“التلاميذ لا يتعلمون ممن لا يحبونهم”.. كيف نعزز أسلوب التعليم بالحب؟
عاد مروان إلى منزل ذويه وعلى وجهه علامات الحزن والاكتئاب! وعندما سأله والده عن حاله، غصّ في البكاء وأخبره أن معلم الرياضيات وبّخه أمام رفاقه لأنه أخطأ في حلّ المسألة.
حالة التلميذ مروان واحدة من مئات الحالات، بل وأكثر، منتشرة في مدارسنا دون أن تلقى الاهتمام المطلوب من مديريات التربية، الأمر الذي يرسم أكثر من إشارة استفهام حول غياب الإدارات المدرسية عن هؤلاء المعلمين من ذوي السلوك السيئ والأسلوب المملّ والمنفّر للطلبة، علماً أنه يوجد في كل مدرسة موجهون ومرشدون اجتماعيون يضبطون العملية التعليمية لتسير نحو هدفها المنشود.
بالمقابل إحدى المعلمات وبعد أن أُحيلت إلى التقاعد ودّعها التلاميذ بالدموع، لأنها كانت كالأم، وعندما سألوها عن نصيحتها لزملائها المعلمين، لم تتردّد بالقول: “الأولاد لا يتعلّمون ممن لا يحبونهم”.
الشعور الأبوي
الباحثون في التربية وعلم النفس يؤكدون أن هذه العبارة تصلح لأن تكون “شعاراً” يعلق على مدخل كل مدرسة، من أجل أن تذّكر المعلم بواجباته المدرسية والأبوية، وحتى لا يغيب عنه “الشعور الأبوي في رسالة التعليم” كمدرس وأب للتلميذ.
وهذا ما يؤيده الدكتور آذار عبد اللطيف الأستاذ المساعد في كلية التربية بجامعة دمشق /قسم التربية الخاصة، إذ اعتبر الحب من أهم التقنيات التربوية التي يعتمدها المعلم خلال تفاعله مع التلميذ/ الطالب، حيث يعتمد على هذه الخاصية من خلال ما يمتلكه من عواطف تنعكس سلوكاً بنظر المتعلم، موضحاً أن المتعلّم بحدّ ذاته وبالفطرة، أول حكم يطلقه بحق معلميه يتمثل بمدى الحب والتعاطف الذي يناله منهم، والكثير من الدراسات الحديثة حول هذا الجانب أكدت على دور الجانب العاطفي الإيجابي في نجاح عملية التربية ككل والتعليم بشكل خاص، إذ لا يمكن لأحد منا تجاهل أو إنكار هذه المقولة في الجانب التربوي.
جوانب أخرى مهمة
وبيّن الدكتور عبد اللطيف أن التعليم بالحب لا يتوقف فقط على آلية تعامل المعلم مع المتعلم، بل هناك جوانب أخرى تلعب دوراً مهماً في ذلك، فإحساس المتعلم بأنه متعلق بالمكان له دور، ومتعلق بالأقران له دور أيضاً، ومتعلق بكل خطوة يخطوها تجاه المدرسة له دور أيضاً، وبالتالي علينا أن ننظر للموضوع نظرة تكاملية شاملة وليست من طرف واحد فقط.
سؤال محيّر؟
وبخصوص سؤال: كيف يمكن للمدرسة وللنظام التعليمي خلق جو التعليم بالحب على أرض الواقع؟ أوضح الدكتور عبد اللطيف أن الإجابة محيّرة بهذا الشأن، لأن ذلك يتوقف على طبيعة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمن والأمان في المجتمع. ونحن نعيش في هذه الفترة أزمة لا سابق لها، لذا يمكن اختصار ذلك بما يلي: الاستقبال الصباحي المدروس بحيث ترتسم الابتسامة على وجه الكادر الإداري والكلمة الطيبة وحسن الاستقبال العام، والحدّ من توجيه ملاحظات قاسية للمتعلم، مع التأكيد على احترام شخصيته، إضافة إلى التعامل معه وفق قدراته المادية والاجتماعية والتعليمية بالذات، مع ضرورة احترام المتعلم لإدارته ولقسم الإرشاد بالمدرسة، معبراً عن مشكلاته باحثاً عن الحلول لها.
ركائز العملية التعليمية
رياض مفعلاني، مدرس لغة إنكليزية، يرى أن المحبة والودّ هما من ركائز العملية التعليمية والتربوية، فالمعلم يجب أن يكون ذا شخصية محبوبة من طلابه، لا يشتم ولا ينّفر المتعلّمين من حوله، مؤكداً أن هذا الشرط إن تحقق سيجعل العملية التربوية ناجحة بنسبة ٧٠% وبعدها يأتي أسلوب المعلم وطريقة تلقينه المعلومات للمتعلمين بطريقة سهلة غير ممتنعة.
.. والعكس صحيح!
