دفتر الديون؟!
على ما يبدو لن تحدث في المدى المنظور أية تغييرات حقيقية على السيناريو الشهري لحياة آلاف الموظفين لناحية التسجيل على الدفتر (الديون) عند الكثير من أصحاب المحال المختلفة، وحتى في الصيدليات والعيادات، وذلك حسب البيان الوزاري الذي لم يخرج عن نص البيانات السابقة. وهنا، لا نسعى لإدانة الأداء أو أية شخصية اعتبارية، بل نحاكي المرحلة القادمة من بوابات الواقع الاقتصادي والاجتماعي، فقد يكون من الخطأ التقليل من الجهود التي تُبذل من قبل المؤسّسة التنفيذية والحكم عليها بأنها بيادر خالية الغلال، كونها لا تحصد النتائج المرجوة منها لضآلة العائدية الاقتصادية التي يمكن أن يتلمّس منها المواطن التحسّن المطلوب، ولتعثر الخطوات التي تشكّل أهم معيار للأداء المؤسساتي، فكلما كان هناك تقدم إيجابي كان هناك ارتفاع في مقياس الرضى الشعبي. وهنا لابد من التوقف والتأكيد على فاعلية التواصل الإعلامي في اتجاهين وليس في اتجاه واحد، حيث لا يتمّ الاكتراث برجع الصدى الذي يمثّل حقيقة موقف الشارع حيال ما يُتخذ من قرارات أو ما يتمّ تنفيذه على صعيد العمل الحكومي.
وربما يكون الحضور المتواضع لملف الرواتب والأجور في البيان الوزاري مبرراً في هذه الظروف التي تمتحن صمود الجميع، ولكن هذا “الحضور المتواضع” أيضاً يعيد إلى الأذهان عجز السنوات الماضية، وتلك المقولة التي أجهضت التفاؤل الشعبي في وقتها: “صعوبة زيادة الرواتب في الوقت الحالي والأسباب تعود للإيرادات التي لم ترتفع للدرجة التي تسمح بزيادة يشعر بها المواطن”، والتي وضعها الناس في خانة نعوة زيادة الرواتب وإسدال الستارة على هذا الملف، بعد أن علقت عليه أوسمة الأزمة بكل جدارة وسجلته في سجل النسيان والتأجيل، فعلى ما يبدو لم تكتب إلى الآن الحياة لهذا الملف المهم والضروري رغم الضغط الشعبي والمطالبات المستمرة بإعادة النظر به، خاصة وأن معظم الدراسات المهتمة بالوضع المعيشي للأسرة السورية أكدت أن متوسط احتياجات الأسرة السورية المكونة من خمسة أفراد يعادل أكثر من 230 ألف ليرة سورية، أي أنه يزيد بمقدار أربعة أو خمسة أضعاف دخل الأسرة على الأقل من الرواتب والأجور التي تتلاشى مباشرة أو قد تكون منتهية قبل استلامها من المحاسب.
ورغم أن الحديث عن الرواتب والأجور قد يُحرج الحكومة ويحشر الكثير من وزاراتها ومؤسساتها في خانة التقصير وعدم الإيفاء بالوعود، إلا أن ارتدادات وتداعيات هذا الملف على حياة الناس تمنحه فرصة الطرح والأخذ بوجهة نظر قد تعيد بصيص الأمل للواقع المعيشي، خاصة وأن الفجوة بين الإنفاق والدخل من الرواتب والأجور أدت إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية، الأمر الذي يشكّل تحدياً جوهرياً أمام الحكومة في عملية الإصلاح الاجتماعي الذي ستكون تكلفته أعلى بأضعاف مضاعفة أمام تكلفة الإصلاح الاقتصادي المطلوب في يومنا هذا.
باختصار.. ما جاء في البيان لم يبدّد المخاوف ولم يشبع أو يروي ظمأ الجيوب العطشى التي باتت تحت خطر الفقر، فالمنظومة الحالية للأجور أصبحت متقادمة ومعقدة وغير متجانسة، واستمرارها من شأنه أن يؤدي إلى استمرار الاختلالات، ولذلك لابد من قرار جريء يدعم المنظومة الأجرية ويجعلها محفزة ومنصفة وشفافة، بدلاً من المزيد من القرارات الخانقة التي تزيد من أعباء الناس، وتوسّع الفجوة بين الأجور والأسعار، فيسقط المستوى المعيشي اللائق للسواد الأعظم من الشارع السوري في ظلمة الحاجة، وخاصة مع معادلة جديدة تُطرح اليوم من قبل المؤسسات التنفيذية تقول (إجراءات النقص لا الوفرة)، وهنا تتعدّد التحفظات اللاهثة في ميادين المحاسبة والمساءلة لمن سبق أو لمن استمر في مواقع صنع القرار الاقتصادي والخدمي وبمختلف المستويات.
بشير فرزان