“عقله مخرب”
بعدما أذن بنك سورية المركزي للمصارف الحكومية باستئناف منح القروض بضوابط أبرزها ألا يتجاوز سقف التسهيل الائتماني مبلغ 500 مليون ليرة سورية، ومبلغ 400 مليون ليرة سورية في حال كان التسهيل الممنوح قرضا عقاريا، راحت الأحلام تأخذ طريقها لبوابات التنفيذ ومساريب المنح، ولاسيما لشريحة الموظفين ومحدودي الدخل الذين مازالوا يتوجسون ألا يكونوا في قائمة المشمولين والمستفيدين، حسب ما يتسلل من أروقة المصارف والمراقبين للعمليات المصرفية.
ولكن ثمة ما يدعو للتوقف عند شريحة تعرض مطالبها بإعادة منح القروض للصناعيين وأصحاب المنشآت .؟! ليبدو المقترح وفق متابعين ومراقبين “وقحاً” جداً، إذا ما استذكرنا أن فضيحة السحوبات المصرفية القديمة والجديدة التي تم “لطشها” من قبل دعاة الرأسمالية الوطنية وتجار المراحل لم تهدأ بعد، في وقت يتعاظم فيه الغيظ والحنق الشعبي والحكومي ممن تهربوا وتمنعوا عن سداد مستحقات المصارف الحكومية عليهم .!
يقول بعض أفرقاء الشراكات الاقتصادية والتنموية ومنهم وطنيو الصناعة والتجارة السورية إنه من العار على من نصب ونهب صناديق المصارف قرضاً وتسهيلات وخطوط ائتمان أن يطالب بقروض متناسياً تاريخه الأسود في هذا الملف.
في المقلب الآخر لا يمكن نسيان أن خزينة الدولة ضخت ملايين التعويضات للمتضررين من صناعيين دمرت منشآتهم وحرقت مصانعهم بغض النظر عن سجل بعضهم المصرفي والضرائبي غير النظيف، فكيف يمكن تمرير مقترح من هذا النوع في زمن عزت فيه الإمكانيات وقلّت الموازنات ليخرج علينا طفيليو “البزنس ” بطمع الحصول على قروض لا نعرف كيف وأين ستوظف وتستثمر ..وما هي الضمانات التي تحول دون استغلالها لأغراض غير بناءة.؟
قد تبدو نوايا الحكومة البيضاء تجاه القروض المتعثرة وملفات الجدولة السوداء واضحة إذا ما استرجعنا سجل القوانين والمراسيم التي صدرت لجهة إظهار حسن النوايا واستقطاب المتهربين والمتملصين وبالعربي الفصيح “سارقي بنوك الدولة”، وآخرها قرار مجلس “النقد والتسليف” الذي سمح بموجبه للمصارف العاملة، بتأجيل أقساط القروض المستحقة على العملاء، لمدة ثلاثة أشهر، بعد دراسة التدفقات النقدية للعملاء المتأثرين من تداعيات انتشار فيروس “كورونا” (كوفيد- 19).
بالمقابل يمكن القول إن من يجرب المجرب حكماً “عقله مخرب” وهذا ما لا نحسن أن يضع أولي القرار أنفسهم به، مع من انتهكوا كل الحرمات المالية والاقتصادية وأخلاقيات وأدبيات التجارة، وارتضوا لأنفسهم أن يستقووا على أموال الدولة من مبدأ “أن سرقتها حلال”، ومع ذلك لا يمكن أن يكون بعض ممن كان أصيلا وملتزماً بشراكته وعقوده وعهوده مع مصارف الدولة، في نفس الخانة، وهؤلاء ممن يؤمنون بالقروض والتمويل التنموي والإنتاجي والتوظيف المستدام الذي يؤمن السلع ويؤمن التشغيل ويفتح ثغرات في جدار التصدير السميك.
هم المستثنون من لعنة ارتكبها مدعو التجارة والصناعة ومرتكبو الاستثمار …وما علينا سوى العظة والاتعاظ حتى نأخذ القروض إلى مكانها ومطارحها الصحيحة التي تخدم المواطن أولاً والاقتصاد ككل ثانياً.
علي بلال قاسم