توثيق الإرث الصناعي والتجاري.. احتفاظ بحقوق التسجيل العالمي وعبور سهل إلى أسواق التصدير
سرقة التاريخ ليست أمراً جديداً في العالم، لكن الغريب هو ألا نكترث بأهمية الحفاظ على مقدراتنا التراثية بكل أصنافها، وهنا لا نقف أمام سرقة الآثار والتحف والأيقونات فقط بل الامتيازات الحرفية والصناعية التي تخصّ منطقتنا الجغرافية التي لا يمكن حمايتها إلا عن طريق تسجيلها كعلامة تجارية سورية بامتياز، ولا يتمّ هذا الأمر إلا في سويسرا التي تمنح تلك العلامات الصناعية المختلفة، هذا ما جعل تركيا تسارع لتصنيف الفستق الحلبي كعلامة مسجلة لها لتستفرد بذلك في تجارة هذا المنتج، هناك تقصير وخلل باهتمامنا بمنتجاتنا التي تعتبر فريدة من نوعها عالمياً، فرغم تسميتها الدالة على مكان إنتاجها إلا أن الأحقية في تجارتها تعود لمسجل العلامة التجارية لها، مما يجعل الأمر أكثر خطورة، حيث لم نتمكّن إلى الآن من إثبات الملكيات التجارية الجغرافية لنا رغم التميز الكبير لها وسمعتها الجيدة عالمياً، بعض الجهات تسعى الآن للحفاظ على العلامات عالمياً عبر البحث في أسباب توثيقها وتبريرات ملكيتها، خاصة وأنها عديدة في بلدنا، فمنها صابون الغار والبروكار والسيف الدمشقي وغيرها من المنتجات السورية التي لا يمكن إيجادها في بلد آخر بسبب خصوصيتها واحتراف صناعتها عالمياً.
الوردة الشامية
تعطي عملية الحفاظ على المنتج أهمية تجارية كبيرة عبر تسجيلها وتصنيفها دولياً وإعطائها صبغة جغرافية، والأمثلة كثيرة كالزبدة الدانمركية والعطر الفرنسي والحذاء الايطالي، فجميعها ترتبط بمنطقة جغرافية محدّدة لجودتها العالية ودقة تصنيعها بحيث أخذت الأولية في التسمية والتصنيع. وبحسب مدير حماية الملكية التجارية والصناعية في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك شفيق العزب: لابد من أن تحصل سورية على سند ملكية للعديد من المنتجات التي ترتبط بجغرافيتها والأمثلة عديدة، لأن بعض الدول تحاول أن تلصق منتجاتنا بها حيث قامت تركيا التي اعتادت على سرقة كل شيء من حلب بسرقة ملكية الفستق الحلبي عبر تسجيلها لسند ملكيته في سويسرا، مما جعلها تستحوذ على العلامة التجارية الجغرافية للفستق الحلبي. ويضيف العزب: لدينا العديد من الخاصيات الصناعية التي نتفرد بها في بلدنا كصابون الغار والسيف الدمشقي الذي لا يمكن أن يصنع إلا في سورية بسبب خصوصية تصنيعه وغيرها من الصناعات، لقد تمكنا إلى الآن من تسجيل الوردة الشامية كعلامة تجارية وحصلنا على سند ملكيتها، وتمّ ذلك من خلال التعاون مع الأمانة السورية، ومازال عملنا قائماً لتحديد صناعاتنا وتوثيق تاريخها في المنطقة للحصول على سند ملكيتها واتباع جميع الإجراءات القانونية التي ستضمن لنا حقوقنا الصناعية والتجارية عالمياً.
منتج جغرافي
لعلّ الكثير منا لا يملك المعلومات الكافية حول أهمية الحفاظ على ملكية منتجاتنا، وخاصة تلك التي تحمل خصائص جغرافية مهمة، أي أنه لا يمكن وجودها في مكان آخر. ومن وجهة نظر علمية يبيّن لنا الخبير الاقتصادي فادي عياش أن أهمية سند الملكية تكمن بالعديد من الجوانب، منها حقوق المالك بالحفاظ على صناعته ومحاكمة أي شخص يسعى لتزويرها والاستفادة من سمعتها واسمها، إضافة إلى حقه في إعطاء الامتيازات والوكالات لمن يرغب في إنتاج هذه المادة ضمن شروط معينة تتعلق بالجودة والمواد الأولية لها، بمعنى آخر استجلاب المواد الأولية من البلد الأصلي لهذه الصناعة وبحسب المؤشرات الجغرافية لها، على سبيل المثال صابون الغار أو الزعتر الحلبي، وهنا نرى أن المنتجات الجغرافية معظمها مرتبطة باسم المكان الذي تصنع فيه. ويشير عياش: في حال تسجيل الملكية علينا أن نجمع الدلائل حول صناعتنا بمنطقتنا الجغرافية والتوثيق عبر الفواتير والسجل الصناعي للمنتج والمواصفات التي يختصّ بها من تركيبة ما ومواصفات مميزة قد يكون منها ميزة المهارة “مهارة اليد العاملة”.
صورة ذهنية
من المعروف على المستوى العالمي تأثير قوة العلامة التجارية التي تخلق لدى الناس الولاء المطلق من حيث المبدأ، وتملك علامة فارقة ومميزة وهي ذات قيمة عالية أكثر من رأس المال الفعلي للصناعة. وهنا يؤكد عياش أن قوة العلامة التجارية وخاصة الجغرافية التي تمتلك سند ملكية تحقّق استقراراً بالطلب على المنتجات نتيجة وجود الصورة الذهنية، وهذا ما يغيب بالكامل عن الكثيرين، وتحتاج العلامة التجارية السورية إلى جهد متكامل من الجهات الرسمية والهيئات والجهات الوطنية لمساعدة أصحاب الصناعات الجغرافية في توثيق وتوصيف صناعاتهم لجمع كل المقومات العملية لتسجيل الملكية، والمساهمة في بناء العلامة التجارية السورية كجسر عبور لباقي الدول ودعم تأثيرها على المستهلك العالمي، كما يمكن أن يتمّ العمل من كافة الجهات تحت إشراف رسمي من قبل هيئة دعم الإنتاج المحلي والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والاتحادات إلى جانب المراكز البحثية، مع التأكيد أن العلامة التجارية الجغرافية مؤثرة أكثر في عملية التصدير ومن الأسرار التي تساعد في خصوصية البعد الجغرافي والميزة التنافسية. وينبّه عياش إلى مشكلة التعتيم الإعلامي التي تواجه منتجاتنا والذي تسببنا بجزء كبير منه بسبب عدم الوعي الكافي للحفاظ على الإرث الصناعي والتجاري لمنطقتنا.
ميادة حسن