ثقافةصحيفة البعث

الشعر.. أحلام وهموم وتجارب مع الشاعر جمال المصري

أطلّ علينا الشاعر جمال المصري بأحلامه وهمومه وتجاربه وقصائده المرصعة بألوان الحياة المختلفة من خلال الفعالية الأدبية التي أقامها مؤخراً فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب تحت عنوان “الشعر.. أحلام وهموم وتجارب” أدارها الأديب صبحي سعيد، الذي رأى أن الشعر ليس فقط للتعبير عن الآلام والمحن بل هو جرعة تفاؤل وافية من الأمل، والشاعر المصري مهندس بارع في بناء قصيدته بما يشدّنا إلى كل جملة وعبارة ولوحة شعرية.

رسالة كونية

في جو من التفاعلية والحوارية تحدث جمال المصري عن بداية تجربته الشعرية فقال: نظمت الشعر منذ زمن، وكان ظهوري الأول على المنبر عام 1978، وانقطعت بعدها لعشر سنوات حيث كنت أحد قواد الثورة الفلسطينية في جنوب لبنان ولعبت حينها دوراً مهماً في الوعي الثقافي إضافة إلى عملي في الثورة، وعاصرت العديد من الشعراء المهمّين في الوسط الثقافي مثل ممدوح عدوان وسعد الله ونوس وغيرهم. وأوضح صاحب ديواني “سفينة الحلاج، شيبتي من ياسمين”: سبب تأخري في إصدار دواوين مطبوعة أنني لم أكن أملك مناخات مناسبة بشكل فعلي، ولديّ العديد من الدواوين المنجزة وغير المنشورة لأن النشر الخاص مكلف جداً، أما النشر الرسمي فتلعب فيه المحسوبية دوراً كبيراً، وأنا لا أريد أن أدخل في ذلك، لذا ألجأ إلى النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وربما في فترة الأزمة في سورية ساد التكرار على  كتابتي لأن الظروف المتشابهة تخلق شعراً متشابهاً، ومن الطبيعي أن أنشغل بأزمة الوطن وما يدور فيه من صراع، ومن أجل فضح المعطيات الراهنة والاعتداءات والمؤامرات، لكن ما أن لاحت بوادر انتهاء الأزمة حتى عدت إلى الساحة الأدبية برؤية فلسفية جديدة.

وبيّن المصري أن للشعر دوراً كبيراً في تنوير الناس، فهو ديوان العرب ومخازن الحكمة ومستودع العلم، وله دوره أيضاً في توظيف المفاهيم لدى البشر، ففيه سحر يأسر النفوس، مشيراً إلى أن تعريفات الشعر المختلفة لم تعطه حقه، فهو مثل النور تشعر به ولكن لا تقبض عليه، وجميع تلك التعريفات لا علاقة لها بجوهر الشعر الذي له رسالة كونية إنسانية.

مناخ حر

وأشار المصري إلى ضرورة أن نولي مسألة الحداثة أهمية أكثر، ففي المدرسة يعطوننا قضايا مفروضة وذائقة جمالية محدّدة، ما يحول دون أن تكتمل الذائقة النقدية، منوّهاً بظهور شعراء دعوا لانفتاح الحداثة، فها هو السياب يستخدم الرموز والأساطير في شعره محاولاً التعبير عن أفكاره هرباً من الرقابة، مثل “عيناك غابتا نخيل”، حيث استخدم الأسطورة لتعميق المعنى الحقيقي الذي لا يغيب عن ناقد متمرس، والشاعر فعلياً يمتلك ثقافته الخاصة ولديه مشروعه المهمّ، ومعظم الشعراء يعتمدون على الأساطير والإسقاطات في كتاباتهم وهذا يتطلّب منهم معرفة عميقة بتاريخ بلدانهم، ولعلّ اللغة أبسط وأهم مقوماتها، فها هو محمود درويش يقول: “لا طروادة بيتي ولا مسادة وقتي”، كما كان للشاعر أمل دنقل دور كبير في استخدام الأسطورة التي تلقي ظلالها على الواقع من خلال نص “زرقاء اليمامة” الذي فتح آفاقاً جديدةً للتعامل مع الأسطورة.

وأكد المصري أن الثقافة التي يتمتّع بها القارئ تتيح له الولوج إلى عمق النص، وغالباً القارئ في تعامله مع الشعر بسبب انشغاله بمتاعب ومشاغل الحياة يقرأ القصيدة قراءة عابرة دون تذوق، فيمرّ على النص الذي أرهق الشاعر بنظمه مرور الكرام، معتبراً أن الشعراء الذين لجؤوا لاستخدام الرموز اليونانية وأساطيرها دون الاهتمام بروح هذه الأساطير أخطؤوا لأنهم حاولوا أسر الخيال بالعقلنة، ثم شدّد على أنه لا نستطيع أن نغفل دور الغزو الثقافي وطريقة التعامل مع المثقف، والاستسهال في منح الشهادات الفخرية التي هي سبيل جديد لتحطيم معنويات الكاتب والشاعر والباحث وغيره حيث تُمنح لمن لا يستحقها، في حين نرى البعض يعمل بجدٍ لابتكار أفكار مهمّة وتأليف الكتب القيّمة ولا يأخذ حيزاً من الاهتمام الذي يستحقه، منوّهاً بدور الإعلام والموسيقى والأغنية في شهرة بعض الشعراء كنزار قباني، وعبد الله الفيصل.. وغيرهم، مشيراً إلى أن الشعر الصوفي كان حركة مهمّة في تاريخ الإنسانية، فالإنسان يستمدّ سلطته من سلطة الله وليس من سلطة الحاكم، حيث عمل الشعر الصوفي على توسيع مفهوم الـ”أنا” والـ”أنت” والعاشق يفنى في المعشوق الذي هو الله، ومؤكداً أن الموهبة تفرض الأداء الشعري وهي تتوالى عبر العصور، فنحن لا نصنع شعراء أو نقاداً لأن النقد والشعر موهبة حقيقية تنبعث من فكر المبدع، والشاعر هو الذي يحوّل القبح إلى جمال بطريقة مبدعة وملفتة، ولا نستطيع أن نغفل التطور المذهل للخطاب الشعري عبر العصور ليصل إلى مستوى عالٍ من الإبداع وبشكل طبيعي اتكأ معظم الشعراء على التراث ثم ما لبثوا أن خلقوا تجربتهم الفريدة، والمبدع الحقيقي هو الذي يحلّق في سماء الشعر ضمن مناخات حرة واستقلالية متفردة.

لوردا فوزي