السيدة عائدة عباس، أمينة سر، تؤيد ما سبق من كلام، موضحة أن الطالب يتعلم ممن يحب وحبّه لأستاذه أو معلمّته يعطيه دافعاً لمتابعته، ويشجّعه على مواصلة دروسه، والعكس صحيح، لهذا – تقول عباس – نجد الكثير من التلاميذ يكرهون الذهاب للمدرسة أو يغيبون عن بعض الحصص نتيجة عدم ارتياحهم لشخصية المعلم وأسلوبه التعليمي، وهذه مشكلة يجب أن تحلّها إدارات المدارس، وأعتقد أن لديها القدرة على ذلك، بالتعاون مع مديريات التربية والوزارة.
وتؤكد عباس أن أسلوب “التعلّم بالحب” يمكن أن يطبق، وذلك بتشجيع الطالب في الأنشطة والمكافآت، حتى لو كانت معنوية، والانتباه لمعاملته بلطف، لأن العامل النفسي له دور كبير في التعليم وتقبّل الأفكار من قِبل الطلّاب، مشيرة إلى أن جيل اليوم من التلاميذ أصبح متفتّحاً ومطّلعاً على العديد من القضايا التي تخصّ المجتمع ككُل، ونأمل من وزارتنا الكريمة أن تسعى وأن تطوّر كفاءات المعلم بتدريبه بشكل مستمر، وأن توجّه الطلبة نفسياً قبل أن نفكّر بإعطاء حصّة درسيّة قد تكون مملّة لأغلبهم.
الحب في العطاء
من جانبها أكدت زيزي حناوي، مديرة مركز تعليمي خاص، أن المعلم عندما يتقن أسلوباً سلساً ومرناً في توصيل فكرته عن طريق المحبة يكسب ودّ الطالب وحبه له ولمادته، وحرصه على تقديم أفضل ما عنده من أجل أن يكبر بعيون معلمه ويحظى بثناءٍ منه، وتضيف: مستحيل أن يزعج طالب أستاذاً أحبه، أنا كمديرة دائماً أتحاور مع الزملاء المعلمين ونتفق جميعاً على أن تكون كمية الحب والاحترام للطالب بقدر كمية المعلومات، وهذا نوع من سلوك الاحتواء والتفهم لشخصية الطالب حتى يتمكّن المعلم من الحصول على أفضل استجابة وأفضل نتيجة.
وطالبت السيدة حناوي بضرورة الاهتمام بالظروف الاقتصادية للمعلمين، وتحسين واقعهم المعيشي من أجل الارتقاء بمستواهم الاجتماعي وليتمكنوا من تأدية واجبهم على أكمل وجه.
أين مجالس أولياء الأمور؟
اشتكى أبو محمد من تهميش اجتماعات أولياء أمور التلاميذ في المدارس، مشيراً إلى وجود شكاوى عديدة في المدرسة التي يتعلم فيها أولاده، والتي تشير إلى أن بعض الأساتذة حولوا المدارس لمحطة للاستراحة من تعب الدروس الخصوصية التي تستمر لساعات متأخرة من الليل، وبرأيه هذه الحالة من الفوضى تنعكس على الطلبة الذين لا يجرؤون على إزعاج الأستاذ الذي يقضي الحصة نوماً مع مزاج عصبي غبر مبالٍ برسالته التعليمية!.
حالة غريبة!
وانتقدت إحدى السيدات تعامل وزارة التربية مع المدارس على مبدأ “خيار وفقوس” لجهة إهمال المدارس في الريف، التي تعتمد على مدرّسين من خارج الملاك لملء فراغ الحصص الدرسية الشاغرة بمدرسين لا يعلمون شيئاً عن قدرات الطلبة، ولا يملكون الخبرة وهمّهم المال قبل العلم، وهذا ما يجعلهم غير مبالين بالتلاميذ، بل ويعاملونهم معاملة سيئة، مستغلين علاقتهم الجيدة بإدارة المدرسة، متسائلة: أين دور الموجهين التربويين ممن يطلقون عليهم لقب “الموجه الأول في وزارة التربية”؟.
معلومة ومعاملة
بالمختصر.. التعليم ليس معلومة فقط، وإنما معاملة تقوم على تقدير الظروف لكل طالب، ومن المؤسف أن العديد من الإدارات المدرسية يغيب عن ذهنها هذا الأمر، حيث ما زالت تتعامل بصيغة الأمر مع التلاميذ والطلبة، وبنوع من اللامبالاة مع شكواهم وشكوى ذويهم، فما الجدوى إذن من وجود مرشدين اجتماعيين ونفسيين واجتماعيين ومجلس أولياء الطلبة؟، لذا هناك حاجة ماسة وضرورية لاستمرار تأهيل وتدريب المعلمين على أفضل الأساليب التعليمية وأحبها للتلاميذ والطلبة، كون ذلك حجر الأساس في تعزيز العلاقة السليمة مع الطلبة، فإلغاء الضرب بالمدارس لا يكفي، لأن التعنيف النفسي للطالب له آثار خطيرة على نفسيته قد تجعله يتسرب من المدرسة ويكره كل شيء فيها!.
غسان فطوم