الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب.. إمكانيات متواضعة ومسؤوليات ضخمة!
أحدثت الحرائق التي اندلعت مؤخراً صدمةً كبيرةً في المجتمع السوري، بسبب حجم الأضرار الكبير الذي نتج عنها، لتضع الجهات المعنية أمام سؤالٍ جوهريّ حيال الدور المنوط بها لحماية ما تبقى من ثروتنا النباتية ومحمياتنا الحراجية، لتتصدّر قضية الحرائق المشهد العام ويطالب الكثير من السوريين بأن تتحوّل إلى قضية رأي عام، بحيث تتمّ محاسبة المقصرين، وتُفعّل القوانين المتعلقة بهذا الخصوص.
والحقيقة، فإن موضوع الحرائق ليس بالأمر الجديد، وهو لم يشكّل مفاجأة للجهات المسؤولة، بالتأكيد، فمنذ أكثر من أربعين عاماً ونحن نعاني من هذه المشكلة التي زادتها الحرب صعوبة وساهمت في تعقيدها أكثر بسبب النقص الحاصل في المستلزمات الأساسية والضرورية، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلّق بالفساد والتقصير والإهمال لدى البعض. والحرائق الضخمة التي اشتعلت مؤخراً في منطقة الغاب، وأتت على الأخضر واليابس، تتحمّل الجهات الحكومية – بشكلٍ أو بآخر – المسؤولية الكبرى عنها لجهة التقصير والإهمال الكبير الذي تعاني منه المنطقة، التي انهالت عليها الوعود من الحكومات المتعاقبة لجهة العمل على توفير وسد النقص الحاصل في المستلزمات، والذي بقي كلاماً ووعوداً ذهبت أدراج الرياح، لنحصد اليوم نتائجها، سواء من حيث الخسائر الضخمة التي تكشفت عنها الحرائق أو لجهة ضعف الإنتاج الزراعي في تلك المنطقة التي تعدّ من أغنى وأخصب المناطق الزراعية في سورية، أو كما يسميها أصحاب الشأن خزان سورية الزراعي.
“ع الوعد يا كمون”!
وعود كثيرة قدّمتها الحكومة في عام 2018 برفد إدارة الهيئة العامة لتطوير الغاب بالإطفائيات، لم ينفذ منها شيء، لتعاود الحكومة في عام 2019 تجديد الوعود وإبقاءها مع وقف التنفيذ، وخاصةً مع العدد القليل للآليات الموجودة هناك، والتي إضافةً إلى عملها الأساسي بإخماد الحرائق تقوم بتعزيل مصارف الري وتخديم الفلاح والكثير من المهام التي يصعب تنفيذها بالإمكانيات المتواضعة القائمة، وبتلك الآليات القديمة. وما لا شك فيه أن إيقاف الحرائق بشكل كليّ أمر مستحيل، ولكن معالجة المشكلة قبل حدوثها تبقى الأهم، ووضع الإصبع على الجرح ومعرفة الأسباب التي تساهم باندلاع الحريق وتقديم كل الإمكانيات الضرورية واللازمة، والتي من دونها لا يمكن على الإطلاق الحدّ أو السيطرة على الحرائق.. ذلك هو المطلوب وهو ما يشكّل عامل وقايةٍ. وهنا تبذل الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب جهوداً كبيرة في ظل الإمكانيات المتواضعة والتحديات الكبيرة التي تواجهها.
المدير العام للهيئة المهندس، أوفى وسوف، أوضح الصعوبات والتحديات التي تواجه عمل هيئته بالقول: هناك نقص كبير في مستلزمات العمل.. كنّا نمتلك قبل الأزمة 25 إطفائية إضافة إلى خمسة بلدوزرات جنزير وخمسة تركسات تُستخدم ضمن خطة سنوية لشق وقش وترميم الطرق الحراجية لأهمية تلك الطرق كعامل أساسي في إخماد الحرائق وتأمين سرعة التدخل، إضافة إلى وجود مركزي إطفاء يحتويان أحدث التجهيزات (أبراج مراقبة للحرائق مجهزة بشبكة لاسلكي متطورة جداً). أما ما تمتلكه الهيئة اليوم فهو فقط 11 إطفائية و2 بلدوزر و2 تركس، تعاني الكثير من الأعطال. وأضاف: بدأنا خطة شق وترميم الطرق الحراجية في الشهر الخامس، وحتى الآن لم تُنجز الخطة بسبب قلة الآليات العاملة، والجميع يعلم أهمية شق الطرق وترميمها، والتي كان لها في كثير من الأحيان دور كبير وحاسم في إخماد الحريق وإيقافه عند حدّ معين ما يسهم بتخفيض المساحة المحروقة بشكلٍ كبير.
خططٌ تُحضر..
