول في شتاء آخر، والمسائل ما تزال عالقة، والأهالي هم الأكثر خسارة من كل الجهات.. وتختم: رغم أننا قضينا سنوات عمرنا في تلك المنطقة ونرتبط بها بشكل وثيق، لكننا اليوم نتمنى أخذ أبسط حقوقنا، والسكن بمنازل لائقة تقينا حر الصيف ومطر الشتاء، ورؤية هذه المنطقة من أجمل المناطق على البحر كونها منطقة جذب سياحي أثري لها مفعول اقتصادي وتجاري للمحافظة بشكل عام.

ولدى متابعتنا للأسعار المعروضة فإنها تتراوح بين 2 و3 مليون للمتر المربع، وفي بعض المناطق يدُفع ضعف هذا المبلغ، لكن – وبرأي الأهالي – القيمة الاقتصادية لأراضيهم هي أكثر من ذلك، فسعر الأرض كاملة يساوي بالكاد سعر شقة أو شقتين بعد تنفيذ المخطط في تلك المنطقة، وهي معادلة تشعر الأهالي بالظلم دون أن يمتلكوا من أمرهم شيئاً..!

 

رحلة طويلة

في بلدية طرطوس، حاولنا الحصول على معلومات إضافية حول الملف وتطوراته، والأماكن التي ما زال عالقاً بها، ليطلعنا مدير الشؤون الفنية في مجلس المدينة، المهندس حسان نديم حسن، على تفاصيل بدت أشبه برحلة طويلة منذ الحديث عن ضرورة الإسراع بمعالجة الملف في عام 2017، إذ أكد أنه، وبموجب التوجيهات الحكومية التي تمت خلال زيارة رئيس مجلس الوزراء في شهر نيسان عام 2017، تم الحديث عن ضرورة إيجاد حل سريع لمشكلة الواجهة الشرقية للكورنيش البحري لمدينة طرطوس، وتمت المتابعة من رئيس مجلس المدينة والمحافظ وبموافقة وزير الإدارة المحلية والبيئة بكتابه رقم 4680/ ز/10د، تاريخ 29/ 9/ 2018، ورئيس اللجنة الوزارية وزير النقل، واتُفق على التعاقد مع جامعة تشرين بموجب كتابه رقم 7458/ 3، تاريخ 1/ 8/ 2018، فتم تشكيل لجنة خاصة لمتابعة الموضوع، وتم إبرام عقد الدراسة التخطيطية تحت رقم 95 لعام 2018، بين مجلس مدينة طرطوس وجامعة تشرين، بحيث يتم تدقيق الدراسة بالتوازي مع إعدادها، ثم تم تدقيق الدراسة المعدة من قبل جامعة تشرين بالمواكبة مع الدارس، وفق ما نص عليه العقد رقم 95 لعام 2018 المبرم مع جامعة تشرين، وتم استلامها أصولاً، ولاحقاً تم عرض الدراسة المستلمة على مجلس المدينة في دورته الاستثنائية، بتاريخ 16/ 10/ 2019، والمتضمنة الموافقة على تعديل المخطط التنظيمي المصدق لمدينة طرطوس للواجهة الشرقية للكورنيش البحري وفق دراسة جامعة تشرين، وبعد ذلك كانت موافقة محافظ طرطوس على الإعلان الاستثنائي بموجب كتاب المدينة رقم 5563/ ص، تاريخ 20/ 10/ 2019، وتم الإعلان، بتاريخ 7/ 11/ 2019، لمدة 30 يوماً انتهت بتاريخ 6/ 12/ 2019، وذلك وفق أحكام المرسوم التشريعي 5 للعام 1982 وتعديلاته. وبعد انتهاء مدة الإعلان، تم إحالة الدراسة مع الاعتراضات المقدمة من المالكين، وعددها 38 اعتراضاً إلى مديرية الخدمات الفنية، بموجب الكتاب رقم 7135/ ص. ف، تاريخ 29/ 12/ 2019، للعرض على اللجنة الإقليمية وفق أحكام المرسوم 5 لعام 1982 وتعديلاته، علماً أن العقد المبرم مع الجامعة – بحسب مدير الشؤون الفنية – تضمن مادة تلزم الدارس بإعادة النظر بكل التعديلات التي قد تطلبها اللجنة الفنية الإقليمية. وبعد موافقة اللجنة الإقليمية على التعديلات المقترحة، تم تنظيم محضر بذلك، ثم عرض على المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة لتصديقه، ورفعت إضبارة تعديل المخطط التنظيمي للواجهة الشرقية للكورنيش البحري إلى وزارة الإسكان والأشغال العامة لإقرارها، ويصبح نافذاً بعد ذلك.

 

كل المطلوب

بدوره، المهندس محمود صقر، رئيس دائرة التخطيط العمراني في مجلس المدينة، أكد قيام البلدية بكل المطلوب منها في هذا الملف القديم والشائك، وتعاونها مع الأهالي بدءاً من إعداد دراسة التفصيلية مع جامعة تشرين وعرضها على مجلس المدينة والمصادقة عليها، وتخفيض مساحة البلوكات والمقاسم المطلوبة للعمران، فعلى طول 1400 متر، وهو طول هذه الواجهة، تم زيادة عدد البلوكات من 27 إلى 82، وهو ما يعطي أريحية بالنسبة للأهالي.. وبالتفاصيل، فالمساحة التقريبية للمقاسم اليوم – بحسب التنظيم – تتراوح بين 400 و900 متر مربع، وهناك مقسم واحد مساحته 250 متراً مربعاً، وثلاثة مقاسم تقريباً مساحتها فوق 2000 متر مربع، والتنظيم المعد سيكون استخدام مختلط سكني، سياحي، تجاري، مشيراً إلى أن مجلس المدينة قام بمعالجة كل الطلبات المتعلقة بإجراء الإصلاحات والترميم المؤقتة المطلوبة لتأمين الأهالي، وبالنسبة لإشكالية الشارع التنظيمي فهو اليوم موضوع تقاص بين من ضربت عقاراتهم في المخطط التنظيمي ومجلس المدينة.. واليوم الملف بالكامل، مع مجمل طلبات الاعتراض وغيرها، يراوح في وزارة الإسكان والأشغال العامة بعد تحفظ ممثليها على بعض النقاط مثل مراعاة المسافة بين الكتل والمساحة، وطلبهم عرض الملف على الوزير.

 

أعصاب “متراخية”

مع بطء التعامل في ملف الكورنيش الشرقي لمدينة طرطوس، والانتظار مجدداً لخروج المحضر الذي وقعته اللجنة الإقليمية من وزارة الإسكان والأشغال العامة بعد موافقة الوزير، ثم إحالته للمكتب التنفيذي في مجلس المحافظة وإصدار قرار بالتصديق يحال للوزارة، لإصدار قرار بتعديل التنظيم، تستمر أحلام سكان مدينة طرطوس برؤية مدينتهم بحلة جديدة وتنظيم عمراني حديث يليق بتلك المدينة السياحية.. ويبقى الترقب والخوف هاجس سكان المنطقة، وتحقيق العدالة مطلبهم المؤجل.