ويوضح وسوف أنه، سنوياً، وقبل البدء بموسم حصاد القمح، يتمّ تحضير خطة لمكافحة الحرائق على مستوى المحافظة، حيث توضع خطة شاملة بمشاركة جميع الفعاليات الخدمية، ويتم توزيع الآليات والإطفائيات بحيث تغطي كامل مساحة الغاب، كما توضع الآليات الموجودة لدى الجهات المعنية تحت تصرف المحافظة لاستخدامها عند الطلب، ووفقاً للإمكانيات المتاحة، ويتمّ توزيع فرق الإطفاء والآليات بمعدل فرقة إطفاء وإطفائية كل عشرة كيلومترات، بدءاً من جورين شمالاً وحتى حنجور جنوباً، ويتمّ توزيع فرق الإطفاء على أبراج المراقبة المتوفرة على شكل مناوبات لرفع الجاهزية عند حدوث أي حريق، وتسيير الدوريات على جميع المواقع والمفارق الحراجية.. واليوم تتم المتابعة من قبل جميع العاملين في الهيئة، مدراء وفنيين معنيين، ولكن الإمكانيات اختلفت!!
غير أن الكثير من الأهالي حمّلوا الجهات المعنية مسؤولية لا يستهان بها عن اتساع حرائق هذه السنة، حيث أوضح أحدهم أن وجود المسؤول يعطي زخماً للعمل، مؤكداً أنه وحالما وصل محافظ حماة إلى منطقة عين الكروم تواجد الدفاع المدني والهلال الأحمر، متسائلاً، شأنه شأن الكثيرين: لماذا تتواجد أساطيل أحدث السيارات عند المسؤولين على الرغم من عدم حاجة المسؤول لكل تلك السيارات الفارهة التي تكلف ميزانية الدولة مبالغ ضخمة، وفي الوقت نفسه يتمّ التجاهل والتعامي وغضّ البصر عن حاجة منطقة أو مديرية حيوية ما إلى آليات أو مستلزمات يعلم الجميع ضرورة وجودها.ز كالإطفائيات وغيرها؟
رفع جاهزية
يؤكد وسوف توفر المحروقات منذ بداية الموسم في شهر أيار وحتى تاريخه، حيث لم يحدث نقص على مستوى الهيئة بهذا الخصوص، سواء البنزين أو المازوت، وخاصةً للآليات التي تعمل في إخماد الحرائق، مضيفاً: خلال الموسم القادم ستقوم الهيئة بالتعاون مع وزارة الزراعة ولو بشكلٍ مؤقت بتجهيز مراكز إطفاء عن طريق استخدام غرف مسبقة الصنع، وذلك للدور الكبير الذي توفره تلك المراكز لجهة رفع جاهزية فرق الإطفاء، كما وضعت الهيئة ضمن خطتها القادمة شراء عشر إطفائيات و2 بلدوزر و2 تركس دولاب، لتأمين شق وترميم الطرق الحراجية بالسرعة الكلية، إضافةً إلى تأمين العدة والأدوات اللازمة للعمال لإخماد الحرائق، حيث سيتمّ شراء الآليات اللازمة من ضمن مبلغ الخمسة مليارات الذي كانت الحكومة قد خصّصتها في الفترة السابقة لمنطقة الغاب.
تعديل القوانين..
يحتاج العاملون في هذا القطاع، وخاصةً أولئك الذين يتعاملون مع الحرائق، والفنيون (اتصالات لاسلكية)، وغيرهم، إلى قوانين مرنة تمكّنهم من أخذ حقوقهم كاملة بسبب طبيعة عملهم الخاصة. وعلى سبيل المثال، القانون رقم 78 لا يستفيد منه الفنيون (اتصالات لاسلكية) على الرغم من أحقيتهم بذلك، وهنا يؤكد وسوف أن معظم العمال الذين يتمّ تعيينهم بشكلٍ سنوي هم عمال موسميون لستة أشهر، خبرتهم قليلة في التعامل مع الحرائق الحراجية، وحالياً الهيئة بصدد إجراء مسابقة لتعيين 60 عامل إطفاء دائمين سيتمّ تدريبهم وزجهم بالعمل خلال المرحلة القادمة.
ختاماً.. خسائر فادحة سبّبتها الحرائق، فقد أتت النيران على نحو 25 ألف دونم في حريقي الفريكة وعين الكروم فقط! أراضٍ تحتوي على كمّ هائل من التنوع النباتي والحيوي الذي له أثر كبير بالمناخ، حيث إن أغلب الأشجار التي احترقت هي أشجار سنديان وبلوط لها دورها الكبير في منع انجراف التربة والحفاظ عليها، ما سيحدث مشكلة كبيرة شتاءً، إضافةً للخسائر المادية للأهالي الذين خسروا مصدر رزقهم الوحيد، وخاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، فهل ستكون تلك الحرائق درساً قاسياً يُستفاد منه؟ وهل سيتمّ العمل على تدارك الأخطاء والمحاسبة؟ وهل سيتمّ تغيير العقلية القائمة ووضع منهجية علمية، أم ستبرد الهمم كما أخمدت النيران بعد التهامها لغابات وطننا؟!
لينا عدرة